لا شك في أن علاقة الفن بالحرف علاقة وشيجة، ذلك أن الحرف ما هو إلا رسم للصوت والرسم والفن، حيث كانت المنطقة العربية قد أعطت للعالم أول أبجدية رمزت فيها إلى الأصوات وجسّدتها بأشكال.

وفي هذا الصدد أقيمت الندوة الدولية الأولى للحرف العربي في النحت بين الإيقاع والتوازن برعاية شركة "سيرينا" للإنتاج الفني في "مكتبة الأسد "بتاريخ 8/12/2010.

عندما نقف في حضرتها تعتذر اللغة رغم عنفوانها وعظمتها عن البوح، تبحث عن الكلمات فلا تجدها، تغوص في دهاليز اللغة ولا تفلح، كل ما يقال يبقى متواضعاً وخجولاً، نعم إنها مدينة الحياة والحب والسلام والتاريخ إنها "سوسنة التاريخ"، "شهبا"

حيث ألقى كلمة "مجمع اللغة العربية" ممثل المجمع الدكتور "ممدوح خسارة" تمحورت حول الخط العربي بالمنطقة العربية فقال: «هذه المنطقة قد ابتكرت وطوّرت رسوماً لأحرف هذه الأبجدية تتسم بالوضوح كما كان يسميه أهل "الحيّرة" وإن اختلف المؤرخون في تحديد موطن نشأة الخط هل هو "الحيّرة" أم "اليمن" وفي أشياء أخرى حوله، فإن ذلك لا يغير من حقيقة أن هذا الخط الذي رسمت به أصوات أو حروف الهجاء العربي هو ابتكار عربي خالص وأنه جزء أصيل من ثقافتنا العربية الإسلامية التي وظفته أحسن توظيف عندما جعلته ميداناً لفن الرسم والتصوير بعدما نهى "الإسلام" عن الرسوم المشخّصة لما فيه روح، فصار الحرف العربي بخطوطه التي تطورت وتجاوزت السبعين نوعاً ميداناً لفن يلبي الرغبة في التعبير الجمالي الذي يفطر عليه الإنسان ولا يتناقض ومتطلبات الشريعة والمعتقد، وصار الخط العربي هو الفن الأول للكتابة العربية التي ساعدت بنيتها وما يتمتع به هذا الخط من مرونة وقابلية للمد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب على الارتقاء به إلى درجات عليا من تعبيرات الجمال وعلى مواكبته مستجدات الحضارة والتقدم في الخامات والصناعات».

من التكريم

وأضاف: «في العصر الحديث تعتز الشام دمشقها وجلها بنخبة جليلة من الخطاطين يسعدنا أن يكون بيننا ثلة كريمة منهم تصل حاضر فنون ثقافة أمتنا وجمالياتها بماضيها وتحقق التواصل الحضاري بين أجيالنا المتعاقبة، ونرى في هذه الندوة إسهاماً طيباً في الجهود الرامية لصون الثقافة العربية والحفاظ على خصوصيتها في وجه العولمة أو الأمركة الثقافية التي ستهزم أمام إصرار الثقافات العالمية العريقة التي هي نوافذ تنفتح كل واحدة منها على إطلالة بهية من هذا الكون الكبير الذي جعل الله فيه اختلاف الألسنة والألوان من آياته».

في حين ألقى كلمة وزارة الثقافة النحات العالمي "أكثم عبد الحميد" مدير مديرية الفنون الجميلة بدمشق عن فن الخط العربي حيث قال: «الفن هو عنوان الروح ويوقظ في الإنسان أسمى آيات الجمال، كما ينبثق الحاضر من الماضي ولا بد للغد أن ينبثق من اليوم وهكذا تستمر الحياة ويتجدد الإنسان بغريزة الولادة منبثقاً من نفسه منتصراً على الزمن، ودفاعاً عن وجوده بالحياة بنى صرح لغته، ورسم إطار فنه، بحثاً عن عمق جوهره وكشفاً عن أبعاد روحه فالإنسان هو ظاهر الروح، واللغة والفن هما تجلياتها».

أكثم عبد الحميد

وقد ألقى الشاعر الدكتور "إياس شاهين" قصيدة شعرية عن الأحرف الأبجدية العربية حيث ألف عن كل حرف من الأحرف شطراً، وهذه مقتطفات منها فقال: «الحروف هنا هي الدموع الأولى التي كونت أُولَ اللغةْ

برجُ بابلَ خرجتْ منهُ جميعُ اللغاتْ

الحرف العربي

كلّ حرف هنا برجُ بابْل وأني للكون بدون كُنْ

ألا ترى السماءْ

ألا ترى الواوَ تصلّي

الألف تشبهُ الدعاءْ

النون نارٌ ونورٌ ونهر ونونُ النسوةِ أيضاً

عندما القمرُ آهٌ تنقصها المدةُ

والقمرُ همزَهُ سروةٍ

والميمُ من نحن؟

نسأل أحرُفُنا عنا

الحرف أول الكلام وآخر الكلام

والحرف للوعي تميمته

وللشعر غنيمته

الحرف ديواننا

سلامنا وسلمنُا طريقتنا الوحيدةُ في البقاءْ

رسالتنا الحجريةُ العاليةْ

فالزمْن عاشقُ الحجرْ

فكيف إذا قُدّ هذا الحجر من حرفٍ ومعنى وجمالْ».

وتحدثت الدكتورة "منال مرشد الحربي" أستاذة النحت المساعد في قسم الفنون الجميلة بكلية التصاميم والفنون في جامعة الأميرة "نورة بنت عبد الرحمن"، "الرياض" عن جماليات الخط العربي واستثماره في الأشكال النحتية ثلاثية الأبعاد حيث قدمت ورقة عمل إلى ندوة الخط العربي حيث قالت: «تناولت الدراسة القيم الجمالية للخط العربي وتأكيد قابليته وطواعيته للتطور في مجال النحت الحديث لإنتاج أشكال غنية مجسمة مستمدة من الخط العربي وتحقق القيم الفنية التشكيلية بما يتناسب والبيئة التي صمم لها، حيث اتبع البحث المنهج الوصفي التحليلي لدراسة تطور الخط العربي وفن النحت عبر العصور كما تناول البحث أيضاً بعض المجسمات الجمالية في مدينة "جدة" المستوحاة من الخط العربي وقد تم من خلال البحث الوصول إلى النتائج التالية:

1-يتميز الخط العربي بمجموعة من المقومات التشكيلية منها "المد، البسط، قابليته للضغط والتحوير، فتحات البياض والتزوية" والتي تتأكد من خلالها ليونته ومطاوعته.

2-إمكانية استثمار المقومات التشكيلية للخط العربي، والقيم والعناصر الفنية للعمل الفني لإنتاج أعمال فنية في مجال التربية الفنية بشكل عام، وفي مجال النحت بشكل خاص لإنتاج أعمال نحتية جمالية تعبر عن بيئتنا الإسلامية.

3- النحت بمفهومه الحديث لا يتعارض مع نظرة الإسلام للصور المجسمة».

وتحدث رئيس مجلس مدينة" شهبا" المحامي الفنان"عماد جميل الطويل"عن مدينة "شهبا"،"سوسنة التاريخ" حيث قال: «عندما نقف في حضرتها تعتذر اللغة رغم عنفوانها وعظمتها عن البوح، تبحث عن الكلمات فلا تجدها، تغوص في دهاليز اللغة ولا تفلح، كل ما يقال يبقى متواضعاً وخجولاً، نعم إنها مدينة الحياة والحب والسلام والتاريخ إنها "سوسنة التاريخ"، "شهبا"».