افتتح في المركز الثقافي الألماني (غوته) بدمشق معرض الفنان الراحل بيرنهارد فيكي للتصوير الضوئي، وحضر المعرض مجموعة من المختصين وهواة التصوير الضوئي والفن التشكيلي بشكلٍ عام باعتبار التصوير الضوئي رافداً من روافد الفن التشكيلي، وكان من أهم الحضور السيد حازم عبد الرزاق وهو فنان تشكيلي عراقي حيث عبر عن رأيه بالمعرض لـ(esyria) قائلاً:

المعرض جميل ورائع بتعبير الفنان بيرنهارد عن صورة الشخص الكامن في داخلنا، فالصور هي انعكاس لداخلية الفنان وداخلية المُشاهد بآن واحد في رصده لحدثٍ معين يمسك به الفنان بيرنهارد في لحظة من الزمن، ويسعى لذلك من خلال الصورة في إيقافه، وأضاف: إن قيمة الفنان بيرنهارد كبيرة وتبرز من خلال اللقطات الملتقطة وخصوصاً صورة (المرأة العجوز) التي تمثل أهم مثال في نوعية الحرفية من (وجهة نظري) بالاعتماد على تناغم تجاعيد بشرة المرأة العجوز مع حركة الصورة ودينامكيتها في لحظة تفاعل من الفنان مع الصورة وهذا يؤكد حرفيته الكبيرة، وإن مقياس النجاح للفن التشكيلي بمختلف أشكاله تكمن في خلق سؤال لدى المُشاهد عن هذا أو ذاك، وأحب أن أرى الصور الفوتوغرافية التي تكون وليدة اللحظة خصوصاً أن الفنان يختلف عن الأشخاص العاديين في قدرته على التقاط النظرة المعبرة والموصوفة، وهناك وجهة نظر أخرى تعبر عن الصورة..... وهي عبارة عن رصد للوقائع دون تدخل المصور في صنعها.

وبسؤالنا السيد حازم عبد الغني عن كاميرات التصوير الجديدة (الدجيتال) أجاب: بصراحة هناك صراع دائم من وجهة نظري بين التصوير العادي والدجيتال وهذا الصراع غير محسوم إلى الآن، وأظن أن أفضل كاميرا في العالم غير قادرة على

إعطاء الظل والتدرجات اللونية التي أثبتت الكاميرات العادية دقتها في رصد ذلك وإن هذا رأيي الشخصي، حيث يختلف بعض المتخصصين معي في هذا المجال باعتبار أن كاميرات الدجيتال قد وصلت إلى مرحلة ممتازة في التطور من ناحية التصوير الضوئي، وأشار السيد حازم للمعرض الذي قدمه الفنان السوري الشاب ماهر سلمى في مجال التصوير وأكد أنه سيكون فناناً مشهوراً بالمستقبل.

أما الشابة نسرين وهي طالبة في كلية تكنولوجيا المعلومات السنة الثالثة فاعتبرت المعرض من أهم المعارض لما فيه من حرفية فنية في الصور ولشهرة الفنان العالمي بيرنهارد فيكي في التصوير الضوئي وقالت: لقد أحببت الجانب المكاني عند الفنان في التقاطه للطبيعة أو للشوارع في عدة صور مختلفة بعيداً عن المعاناة مع أنه التقطها بصورٍ أخرى.

وهنا كان لزاماً علينا سؤال المصورة الآنسة جيفارا نمر عن المعرض باعتبار لها جانب حرفي جيد بهذا المجال فأجابت: إن معرض الفنان بيرنهارد يمكن أن يفرز إلى ثلاثة معارض فهناك لقطات تجسّد المكان ولقطات تجسد الإنسان ولقطات تمزج بين الإنسان مع المكان وهذا النوع من اللقطات يعجبني أكثر لأنه يعبر عن الحياة بمعناها الحقيقي المجسد للواقع أفضل من تصوير المكان أو الأشخاص بشكلٍ منفرد، وإن مزج الأسود مع الأبيض يعطيك ثراءً بصرياً أعمق من أي شكلٍ آخر مختلف في إدراكنا للواقع من خلال الصورة.

وفي رؤية أخرى للسيد موفق بغدادي- وهو محاضر في كلية الهندسة المعمارية- يركز على تداخل الأبيض مع الأسود في الصور بإعطائها نوعاً من الواقعية بالنسبة لتاريخها، حيث إن اللعبة الجميلة في التصوير الضوئي، برأيه، تكمن في الوقت الذي يحتاجه المصور المحترف ليأخذ اللقطة فيمكن أن يستمر الفنان بمراقبة العدسة وهو في وضعية الالتقاط مدة خمس دقائق أو أكثر لأن الصور في هذه الحالة تكون صوراً أرشيفية وليست صوراً عابرة.

وفي لمحةٍ عن حياة الفنان بيرنهارد فيكي نذكر: هو من مواليد سانت بولتن في النمسا سنة 1919م، سجل في المدرسة الوطنية للتمثيل ودخل هذا العالم بباكورة أعمال مسرحية في فيينا وبعض العواصم الأوروبية، وحقق شهرة عالمية كمخرج عبر فيلمه "الجسر" حيث نال عدة جوائز عالمية أشهرها جائزة "كولدن كلوب" وجائزة بايرن للأفلام الألمانية، وحاز جائزة "ufa" الفخرية وحصل على جائزة "uci" لإنجازاته في مجال الأفلام في برلين وتوج بجائزة الفيديو الألماني، وشارك في إخراج فيلم لهوليود تحت أسم "اليوم الأطول" ولا ننس أنه رشح لجائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي عن فيلمه (الجسر)، وبدأ بالتصوير الضوئي سنة 1952م واستمر بعد ذلك بالتصوير والإخراج إلى سنة 1990م حيث حصل على أفضل مدير تصوير في مهرجان برلين، وفي الثمانين من عمره لسنة 2000م وافته المنية في الخامس من كانون الثاني بمدينة ميونخ.

وفي النهاية كانت حياة الفنان بيرنهارد فيكي ملأى بالنجاح والإبداع المتميز في إمساكه للزمن والعمل على إيقافه من خلال الصورة التي أستوقفت الكثير من الهاوين والمختصين في التصوير الضوئي عنده دون أن توقف الزمن الذي لا يقف أبداً.