«اللوحة الزيتية هي المساحة الفارغة البيضاء، وهي دائماً مغامرة، يبقى المكان الوحيد حيث أقول فيه وداعاً لطفولتي، لخوفي، للدم في الحقول، الهجرة، وذلك بدفع مع المعرفة المتراكمة، لأصبح سعيداً وحدي في إدراك ذاتي كإنسان يحلم بعالمٍ آخر، عالم بلا حدود، بلا حروب، عالم كله للحياة».

بهذه الكلمات الملونة بالحياة يفتتح "مالفا" معرضه الجديد في "آرت هاوس" ليقول لمتابعيه إن الفن مازال حياً في "عمر"، وإن تلك الألوان التي مارست معها خوفي، قلقي، حبي، شغفي بالحياة مازالت ترقد إلى جانب الحوانيت والأقبية لترسم لوحة جديدة.

تجربة "عمر" مميزة ومن التجارب الفنية المعروفة في العالم، فهو دائماً يدهشنا في معارضه بما هو جديد، "عمر" بدأ كرسام ماهر جداً، فكل عمل يحمل هدفاً معيناً إما من خلال التشكيل أو اللون، و"عمر" بداخله عنفوان واضح تماماً، ولكننا في معرضه هذا لا نلاحظ الطبقة الرمادية، حيث يؤكد كثيراً أن الألوان الصريحة والواضحة، ألوانه اليوم تعبر كثيراً عن حياة انفعالية واضحة لديه إن كانت بألوانه الغامقة أو الفاتحة أو دخول اللون القريب إلى الأسود في أعماله

موقع "eSyria" بتاريخ 10/5/2010 حضر معرض الفنان السوري "عمر حمدي" "مالفا" في صالة "آرت هاوس" في دمشق، وبحضور أشخاص حفروا في قلوبهم ملامح "عمر" الريفية المدنية، تلك الملامح التي لونت ومزجت مع عصارة الألوان.

مالفا

كالعادة كان اللون هو الطاغي على أعماله، كيف لا وقد صنفه المختصون أنه من الملونين العالميين. أمام إحدى اللوحات التي لونت بطريقة بارعة التقينا الناقد التشكيلي "صلاح الدين محمد" الذي عرف "عمر" منذ بداياته وإلى اليوم، وعنه يقول: «أي حديث عن "عمر" اعتقد أنه سيبقى مستهلكاً، لأن ما كتب عنه كثير وهناك إحاطة بمجمل أعماله منذ أن بدأ في بداية السبعينيات وإلى اليوم. لكن في معرضه هذا كأن "عمر" يريد أن يقدم معرضاً استعادياً، يودعنا فيه، فهو يريد أن يقدم مجمل إنتاجه أو نماذج من إنتاجه، فإننا نجد في الجانب الانطباعي من خلال المشاهد الطبيعية التي قدمها، ويريد أن يقدم البورتريه بمفهوم البورتريه كشكل وكخلفية، وأيضاً يريد أن يقدم البورتريه بخلفية تجريدية وهو ما كان يميز عمله قبل أن يسافر إلى "نمسا"، وأيضاً الأعمال التجريدية الخالقة، وما بين هذه المحطات محطات أخرى من الصعب تلمسها في عجالة التقييم. إن أي تفسير لأعمال "عمر" ومحاولة كإعطاء استقراء كأنما نحكي حكاية، هذا أمر عبث، فالفن يجب أن نتعامل معه كإحساس، فلا نستطيع أن نشرح ما يتعلق بالجانب البصري أو الحسي في اللوحة، أتمنى أن ننظر إلى العمل بنوع من البراءة وأن يطغى علينا الجانب التنزيهي في الرؤية، أي أن ننظر ونستمتع في الرؤية، فالأشياء الجميلة إذا أردت أن تفسرها، تفقدها كثيراً من الغموض الذي هو جانب من جوانب الجاذبية في العمل الفني، و"عمر" يقدم لنا هذا الجانب المميز، فهو قطع مرحلة أن نقول له إنه "فنان"، إنه استطاع بإبداعه أن يتجاوز كل المصاعب التي تمر بها العالم، وأن يخترق الركود الفني الذي نعيشه هذه الأيام ليقدم لنا معرضاً، ليطمئننا نحن كملتقين على فنه وهو على أبواب الستين من عمره».

