لم يُسجـَل اسمـُه بين المشاركين في "ملتقى دمشق الدولي للنحت" لكن كتلةً من الحجر أغوته للإفصاح عن مكنوناتها، فما كان منه إلا أن استـّل أدواته ليبدأ معركته الخاصـّة في سبر أغوار الحجر التدمري، هذه المعركة لم تنته بانتهاء الملتقى، وربما تكون عنوان مرحلةٍ جديدة من العمر الإبداعي للنحّات الشاب "مهيار علي".

درس "مهيار" النحت بتقنياته المختلفة في مدينة "كرّارا" الإيطالية، وقبل حوالي الشهر والنصف أقام معرضه الأول في متحف "دمشق" الوطني، حيث كان البرونز سيـّد الموقف، هذه الخامة التي استهوته ليقدّم من خلالها بحثه النحتي الأول عن الإنسان في حالاته المختلفة مستلهماً تأثيراته من أبيه النحات المعلم "مصطفى علي"، وألوانه المعتقة من أمه الفنّانة

لم أتوقع أن تكون بهذه الحميمية، كنت أتخيلها مدينة قاسية، لكنّها جذبتي بقوة، وشعرت خلال فترة وجودي هنا كما لو أنني أعيش في بيتي. كما وجدت "دمشق" القديمة بأهلها وحاراتها في غاية الجاذبية، وعندما تجولت فيها أحسست براحةٍ نفسيـّةٍ كبيرة

د. "شيرين الملاّ".

موقع eSyria التقى النحـّات "مهيار علي" بتاريخ 18/12/2009 بينما كان يضع اللمسات الأخيرة على منحوتته الصغيرة بحثاً عن شكلٍ أكثر اكتمالاً، وعن ذلك قال: «شكل الكتلة التي بين يدي، هو الذي أوحى لي بالفكرة، تبعت إحساسي، وفكـّرت بالذي يمكن أن تقدمه لي هذه الخامة؟ فأتت هذه المنحوتة استكمالاً لموضوع معرضي الأخير وهو الإنسان، ويبدو فيها الذكر والأنثى في حالة اتحاد، مع العمل على الشكل من كافة الوجوه بما يراعي التوازن البصري، العفوية، والقيم الجمالية في التشكيل».

مجرد استكشاف

وأضاف: «إنها المرّة الأولى التي أشتغل فيها على الحجر في "دمشق"، حيث قدّم لي الملتقى فرصة لإعادة اختبار هذه الخامة بعد مرحلة دراستي الأكاديمية في إيطاليا. الأجواء كانت ملهمة عموماً، هنا في قلب المدينة، وعلى مدار النهار، وتحت ظروف الطقس المتقلبة، وإلى جانب أساتذة كبار في فن النحت، ومن بينهم أساتذتي في "كرّارا": "كريموني، وبالوكي"».

"ملتقى دمشق الدولي للنحت" كان أيضاً فرصة لاستكشاف هذا الفن بالنسبة للعديد من الزوّار الذين لم ينقطع تدفقّهم على الملتقى، ومن بينهم فتاة أجنبية تدرس اللغة العربية في "دمشق"، ومع "مهيار" عاشت مغامرتها الأولى مع النحت، حيث وجدناها إلى جانبه تتعلم الأبجدية الأولى لهذا الفن، كما عاش العديد من الأطفال متعة الاستكشاف خلال أيام الملتقى عبر الجولات التي قام بها العديد من طلاّب المدارس، واختبروا من خلالها قدرتهم الفطرية على التشكيل سواءً بالطين أو الحجر، ويرى "مهيار علي" أن فكرة ورشة النحت للصغار: «من أهم الأفكار التي طرحها "ملتقى دمشق الدولي للنحت"، فمن المهم أن يتعرف الأطفال إلى قيمة هذا الفن في بلدٍ يمتلك تراثاً ثقافياً غنياً ومتنوعاً كسورية، وهذا من شأنه أن يجعلهم أكثر احتراماً لهذا الإرث الذي يمثل الأساس بالنسبة للعديد من حضارات العالم، وينمي حسهم الإبداعي والفني».

ما بعد دمشق: منحوتة كريموني

كما التقينا بأستاذي "مهيار" المشاركين في الملتقى: "فرانشيسكو كريموني"، و"بيير جورجيو بالوكي"، وكلاهما من كبار أساتذة النحت في "كرّارا"، ودرّسا النحت لأجيالٍ عديدة في عاصمة الرخام الإيطالي، وملتقى النحاتين وطلاب هذا الفن على مستوى العالم.

"كريموني" قال بأن "ملتقى دمشق الدولي للنحت" على مستوى عالٍ من التنظيم، ومثل هذا الملتقى لا يتوفر في الكثير من الأماكن في العالم. وأعرب عن سعادته بالمشاركة فيه، واعتبره فرصة للتواصل بين نحاتين لهم تاريخ وخبرة، وبين نحاتين شباب، حيث كانت بينهم حالة من الاندماج، وهذا أمر إيجابي جداً حسب رأيه.

منحوتة بالوكي

أما المنحوتة التي نفّذها في الملتقى فأطلق عليها اسم "ما بعد دمشق"، وتتألف من كتلتين، وقال بأن فكرته مستوحاة من الآثار السورية، وساعده الحجر التدمري على تنفيذها سواءً من خلال طبيعة الحجر، أولونه.

وختمنا حديثنا معه بانطباعاته عن "دمشق" حيث قال: «لم أتوقع أن تكون بهذه الحميمية، كنت أتخيلها مدينة قاسية، لكنّها جذبتي بقوة، وشعرت خلال فترة وجودي هنا كما لو أنني أعيش في بيتي. كما وجدت "دمشق" القديمة بأهلها وحاراتها في غاية الجاذبية، وعندما تجولت فيها أحسست براحةٍ نفسيـّةٍ كبيرة».

كما رأى في "تدمر" مدينة عظيمة، وزيارتها زادت من خبرته، وأكدّ بأنه سيروج لهذا الملتقى في أوروبا.

أما البروفيسور "بالوكي" فحرص على أن يقدّم في "ملتقى دمشق الدولي للنحت" شجرة السلام التي أهداها للكثير من دول العالم كالمغرب وكوريا، وقال بأنه شارك في العديد من الملتقيات النحتية على مدى ثلاثين سنة، ووجد أن هذا الملتقى مميـّز جداً، أما "دمشق" فمنحته أحاسيس عميقة، وقال بأنها تشبه مدينة مولده في إيطاليا: "سيينا" باعتبارها تحمل الكثير من التأثيرات الشرقية، لاسيما الحجر الأبيض والأسود الذي يعتبر شعاراًَ لمدينته، وفوجئ عندما شاهده بكثرة في أبنية "دمشق" القديمة.