«لطالما اعتبرت كل ما أعمله مجموعة محاولات متواصلة للوصول إلى تعبير عالٍ عن الإنسان ومكامنه الفسيحة، لذلك في هذه الأمسية بحث عن مفاتيح شخصية الإنسان فينا، ومحاولة لقول كلمة بحق عصرنا كشباب نحيا في هذا الزمن، علها تبقى في ذاكرة الأيام».

هذا ما قاله الفنان "سميح شقير" عقب الأمسية التي أحياها في دار الأوبرا السورية يوم الأربعاء 23 كانون أول 2009 حملت عنوان "مطر خفيف" سعى من خلالها أن يوغل أكثر في التفاصيل الإنسانية لمضمون أغانيه، محاولاً أن يقترح إضافة على خطه الغنائي الذي عرف به عبر تعزيز اليومي والتأكيد عليه في كلمات أغنياته مع المحافظة على نكهة آسرة لومضات شعرية أخاذة تمضي بالمتلقي إلى صور بسيطة لكنها غاية في الجمال والعمق.

لا أعتبر هذه الأغنيات خارج ما بدأته بل هي بمثابة تعميق لخط فني موجود سابقاً عبر الإيغال بالتفاصيل الإنسانية

ويدعم الألحان هذا الاتجاه عبر اختيار جملة موسيقية رقيقة وسلسلة تداعب المشاعر، وتدخل القلب بلا استئذان، وذلك من خلال توليفة متقنة مزجت بين فلسفة البناء الموسيقي الغربي والطابع السحري لموسيقا الشرق، قدمتها "أوركسترا أوركيديا" بقيادة "عاصم مكارم" مع محاولة الدخول في عوالم موسيقية مرحة، حققها التوزيع الموسيقي لمكارم ذاته، ما خلق تفاعلاً جميلاً مع جمهور دار الأوبرا السورية بحيث أنه تابع إيقاعاتها بتصفيقه وترك العنان ليديه بعد كل أغنية.

سميح شقير

قدم صاحب "يا زهر الرمان" ضمن هذا السياق الموسيقي أربع عشرة أغنية؛ منها ثلاث أغنيات من كلمات الراحل "محمود درويش" هي /تنسى.. شجر السرو.. فكر بغيرك/ والأغاني الباقية من كلماته وهي /الطفولة.. زعلان مني.. إيه.. جينا.. الزفاف.. قبعة من قش.. قلبي.. دعوا المغني.. مساكي.. نسيم الروح.. كون أنت/ وختم الأمسية بأغنية /لو راح صوتي/، وهو بذلك يشعل نجمة أخرى في سماء مغامراته الفنية معتبراً كل خطوة جديدة يخطوها في طريق الفن مغامرة روحية، لافتاً أنه لا يحب السير على طريق مر عليه الكثيرون قبله، بل يحب ارتياد بعض المجاهيل لاكتشاف طرق جديدة في التعبير الفني سواء على صعيد الكلمة أو على صعيد اللحن.

ويقول "شقير": «لا أعتبر هذه الأغنيات خارج ما بدأته بل هي بمثابة تعميق لخط فني موجود سابقاً عبر الإيغال بالتفاصيل الإنسانية». لافتاً أنه طالما تمنى أن يجد الوقت ليقدم هذا النمط من الأغنيات، وأنه في هذه الأمسية كانت البداية وسيعمل باتجاه تعزيز سيره في هذا الاتجاه.

مع أوركسترا أوركيديا

أما عن إمكانية تسجيل هذه الأغنيات على قرص مدمج أوضح صاحب ديوان "نجمة واحدة" أن ذلك بحاجة إلى دعم إنتاجي، وأنه يتمنى أن يجد هذا الدعم وأضاف: «أود أن أقدم هذه الأغنيات في أمسيات مختلفة وفي مناطق مختلفة لأنني أتوقع أن هناك الكثيرين يرغبون بالاستماع إليها».

ويرى "رائد مخول" أحد الحاضرين أن السير في خط جديد يراعي هموم الناس وتفاصيل حياتهم الصغيرة والمهمة في الوقت ذاته سيقرب "شقير" أكثر من جمهوره لافتاً إلى أن الجمهور اعتاده في الأغاني الوطنية والسياسية أكثر من الأغاني التي تتناول الحياة اليومية والمشاعر الإنسانية البسيطة.

مطر خفيف

ويضيف "مخول": «شعرت وأنا أستمع إلى هذه الأغنيات وكأنني في فضاء آخر لاسيما عند سماعي لبعض الجمل مثل "بالموسيقى منحمي الحقيقة" أو "لو راح صوتي ما بترحل حناجركم"».

بينما رأت "ميساء أباظة" أن الإيغال في الجانب الإنساني نحّى جانباً التطريب في الموسيقا الذي كنا نلحظه سابقاً في أغنيات "شقير" أمثال "بيتعب صوتي من الغنا" لكنها مع ذلك تقول: «لهذا الفنان وجهة نظره من حقه أن يقدمها لجمهوره».

وتخالفها الرأي "ميسون خير بك" فهي تعتقد أن الطرب لا يأتي من اللحن فقط وإنما من جوهر المعنى للشعر المغنى وهذا ما يحاول "شقير" -بحسب رأيها- أن يحققه، وهو أن يقتنص لحظات إنسانية غاية في الرقة والدلالة ويحولها إلى أغنية بسيطة تنتمي إلى السهل الممتنع.

من جهتها أوضحت "إيفلين موسى" طالبة معهد الفارابي للموسيقا أن التوزيع الموسيقي بين الآلات الشرقية والغربية كان غاية في الجمال لدرجة بات فيها الناي والفلوت كصوت واحد وفي أحيان أخرى تجد محاورات لطيفة بين العود والبيانو أو بين الآلات الإيقاعية الشرقية ومثيلتها الغربية، وتضيف أن هذا التزيين الموسيقي حقق سحراً أضيف لجمالية الأغنيات كلماتٍ وألحاناً.

بدوره تمنى "الياس شهدا" أن تكون هناك جولة على المحافظات، فهو القادم من "حماه" يحب أن يتمتع أصدقاؤه في مدينة أبي الفداء بالاستماع إلى هذا النمط الراقي من فن الغناء الذي يجمع شعراً حقيقياً مع ألحان جذابة وتوزيع متناسق.

يذكر أن "شقير" بدأ بتقديم أغانيه على المسرح عام 1982 شارك في الكثير من المهرجانات العالمية والعربية، وقدم موسيقا تصويرية للمسرح والتلفزيون والسينما، إضافة إلى تسع مجموعات غنائية كان آخرها "قيثارتان" التي ضمت تسع أغنيات من كلمات "محمود درويش" وألحان "سميح شقير" وتوزيع كل من "عاصم مكارم وزياد حرب".