مازالت المساحة البيضاء ملجأه الوحيد الذي يغرق فيها بألوانه، يسقط القلق والخوف، الحب والحياة على لوحاته بتعبيرية معاصرة، ويبقى اللون الغربي أو لغة الحداثة اللونية في التجريد إضافات مهمة في حياته، عن معرضه الحالي يقول الكاتب الأستاذ "حسن م يوسف": «من يرى لوحاته التي تعرض في "آرت هاوس" اليوم دون أن يرى أعماله السابقة قد يحكم عليه بشكل غير منصف، اللون هنا هو البطل، وهنا يمتاز "عمر" بفرادة في رسم الوجوه البشرية، فهو دقيق إلى درجة مذهلة ومدهشة، واللوحة هي المساحة الذهبية التي يستطيع أن يثبت فيها "عمر حمدي" فروسيته كفارس لا يجارى في مجال التقاط الشخصية الإنسانية والتعبير عنها باللون والخط، فلوحة والده مازالت حية بشكل مذهل، وأعتقد أن والده لم يمت لأنه مازال مستمراً معنا في تلك اللوحة. "عمر" من الملونين العالميين الذين أثبتوا قوة ريشتهم على الساحة التشكيلية العالمية، إنه صنع من الضعف قوةً، ومن الأمل جمالاً باهراً، ومن الفراغ حباً عظيماً، حزن "حمدي" ينبع من حقيقة كونه إنسان مرهف الإحساس، فهو يرى ما يجري في هذا العالم من مآس ليسقط ذلك على لوحاته بطريقة إنسانية ملونة وجميلة، حزنه ليس حزن الغريب، بل هو حزن إنسان ينتمي للبشرية».

فرح..ولون

وختم بالقول: «إنني فخور بأن "عمر حمدي" صديق لي منذ 35 عاماً».

إنه نسّاج أبجدية اللون والأساطير كما سموه، ينسج من أدواته حياةً جديدة، وفي معرضه الحالي خرج عن المألوف كالعادة ليقدم لنا أعمالاً ملونة بطريقة جديدة، عنها يقول الأستاذ "خلدون المالح": "تمتاز لوحاته وخاصة في المراحل الأولى بهذه الموهبة غير العادية في اللون، فهو من أهم الملونين التشكيليين في العالم، فليس هناك حدود لإبداعه، فهو يفاجئك بكل معرض بتحد جديد، وفي معرض اليوم فاجأني بتعامله مع ألوان قاتمة لا سبق أن تعامل معها، فألوانه كانت في الفرح، ورود، وألوان راقصة، واليوم خرج عن المألوف فاستخدم الألوان الحارة التي فيها المرح والحياة، وهو منحى جديد في ألوانه، عمل عليها بتقنية وحرفية عالية ليعاكس أسلوبه السابق ويعطيك جمالية وإبداعاً لا يقل عن الماضي، وهذه ميزة "مالفا"».

رماديات

إنه يقوم بإنتاج اللوحات الانطباعية تحت الشمس، ويلون اللوحة بطريقة مدهشة، وكأنه يرسم حلماً، ابتسامة لطفل صغير، إلا أن قلقه أحياناً يطغى على مشاعره البريئة فيرسم لنا الخوف والقلق بطريقة برئية من خلال رموز لونية عاشت معه خلال ترحاله بين الدول المختلفة، هنا يتحدث لنا الدكتور "سرور علواني" عن تجربة "مالفا" الغنية كما يقول: «تجربة "عمر" مميزة ومن التجارب الفنية المعروفة في العالم، فهو دائماً يدهشنا في معارضه بما هو جديد، "عمر" بدأ كرسام ماهر جداً، فكل عمل يحمل هدفاً معيناً إما من خلال التشكيل أو اللون، و"عمر" بداخله عنفوان واضح تماماً، ولكننا في معرضه هذا لا نلاحظ الطبقة الرمادية، حيث يؤكد كثيراً أن الألوان الصريحة والواضحة، ألوانه اليوم تعبر كثيراً عن حياة انفعالية واضحة لديه إن كانت بألوانه الغامقة أو الفاتحة أو دخول اللون القريب إلى الأسود في أعماله».