للمرة الأولى يجتمع كل من الفنانين "صباح فخري"، "ميادة الحناوي"، "لطفي بوشناق" ، "سعدون جابر" لينشدوا معاً أوبريت "يا قدس" من كلمات الشاعر الفلسطيني "رامي اليوسف"، وألحان الموسيقار العراقي "نصير شمة"، واخراج الفنان "نضال سيجري"، وذلك على خشبة دار الأوبرا السورية بدمشق.

فضلاً عن أنها المرة الأولى التي يشارك فيها كل من أولئك الفنانين الآتين من مشرق الوطن العربي ومغربه في أوبريت غنائي، حيث إن أكثر ما يحسب لهذه الأوبريت بحسب المطلعين أنه استطاع جمع قامات كبيرة لم يسبق لها أن اشتركت مع أحد على خشبة مسرح واحد.

حاولت تغيير القالب الخطابي في التعامل مع القدس، إضافة إلى التركيز على أن تكون للكلمات نفحات غزلية روحانية، ليجسد الأوبريت حلماً لزيارة القدس وبحثاً عن فسحة أمل

بدأ الاحتفال بعرض فيلم وثائقي عن القدس، رسمت ملامحها عبر التاريخ، وجاء الفيلم بعنوان "للقدس سلام وتحرير" من إعداد الإعلامي التونسي "غسان بن جدو" تضمن الفيلم مجموعة من الأحداث التاريخية منذ عام 1948، مروراً بإحراق المسجد الأقصى عام 1969 على يد الصهاينة، وصولاً إلى بناء جدار الفصل العنصري، والهيمنة الإسرائيلية على التراث العربي الفلسطيني في المدينة القديمة، ومحاولات التهويد المستمرة التي يقوم بها الاحتلال من أجل تزوير التاريخ وتشويهه ونسب الإنجازات الحضارية للصهاينة.

الفنانة ميادة الحناوي تفتتح الأوبريت

وتضمن الحفل عزفاً إفرادياً للفنان "نصير شمة" على آلة العود، استمر ما يقارب ربع ساعة، وهو مستوحى من التراث الموسيقي الفلسطيني، مدمجاً مع مقطوعات له أمثال "رحيل القمر"، و"إشراق"، وغيرها كتلك التي يؤديها هذا العازف بيده اليسرى دون إشراك اليد اليمنى.

وتخلل الاحتفال مجموعة لوحات راقصة لفرقة "آرام"، على أغانٍ من التراث الفلسطيني، إضافة إلى لوحات تضمنت القليل من التمثيل كلوحة "أم الشهيد" التي يحملها أهالي قريتها على الصبر بعد استشهاد ابنها الشاب بنيران الاحتلال، وتميزت تلك اللوحات بأزيائها البصرية التي تماهت مع الموسيقى والديكور المأخوذ من شكل السور القديم لمدينة القدس، مشكلةً بانوراما بصرية لهوية زهرة المدائن.

جانب من الحضور

وقال الشاعر اليوسف الذي كتب كلمات أغاني الأوبريت: «حاولت تغيير القالب الخطابي في التعامل مع القدس، إضافة إلى التركيز على أن تكون للكلمات نفحات غزلية روحانية، ليجسد الأوبريت حلماً لزيارة القدس وبحثاً عن فسحة أمل»، لافتاً إلى أنه تم اختيار مدينة دمشق لتقديم هذا العمل الاحتفالي بالقدس لكون فلسطين حاضرة دائماً في سورية، خاصةً في ظل حملات التهويد التي تتعرض لها في الفترة الأخيرة.

من جانب آخر قدم الموسيقار "شمة" موسيقا تبتعد عن المباشرة في الطرح، متخذاً أسلوباً لحنياً جديداً في التعاطي مع القدس قال لنا عنها الموسيقي العراقي: «حاولت من خلال ألحاني أن أقدم موسيقا جديدة تبتعد قدر الإمكان عن المباشرة في الطرح، مع تركيزها على جوهر القدس وقيمتها الروحية وجمالياتها، ساعياً لزرع أفكار جميلة لدى الأجيال القادمة، خاصة أن القدس باتت بعيدة عن المجتمع بكينونتها الحقيقية وما نعرفه عنها لا يتجاوز ما تقدمه نشرات الأخبار».

من لوحة أم الشهيد

وأوضح "شمة" أنه أمضى أشهراً من العمل على الجمل الموسيقية، ووضع الشعر بإطاره النغمي الصحيح، إضافة إلى نحت اللحن بما يتناسب مع أصوات قامات كبيرة كصباح فخري، وميادة الحناوي، ولطفي بوشناق، وسعدون جابر، مستخدماً لحناً طربياً يستخدم المقامات العربية من رست وبيات وصبا ضمن رؤية موسيقية فريدة.

وعن الأبعاد الإخراجية البسيطة التي تضمنها الأوبريت قال الفنان "نضال سيجري" لـeSyria: «سعيت إلى أكبر قدر من البساطة في عرض أفكار الأوبريت، وبطريقة بعيدة عن الإدهاش البصري، ضمن منظومة جمالية أنيقة، تضم جميع الفقرات من غناء، وسينما، ورقص، وشعر، وموسيقا، وعزف عود، لأنني أرى أنه كلما تم التوجه نحو البساطة كلما وصلنا إلى الهدف، فالأوبريت باعتقادي حالة وجدانية لها علاقة بالحب والود والتفكير بصوت عالٍ».

من جهة أخرى كان للفنان دريد لحام رأيه بأن أوبريت يا قدس سيقرع نواقيس الذاكرة ويدعم فكرة المقاومة الثقافية، في حين قدم الفنان "فراس إبراهيم" وجهة نظر دعا من خلالها إلى التفكير بغيرية على الوطن، وأن تكون لدينا القدرة والرغبة على أن نقدم أنفسنا بطريقة فنية متميزة، نُعرّف من خلالها أنفسنا للعالم.

وافتتح الأوبريت الغنائي مطربة الأجيال "ميادة الحناوي" ب "أزور القدس في حلمي وأمشي في أزقتها.. أرى جدرانها تزهر وتحكي مجد قصتها" تلاها الفنان العراقي سعدون الجابر بالكلمات التالية "أرى أشياء من كتبوا حروفا من لهيب النار.. يا قدس يا مدينة الضياء"، وتابع الفنان التونسي "لطفي بوشناق" بمقطع غنائي آخر "أزور القدس مشتاقاً وأسقي ورودها بدمع العين.. أرى زيتونها المحروس بالأهداب والآيات يمحو الليل بالنهار" وختم الفنان "صباح فخري" الأوبريت بمقطع "وجهك في الدجى وجهي وفي عينيك أغنيتي.. وعشقك في دمي يسري أنت صلاة هذا الفجر يا قدس".

حضر الأوبريت الدكتورة "نجاح العطار" نائب رئيس الجمهورية، والدكتور "ياسر حورية" عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي رئيس مكتب التربية والطلائع والتعليم العالي وعدد من الوزراء وأعضاء السلك الدبلوماسي ومطران القدس في المنفى "هيلاريون كبوتشي".

أقيمت الأوبريت بالتعاون بين الأمانة العامة لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية والهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون.