«"ليلى" بطلة الرواية تعيش عدة حيوات في حياة واحدة، عبر فكرة التقمص، ويلاحق روحها رجلاً يمشي معها في الزمن، ضمن خطوط سياسية متشابكة بين حاضر قريب وتاريخ بعيد. وفي كل حياة تعيد قصة الحب نفسها، وتظل تبحث في فكرة الوجود والفناء عن معنى هذا الحب وما يجلبه من شقاء. إنها باختصار لعنة الحب، ولعنة السلطة....».

بهذه الكلمات المنشورة على غلاف كتاب "لها مرايا" للروائية السورية "سمر يزبك" الصادرة عن دار الآداب البيروتية بدأت الندوة الحوارية والتي كانت عبارة عن حوار بين جيلين حول الكتابة وذلك في قاعة "الأوسكار" من برج "الفردوس" في "دمشق".

الوضع التراجيدي في الشخصيات فيه حرارة رائعة، وهو موجودة في حياة بطلة الرواية، وموضوع الطائفة يوجد فيه صراعات أجيال وعقائد ومفاهيم

موقع eSyria حضرهذه الندوة وكان له هذه الوقفة مع الناقد والروائي "نبيل سليمان" عن رأيه بالكتاب يقول: «رواية "لها مرايا" استأثرت باهتمام الناقد وجعلته يستحضر نصوصاً لها المرجعية نفسها المحيلة على الطائفة العلوية في سورية، منقاداً مع الأبعاد السياسية والإيديولوجية، غافلاً الرؤية المركبة التي نسجت خيوطها "سمر يزبك"، متخذة من المرجعية فضاء يتعدى واقعيته إلى مستوى تخييلي ذي أبعاد مأسوية، العتبة الكبرى للرواية هو العنوان "لها مرايا" تعتبر البؤرة الكبرى للمرايا، مرايا غرفة النوم، الصالون ومرآة الحمام من زمن السجن، أول مفتاح للعبة الفنية للرواية وفلسفة شخصيتها أي الفلسفة المرآوية، فلسفة "ليلى" المرآوية تعبر عن مرآة ليس كما هو سائد حباً للذات بل هو مكان لللا شيء، ووراء كل مرآة تختبئ حياة، هنا يجري الانتقال إلى لعبة مركزية في الرواية وهو التقمص، وهو ليس فقط لعبة فنية مكينة بل لها علاقة بالروح والجسد في الحياة، وهذه اللعبة متينة في روايات "سمر يزبك"، وتستعمله لتسريد الكثير من المعلومات التاريخية حول العلوية، ووفرت الكاتبة الإيقاع الذي لا بد منه لجمالية الرواية ولأنها تنظمها وتموثقها، الإيقاع هنا ينطلق من حدث موت رئيس الجمهورية، فالإيقاع بداية من نهاية أحداث الرواية».

سمر يزبك

يتابع الروائي "نبيل سليمان": «يتبين من تحليل بناء "لها مرايا" أن الحبكة تعتمد على اثنين الأول هو ذلك البعد التراجيدي الذي يلاحق الإنسان منذ الأزل، ليجعل نزوعاته ونزواته وعواطفه محفوفة دوماً بصراع مع المواضعات والتقاليد والسلطة، ويجعل الحب يؤول في نهاية المطاف إلى نوع من الابتذال والخمود وغبار النسيان، ولكن النص يوحي برؤية مضادة عندما يجعل "ليلى الصاوي" تقاوم هذا التلاشي بأفق متعال يتمثل في استحضار حيوات أخرى عشناها أو نعيشها في أزمنة متخيلة، أما البعد الثاني فيتمثل في تكسير "تفوّق" الطائفية التي تحرص على أن تبدو متلاحمة، منزهة عن الخطأ والانقسام، ذلك أنّ حبكة "لها مرايا" تقوم على إبراز الصراع بين أبناء الطائفة نفسها، لأن العواطف والمصالح لا تعترف بأسيجة الطائفية ولأن التاريخ في مجراه المادي الملموس هو أقوى من تعاليم يسطرها الأجداد».

الناقد والباحث "حسان عبّاس" يقول: «لا أرى التقمص الذي يحمل السرد في الرواية هو البطل على الرغم من وضوح ذلك، فلأن "سمر يزبك" كاتبة حقيقية أظن أنّ البطل الحقيقي في "لها مرايا" هو مفهوم الكتابة، فالتقمص برأيي في خدمة الحكاية وليست الحكاية في خدمة التقمص، لأنّ الحكاية أقوى من المعتقد، فالرواية تتضمن تكثيفاً لغوياً يضع كماً كبيراً في حيِّز ضيق ويبالغ في ضغط الكم حتى يصل إلى التكثيف في الزمن».

خلال وجودنا في هذه الجلسة التقينا السيدة "منى أتاسي" لتخبرنا عن رأيها بالرواية بعد قراءتها لها فتقول: «الوضع التراجيدي في الشخصيات فيه حرارة رائعة، وهو موجودة في حياة بطلة الرواية، وموضوع الطائفة يوجد فيه صراعات أجيال وعقائد ومفاهيم».

أما الفنانة "واحة الرهب" والتي كانت متشجعة لتبني فكرة الرواية كفيلم تقول: «رواية "لها مرايا" عالم ساحر متنوع في لعبته الروائية ولدي طموح لتحويله إلى فيلم، التقمص جزء من لعبة الحكاية إلى أي درجة يمكن أن تقتنع فيها الروائية "سمر" كجزء من العالم الروحاني للبشر التي يمكن أن تنبع من فكرة وتتجسد بشكل حقيقي».

الروائية "سمر يزبك" التزمت الصمت في هذه الندوة الحوارية، لأنها تفضل الكتابة على التحدث، وبعد الاستماع إلى آراء الحضور حدثتنا قائلة: «أنا سعيدة جداً بأن أغلبية القراء يعتقدون أنني أؤمن بالتقمص، فهذا دليل على الحبكة الجيدة في الرواية على الرغم من أنّ فكرتي من التقمص هي أمر معقد له علاقة بالمعرفة بالتاريخ القديم والحاضر، وهو جملة من المعتقدات يكوّن عالم خاص بي، فالمعرفة في الحياة تقمص وهي فكرة معرفية أكثر من المفهوم الشائع للتقمص».

وتتابع "سمر يزبك" بالقول: «الأدب هو أن تعيش في زمان لا متناه، في عالم أقرب إلى الجنون، وتعيش في مكان لا واقعي، والمرايا هي فن بدعة الحياة، الرواية جزء من الفن ولم يكن الهدف من الرواية التوثيق، فالفن يفتقد جزءا من الحياة، أما عن علاقتي بشخصياتي، فلديّ هاجس بموضوع القبح والجمال في الحياة، أتحدث من خلال هذه الشخصيات عن رؤيتي أنّ الحياة ليست عادلة وهذه الشخصيات جزء من علاقتي بالحياة، وكنت أفضل بأن أكون قارئة من أن أكون كاتبة».

ومن الجدير بالذكر أنّ رواية "لها مرايا" للكاتبة والروائية "سمر يزبك" جاءت بعد مجموعتين قصصيتين وثلاث روايات سابقة وهي "طفلة السماء، صلصال ورائحة القرفة".

يُذكر أن "سمر يزبك" كاتبة وإعلامية سورية لها مساهمات في السينما، كما أنها ناشطة في مجال حقوق المرأة وقد حققت حضورها الثقافي والإبداعي. وهذه الندوة الحوارية نشاط من ضمن النشاطات الشهرية التي تقام في أول أربعاء من كل شهر.