تم افتتاح معرض الفنّان التشكيلي صلاح كيلاني في قاعة المعارض في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق. يضّم المعرض خمسة و ثلاثين لوحة من مقاساتٍ مختلفة تركز موضوعاتها بشكلٍ أساسي على الطبيعة ، بالإضافة إلى الزهور والوجوه والطبيعة الصامته وجميعها منفّذة بتقنية التصوير الزيتي على القماش. كيلاني الذي بدأ الرسم منذ أوائل الستينات و

أقام العديد من المعارض في سورية وإيطاليا يصنفّ نفسه على أّنه هاوٍ للفن التشكيلي أكثر من كونه فنّاناً أكاديمياّ محترفاً،ويرفض أن تنتمي أعماله إلى مدرسة فنيّة بحد ذاتها: (اعتبر الطبيعة مصدراً لإلهامي بالدرجة الأولى وهي برأيي أفضل معلّمٍ للفنّان، أتصيّد اللحظات الحلوة في الطبيعة وأنقلها إلى اللوحة وفقاً لإحساسي بها بعيداّ عن التقليد ، فأنا  لا أمتلك عيناً فوتوغرافية تسجلّ المناظر التي تراها كما هي، وإنما  أسجلّ على اللوحة انطباعي عن هذه المناظر وأعوّل كثيراً على إحساسي في هذا الموضوع، ويمكن اعتبار ذلك مدخلاً للانطباعيّة في الفنّ الذي أقدّمه، لكنّ هذه التسميات لا تستهويني عموماً-أي المدارس الفنّية-   و يمكنني القول بأن هناك علاقة صوفيّة تربطني بالطبيعة تقودني إلى ماوراء الجمال الكامن فيها، لذلك تجد في لوحاتي الكثير من الروحانيّات).الألوان عند كيلاني مشرقة و باردة وتعبّر عن الحسّ الفطري لدى الفنّان وهذا ماأكدّه لنا( علاقتي باللون فطريّة تعود إلى نشأتي في بيئةٍ ريفيّة سوريّة ووجدت استمرارية لها في الريف الإيطالي، كل الألوان التي تراها في لوحاتي مستمدّة من هذه البيئة، ويغلب عليها اللون الأخضر الذي يوحي بالطمأنينة والسلام والهدوء، وأقدمه بكلّ تدرجاته كما أحس به متداخلاً مع الألوان الأخرى في الطبيعة التي أرسمها، والجأ أحياناً إلى السماكات اللونيّة للتعبير عن طبيعة الجدران الطينيّة والبناء المعماري الريفي).

تبدو تفاصيل لوحات صلاح كيلاني متداخلة بلا حدود، ولا تحدّها خطوطٌ مستقيمة في مطلق الأحوال. وحدها المنحيات سيدّة الموقف و كأنه يريد إضفاء بعدٍ إنساني على كل شيء( في بيئتنا الريفيّة لا يوجد خطوط مستقيمة أو زوايا، تبدو الجدران حنونة و الجمادات في غاية الحميمية).

أما الوجوه فهي عربية الملامح والتفاصيل على الغالب، احتضنها كيلاني في ذاكرته وحملها معه إلى إيطاليا، لتقفز إلى لوحاته بين الفينة والأخرى كوجه الجد أو الأخ أو وجهٍ لأنثى كانت قريبةً يوماً أو لا تزال كذلك. أمّا الحيوانات فتتداخل مع المناظر الخلفية لتمنح التكوين الحركة، خاصّةً حينما يرسمها تتحرك فيعطي المشهد ديمومةً يحتاج إليها.

كان ذلك أبرز ما شاهدناه في معرض الفنًان صلاح كيلاني وساعدنا بدوره على قراءة تفاصيله.

صلاح كيلاني: فنّان تشكيلي سوري مقيم في إيطاليا، من مواليد (التل) بريف دمشق عام 1944 م، بدأ الرسم كهاوٍ في أوائل الستينات و مازال يعتبر نفسه كذلك، من مؤسسي نقابة الفنون التشكيلية في سورية منذ العام 1970 م ، درس الأدب الإيطالي وتاريخ الفن في روما، وأقام العديد من المعارض في سوريّة وإيطاليا حيث يقيم هناك منذ سنواتٍ عديدة.

وفيما يلي سنورد أراء بعض النقّاد في أعماله:

د. محمود شاهين:في كافة أعمال صلاح تبدو القرية ( إنساناً و بيوتاً و مظاهر أخرى) موضوعاً رئيسياً يتناوله بنوعٍ من الحب و الاعتزاز غير المحدود، ولهذا جاءت أعماله مسكونةً بالشعر وبما يشبه السحر الخاص الذي غالباً ما تفرزه قرى مليئة بالعافية... لقد لجأ صلاح إلى نوعٍ من الربط الجميل بين بيوت القرية الطينيّة و شبه المنقرضة واقعياً ، وبين إنسانها الفقير المتعب المزروع فرحه على أجنحة الصدفة والحيوانات التي يعتمدها الفلاح عندنا أساساً لحياته ومصدر رزقه، هذا الربط الجميل مقدمٌ فوق أرضٍ تضج بالخصب والوسامة، وتحت سماء حبلى بالوعودوالمطر، ومن خلال صياغات تشكيلية ٍ مترعةٍ بالحس والغنى والأناقة اللونية الشاعريّة.

عبد العزيز علوان: صلاح فنّان حديث ليس واقعّياً و ليس تجريدياً، يأخذ من الطبيعة ولا يسمح لها أن تسرقه،ويخرج بتكويناته للتعبير عن البقع اللونيّة بدون مغالاةٍ تجريديّة، إنّه مصوّر يعتمد على مفردات الطبيعة بطريقةٍ لا تمثيلية، والعمل الفنّي عنده مشاوير للمتعة والجمال.

طارق الشريف: عاد إلينا صلاح كيلاني بفنٍ له صلاته بنا، وكأنه لم يغادرنا كلّ هذه الأعوام ، بل عايشنا في أعمق أعماقه، وحمل معه الطبيعة والحدائق والريف وقدّمها بصياغةٍ خاصّة فيه وبألوانٍ مستمدّةٍ من بلادنا، وكل المشاهد التي تدّل على أنّه تعايش معها وأحبّها حب العاشق لبلاده ، أوالمفتون بها على نحوٍ لا يصدّق.