عشية أول أيام الربيع صدحت نعمى عمران على خشبة مسرح تياترو( بيت دمشقي عتيق في منطقة القنوات) صدحت بأجمل ما تنشده مغنية أوبرا سورية على أنغام عازف البزق محمد عثمان.

تياترو (معهد تمثيل خاص تشرف عليه الفنانة مي اسكاف يقيم دورات، وورش عمل للرقص والمسرح، وكتابة السيناريو، ومختلف فنون الأداء... يحتضن الفرق الشابة، ويقيم العديد من الفعاليات الثقافية والفنية).

تمت الاستفادة من خصائص البيت الدمشقي بشكلٍ ملفتٍ للنظر... الليوان أصبح مسرحاً ... المسرح لا تحجبه الستائر عن أعين النظارة... بدا بتجهيزاته البسيطة وعمقه المحدود فضاءاً رحباً ينتظر بلهفةٍ صوت نعمى عمران على خلفية ثلاثة قطعٍ متباينة الأشكال من المرايا .

عكست المرايا في اللحظات الأولى ترقب الجمهور لليلة سحر... لتعكس لاحقاً كل المشاعر التي حركها صوت نعمى، وعزف محمد عثمان في قلوب الجمهور،وعيونهم، و مخيلتهم...

الشموع في كل مكان تبعث إضاءتها من خلال شجرة النارنج المتكئة على أحد جدران البيت العتيقة، ومن النوافذ العلوية المطلة على صحن الدار ...

الأطفال ينتظرون على الدرج كما لو كانوا يراقبون العروس على غفلةٍ من الكبار بكل ما في الطفولة من فضولٍ وبراءة.

كل شيء بدا منظماً بدقة، وفيه حميمية الشرق... فناء الدار كان مليئاً بالضيوف في مشهدٍ أقرب ما يكون للعرس الدمشقي... رحبت مي اسكاف بضيوفها كما تفعل سيدة الدار عادةً...

عندما بدأت نعمى بالإنشاد صمت الجميع بخشوعٍ وانسجامٍ شديدين، لم يقطعهما سوى أصوات الفلاشات الضوئية لأكثرِ من مصورٍ احتشدوا لهذه المناسبة.

وفي حوارٍ راقٍ مع آلة البزق لا مس قلوب الجميع لأكثر من ساعةٍ و ربع ...أخذت نعمى تقلب دفاتر صلاتها، وتنشد أشعار الشرق والغرب ( باللغة السريانية، والروسية، والإسبانية، و العربية)..... لتنهي ليلتها بارتجال لم يصفق له الجمهور فحسب، بل طالبها بالمزيد واستجابت عمران رغم تعبها ... انحنت بتواضع أخذت بيد محمد عثمان... وغابت في الكواليس لتتركنا تحت تأثير سحرها طويلاً.

انطباعات

مهند عرابي( فنان تشكيلي): نعمى تفاجئنا دائماً وتعيدنا إلى جونا الخاص بنا... من الضروري أن يكون هناك اهتمام أكبر بهكذا فنانين استثنائيين... نعمى فرضت نفسها على المكان بقوة، وهنا تكمن حرفية الفنان، حينما يكون قادراً على التحكم بكلٍ ذرةٍ من أدوات تعبيره... المكان لا يتفوق على نعمى عمران، فرغم أنه لا يمتلك الخصائص المعمارية للمسرح( خاصة فيما يتعلق بتوزيع الصوت) كان أداؤها آسراً.

نبيل خادم الأربعين:

أنا حزين لأن هذه العروض أقل مما يجب في سورية وننتظرها بفارغ الصبر... هذه أول مرة أحضر فيها نعمى عمران ... المكان(وإن لم يساعد تقنياً) أعطى إيحاءات جميلة... أجمل ما في العرض الدمج بين عزف البزق( بوصفه آلة شرقية)، والأداء الكلاسيكي لنعمى... الحوار بينهما كان عالي المستوى...

حازم العظمة: صوت نعمى رائع جداً... الأغاني المنتقاة جميلة جداً... ومن المؤسف أننا لم نسمعها منذ زمن.

طلال عباس( ابن أخت نعمى عمران- شاب صغير السن):

العرض كان مذهلاً... نعمى كانت رائعة اليوم(أنا اندمجت كتير مع الموسيقى و الغناء، وحسّيت حالي عم غنّي معها)... صوتها كان مذهلاً .

ربى عمران (أخت نعمى): العرض كان رائعاً لا يمكنني وصفه... اتسم العرض بالحميمية... كانت نعمى اليوم مميزة جداً... دخلت إلى أعماقنا...الانسجام بين صوت نعمى، وعزف محمد كان مذهلاً..

بلال: العرض جميل جداً... صوت نعمى مميز وقوي... ومن الضروري أن نراها في عروضٍ أكثر، لاسيما ففي دار الأوبرا.

عن نعمى والعرض تحدثنا مع الفنانة مي اسكاف المشرفة على ملتقى تياترو:

نعمى بالنسبة لي مخلوقة تاريخية... أنا فخورة جداً بهذه الحفلة... نعمى من أوائل الدفعات التي تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية- قسم الغناء الأوبرالي، وفخر لتيايترو أن يستقطب هذه الأصوات المهمة لأننا نبحث عن النوع... وجود نعمى في تياترو إنجاز كبير لنا, ومن المهم هنا أن أشكر السيدة رحاب ناصر التي تتولى الأمور الإدارية في تياترو ( أنا بالأصل فنانة ولا يمكنني القيام بمثل هذه الأمور)... لدينا في تياترو خطط عروض غنائية ،ومسرحية مهمة جداً... نسقنا مع فنانين في غاية الأهمية إلا أننا نعاني من عدم وجود جهات ترعى مثل هذه الأنشطة و نبذل جهوداً كبيرة في هذا المجال... لدينا العديد من الطلاب الطموحين الذين نعمل معهم لتأسيس فرقة مسرحية عالية المستوى، وأعتقد أنها ستكون فريدة على مستوى سورية.

بعد أن هدأ صخب المكان، وغادر جميع الحضور تقريبا... تحدثت إلينا نعمى عمران التي بدت متعبةً و سعيدةً في آنِ معاً:ً لم أقم حفلاً في دمشق منذ زمن... كنت متوترةً جدا،ً وبينما كنت أغني انتابني شعور بالإصرار(أنو نحن ما لازم نوقف طالما في هيك جمهور رائع)...

اخترت برنامج العرض مع محمد عثمان بناءاً على حفلات سابقة قدمتها في بلجيكا، و فرنسا

وكان مؤلفاً من قطع بالغة السريانية، وقطعة من الأوبرا الروسية ( أغنية حب شرقية)، وآريا من أذربيجان، وقطعتين إسبانيتين من سبع أغاني لدوفايا، كما قدمت قطعة عربية هي جزء من الباخيات لنوري اسكندر ( قطعة من مسرحية طويلة كتبت خصيصاً لي)... أحرص في الأيام القادمة على الغناء بلغات غير مألوفة في الغناء الأوبرالي كاللغة العربية... أعلم أن الأمر يتطلب المزيد من الجهد و الصبر... لكن هذا جزء من الرسالة التي أردت إيصالها من هذا العرض... في الأشهر القادمة سأقدم حفلاً في دار الأوبرا مع الأوركسترا الوطنية السمفونية، وحفلاً في قلعة دمشق (على ما أعتقد) مع مجموعة فرنسية وإيرانية وسورية وأرمنية.

صمت المكان ليبقى صوت نعمى مستولياً على المكان... حاضراًً في الذاكرة... براقاً كالشمس في سماءٍ ربيعية صافية.