لم يكن اعتيادياً، المعرض التشكيلي الذي أقامته "رفيا غاليري" للفنانين الفلسطينيين "تيسير بركات" و"سليمان منصور" الذين قدما من "فلسطين" ليسردا حزنها، بدا كصدى صوت امرأة ثكلى فقدت كل من أحبت تردد أسماءهم دون أن يسلبها امتداد الزمن صوتها، جاء من الأرض المقدسة يحمل ألماً لم نعتد أن نراه بهذا القرب، وبلهجة الفن الفلسطينية.

قدم "منصور" أعماله التصويرية بألوان امتزجت مع رائحة دماء الشهداء وعمق الإرادة، تبدو شخوصه تارة متجمدة كالموت وأخرى موغلة في الحياة، فموضوعه الرئيسي كان عن جدار الفصل العنصري الذي بات دخيلاً حتى في ملامحهم، أما "بركات" جاء بوجوه حفر الحزن ثقوب مساماتها، حَمل مذكراتهم ورسائلهم بقلمه وأحاسيسهم، على أوراق رافقت أعماله التي شكلها من قطع خشبية صغيرة رسم عليها بالحبر، القهوة، الحفر والحرق، ولوحات أخرى صغيرة كانت برادة الحديد ألوانها.

رغم أني لست من المطلعين كثيراً على الفن التشكيلي، إلا أني أعجبت كثيراً بهذه الأعمال التي خرجت من قولبة الأعمال الضخمة الأقرب إلى العمل التجاري، فهذه اللوحات الصغيرة كسرت القاعدة، إضافة إلى أنها تحمل نمطاً جديداً كاستعمال عجين برادة الحديد

موقع "eSyria" خلال حضوره المعرض المقام في "رفيا غاليري" للتشكيليين الفلسطينيين "تيسير بركات"، و"سليمان منصور" التقى الفنان التشكيلي "غياث الأخرس" وحدثنا: «دهشت بالمعرض، لأنه جاء بفن، تشكيل، فكر وموضوع جديد، رغم أنه يرسم قضية تحدث عنها التشكيل سابقاً، واللافت أنهم لم ينسوا ما تتطلبه اللوحة، كما طرح كل من الفنانين شاعريته، واقعيته، فكره بطريقة خاصة ومختلفة، لكنهما أعطيا الوسيلة التعبيرية حقها بشكل جميل».

وقفة أمام لوحات برادة الحديد

أما الفنان التشكيلي "ياسر صافي" يقول: «من المهم أن نتعرف على تجارب من الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر، فهذا الأمر يساعدنا للاطلاع على الثقافة والتفاعل الثقافي ضمن الغليان الذي يحدث داخل المنطقة الفلسطينية وانعكاساته على الفنانين، ومعرفة كيفية ترجمتهم للمشهد، فتجربة "سليمان منصور" و"تيسير بركات" من التجارب المفصلية بالتشكيل الفلسطيني المعاصر. كما إنّ توسّع رؤيتهما وموقفهما البصري من الحدث موقف جداً ثقافي فكري، أي إن نضالهما نضال جمالي بالدرجة الأولى وهو أمر مهم جداًَ بالنسبة لأي فنان مسؤول في معركة ما».

تمكّن هذان الفنانان أن يقدما أعمالهما بالجمع بين أن يكون الفن مسخراً لقضية وأن يقدم قيمة جمالية وبصرية عميقة، فكانت صرخة كل فلسطيني يقاوم حتى النهاية تصدر من هذه الأعمال التي لا يكفيك الوقوف أمامها سريعاً، وهنا أثناء تمعنها في تفاصيل تلك اللوحة الصغيرة المعلقة حدثتنا "آمال تلغراف" صاحبة امتياز ورئيسة تحرير مجلة "الصروح": «رغم أني لست من المطلعين كثيراً على الفن التشكيلي، إلا أني أعجبت كثيراً بهذه الأعمال التي خرجت من قولبة الأعمال الضخمة الأقرب إلى العمل التجاري، فهذه اللوحات الصغيرة كسرت القاعدة، إضافة إلى أنها تحمل نمطاً جديداً كاستعمال عجين برادة الحديد».

أسلاك شائكة

كما حدثتنا الفنانة التشكيلية "ميس شطي": «هذا المعرض متميز جداً بكل القيم التي طرحها، وما جذبني بشكل كبير كان تلك الأوراق التي عُلّقت إما أسفل العمل، أو وضعت مع القطع الخشبية المرسوم عليها بطريقة الحرق غالباً ضمن مكعبات زجاجية شفافة، لتكون بالمجمل أعمالاً ساحرة، بتمازج التشكيل مع الأدبيات بتآلف وتكامل رائع».

كما التقينا الفنان التشكيلي "زكي سلام" والذي قال: «"تيسير" منطلق من تجربة بدأت من وقت الانتفاضة، حيث كان معظم الفنانين الفلسطينيين يستخدمون الألوان الزيتية المستوردة عن طريق "إسرائيل" ليطرحوا تجاربهم الجديدة، لكن عند الانتفاضة قرر "الفلسطينيون" مقاطعة البضائع "الإسرائيلية"، و"تيسير" بعلاقته النضالية مع الثقافة ذهب بالتجربة إلى أبعد مدى بحيث باتت أعماله تندرج ضمن الحداثة بشكل واضح، وتجربته تبدأ من الموضوع رغم أنه لعمل حداثي جداً، والحداثة قلّما يشغلها الموضوع، كما وضع أمام كل لوحة نصاً موازياً لها، وهذا النص يعيدنا إلى أن اللوحة هي فكرة وموضوع، وهي تعبير عن أمر ما وبنفس الوقت أداة جمالية مرتبطة بحضارة ما».

جدار الفصل العنصري

يضيف "سلام": «الفكرة الأساسية التي تناولها "تيسير" هي وحدات الخشب وتعاملها مع الأرض، وكأن قطعة الخشب التي رسم عليها "البورتريه" -على الأغلب- هي الشخص أو الصورة الذاتية للشخص الفلسطيني على أرضه، ضمن هذا السياق رأيت العمل نزوعاً من المعالجة الوجدانية لظروف الصراع العربي الإسرائيلي داخل مركز دائرته أي "القدس"».

يتابع "سلام" منتقلاً بحديثه وبصره إلى لوحات "سليمان منصور": «تناول "منصور" المسألة من جانب آخر مستفيداً من التكنيك الأكاديمي الذي اشتهر بقوة استخدامه له منذ السبعينيات، ومحور موضوعه الأساسي كان علاقة الفلسطيني بالتراث ومشكلة الجدار والحصار وعلاقتهم بهذه المشكلة الدائمة فنرى بلاطات جدار الفصل العنصري وكم أبعدت الناس عن بعضهم، إضافة إلى الأسلاك الشائكة التي فرقت بين الأم والأب أو الإخوة».

يذكر أن الفنان "سليمان منصور" من مواليد بلدة "بيرزيت" الفلسطينية عام 1947 وتخرج من كلية خاصة بالفنون بمدينة "القدس" عام 1970 وهو مقيم فيها.

أما الفنان "تيسير بركات" من مواليد "غزة"، "مخيم جباليا" عام 1959 وخريج كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية عام 1983.

بقي أن نقول أن المعرض مستمر لغاية 4/2/2010.