أيها السادة الكرام شرفتم هذا المقام

السعد معكم أقبل فغرد الشادي وهام

أسعدتم قلبي الشجي هذا المساء الأبهجي

حللتم بالمهج يا طلعة البدر السماء

دمتم ودمنا بالنوى من بعد ماطال الجفا

فأصبح رفقكم لنا دوا وبعدكم عنا سقام

هكذا بدأت السهرة بالترحيب على طريقة أبو خليل القباني، حيث قدمت الجمعية الكونية السورية محاضرة ثقافية غنائية بعنوان "سهرة مع أبو خليل القباني" في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة يوم الأربعاء 30/1.

المحاضرة قُدمت بأسلوب حلبي حيث كل أعضاء الفرقة الموسيقية والمغنين والمحاضر من حلب وهم : المحاضر المهندس مصطفى عرب وأعضاء الفرقة الموسيقية (فواز باقر- غسان عموري- محمود شغالة- عادل الجسري) وقام بالغناء المهندس ظافر الجسري والآنسة ملك يوناكي، و الملفت للنظر أن كل أعضاء الفرقة والمغنين هم من الهواة وليسوا محترفين لكنهم هواة لدرجة الاحتراف.

وفي حديثه عن رحلة أبو خليل يذكر السيد مصطفى عرب مرحلة دخول أبو خليل القباني إلى الفن وانشائه مسرحه الغنائي زمن الوالي صبحي باشا حين حضرت إلى دمشق فرقة مسرحية غربية وعرضت عروضها المسرحية ومن هنا بدأ أبو خليل دراسة هذا الفن لوحده من خلال المراقبة الشديدة لكل التفاصيل وفكر باستمرار في إظهار رغبته على الواقع وأصبح جلّ اهتمامه أن ينشئ فرقة مسرحية فجند بعض الشباب الهواة وبدأ بتدريبهم وتعليمهم التمثيل وكان ذلك في عام 1865 و كانت الاجتماعات التدريبية تتم في بيت خاله عبدالله النشواتي ،وبدأ أبو خليل بالتأليف المسرحي تحضيرا للأعمال ولما كان وجود العنصر النسائي ضرورة لازمة في أي مسرحية ولم يكن مسموحاً بذلك فلجأ أبو خليل إلى بعض الشباب للاعتماد عليهم ليمثلوا أدوار النساء بعد أن يقوموا بعمليات الماكياج اللازمة.

لتبدأ عروضه المسرحية والغنائية في دمشق حتى وصلت الأخبار لأبيه الذي غضب كثيرا وطرده من البيت فتبناه خاله الذي لم يكن لديه أولاد وعلمه مهنته صنع النشاء التي لم تروق له فأشترى قبان وعمل به في سوق البزورية ومن هنا جاء لقبه "أبو خليل القباني".

بعد ذلك غنى المهندس ظافر الجسري مع الفرقة الموسيقية بعض الموشحات لأبو خليل القباني ومنها (يامن جفى- محبوبي- ياغصن).

أكمل بعدها مصطفى عرب حديثه عن مرحلة الاحتراف للقباني ودخول الكوميديا على عروضه من خلال تعرفه على اللبناني اسكندر فرح الذي جاء مع فرقته إلى دمشق وقدم عروض مسرحية كوميدية مترجمة عن مسرحيات فرنسية فأعجب أبو خليل بهذه الكوميديا واشترك مع اسكندر فرح لتقديم مسرحيات عربية مقتبسة من حكايا قديمة ومن هذه المسرحيات (ناكر الجميل- هارون الرشيد- الأمير الغانم- عنترة بن شداد) كان ذلك في عام 1877 كما كان هناك الكثير من المتزمتين يهاجمونه بشدة لكن الأحوال تغيرت عندما وليّ مدحت باشا والياً على دمشق عام 1879 ومن هنا بدأت المرحلة الفعلية للاحتراف حيث كان مدحت باشا من المنفتحين على النهضة الحضارية وأُعجب بما قدمه أبو خليل وسانده كثيراً حتى أنه اعطاه 900 ليرة ذهبية عصملية لينشئ مسرحاً خاصاً به، وخلال ولاية مدحت باشا التي دامت سنتين كان نشاط القباني متميزاً جداً لكن في عام 1880 نُقلت ولاية مدحت باشا من دمشق إلى الطائف وبهذا فقد أبو خليل الحماية والعون ليعود المتزمتون والمتعصبون إلى محاربته وقاموا بشن حملة كبيرة ضده وكتبوا عريضة طولها سبعة أمتار وقع وختم عليها مشايخ وأعيان دمشق وأخذها الشيخ سعيد الغبرة متوجها إلى إسطنبول ليقدمها إلى السلطان عبد الحميد الذي أصدر فرماناً يمنع أبو خليل القباني من التمثيل وأمر بأغلاق مسرحه.

وفي استراحة فنية غنائية تخللت المحاضرة قدمت الأنسة ملك يوناكي بمرافقة الفرقة الموسيقية بعض أغاني القباني ومنها ( طيري يا حمامة – سمك يابني- يامال الشام- يامسعد الصبحية).

تحدث مصطفى عرب بعدها عن فترة انتقال القباني إلى مصر حيث ان مصر كانت ولاية عثمانية لكنها لاتخضع لحكم السلطان عبد الحميد وكان ذلك بمساعدة وتشجيع المطرب المصري عبد الحموي فجمع أبو خليل أعضاء فرقته وسافر معهم بحراً إلى الأسكندرية وعند وصوله نشرت جريدة الأهرام المصرية عنوانً لنبأ قدومه إلى مصر وهو "علامة عصره في التمثيل والموسيقى والأنشاد" وسرعان ما ذاع سيطه في كل أنحاء مصر حيث جمع التمثيل والموسيقى والانشاد والرقص في تركيبة فنية فريدة من نوعها إضافة إلى رقصة السماح التي لم تكن معروفة من قبل حتى ان الخديوي اسماعيل كان له مقصورة خاصة له في مسرح القباني، وبعد الشهرة الكبيرة للقباني دعاه القيمين على دار الأوبرا في القاهرة لتقديم أعماله الفنية فيها ويقال ان القباني هو أول عربي قدم أعمالاً مسرحية في الأوبرا المصرية .

وصل بعد ذلك مصطفى عرب في حديثه عن أبو خليل القباني إلى رحلته إلى أمريكا ففي عام 1892 جاء إلى مصر مجموعة من الأقتصاديين والمثقفين الأمريكيين وشاهدوا مسرحية للقباني فقاموا بدعوته للمشاركة بمهرجان كريستوف كلومبوس بمدينة شيكاغو في عام 1893 فلبى القباني الدعوة وسافر مع فرقته إلى هناك واستمر العرض لمدة ستة أشهر ثم عاد بعدها القباني إلى مصر ليكمل مسيرته لكن الحاسدين كانوا له بالمرصاد فأحرقوا مسرحه وكان ذلك في عام 1900 ليعود إلى دمشق حزيناً متبعاً فعطفت عليه الهيئة الحكومية وعينت له راتب شهري ، وأقام القباني عدة حفلات غنائية لكنه تخلى عن المسرح نهائياً حتى لبى دعوة ربه عام 1903 بعد أن خلف أعمالاً في غاية الروعة والأبداع في المسرح والغناء والموسيقى والفكاهة ورقصة السماح .

وفي الختام قدم المهندس ظافر الجسري بمرافقة الفرقة الموسيقية وصلة غنائية رائعة لمؤلفات القباني ومنها( موشح الشمايل- موشح ذبت شوقاً).