أفتتح يوم أمس الرابع من نيسان الجاري /2009/ في غاليري "آرت هاوس" في "دمشق" معرض الفنان التشكيلي السوري "أحمد معلا" والذي يستمر حتى الرابع عشر من الشهر نفسه، وضم مجموعة حديثة من أعماله الجدارية التي تعدّ حصيلة دراسات وأبحاث قام بها الفنان لأكثر من ثلاثين عاماً، وتتويجاً لمعارض شخصية كثيرة أقامها سابقاً.

وفي مطافات هذا المعرض نرى سلسلة لحلقة إنسانية ممتدة إلى ما لا نهاية بما توحي به من وقائع تاريخية جرت أحداثها وبقيت حتى الآن محور جدل ونقاش، وهي موضوعات شغلت بأسلوب إختزالي مبسط غيبت فيه معالم الشخوص الإنسانية لتبقى دلالتها المستقرأة للزمن الآني والمستحضرة للتاريخ القديم عميقة ولها فعلها التأثيري على بصر وبصيرة المتأمل. من هنا تحيلنا هذه الشخوص التي نجدها متدافعة مع بعضها البعض حشوداً إما حالمة أو خاشعة أو متلاحمة أو منجرفة مع تيار الواقع وهوس الأهواء الشخصية المتقلبة إلى رؤية واقعنا نحن، وما فعلناه سابقاً، وما سنفعله لاحقاً لنحدث مقارنة بصرية استرجاعية بين تلك المواقف ورؤيتنا الحسية حول هذه الحشود… فيكون التأثر بها وبالتالي إستجلاء الموعظة. ومن جانب آخر عمد الفنان "معلا" إلى كثافة اللون حتى يبرز حركة التكوين ويحدث تأثيره البصري من وقعه في اللوحة على المتأمل مشبعاً إياه بحس غرافيكي رفيع، ولاسيما جداريته الضخمة التي أدخل فيها الخط العربي كدلالة على تأصل التراث الفلسفي والفقهي والأدبي عند علمائنا القدماء وامتداده في عصرنا الراهن، وثانياً كفسحة حركية حيوية في اللوحة للخروج من كثافة اللون وزحام الحشود الإنسانية…

إن "أحمد" يراقب العالم بدهشة الإنسان الذي في عمقه، ما نقرأه عند "كارل ساغان" من أن الإنسان هو عينا الكون وأذناه، ولهذا يحاول دائما أن يسهم في حركة العالم منطلقاً من موقعه العربي للبحث عن مفهوم بصري، وعما هو متشابك مع إرثه وحضارته وإنتمائه، وبالتالي تحقيق موقف ورؤية من مجمل هزات الحدث الواقع

وخلال المعرض قال الناقد التشكيلي السوري "عمار حسن" لموقعنا: «إن كثافة الحشود الإنسانية في أعمال الفنان "أحمد معلا" ما هي إلا دلالة على واقعنا الآن وما كان عليه منذ القديم، فهذه الشخوص منذ آلاف السنين وحتى اليوم ماهي إلا تلك النادبة "للحسين" أو الخارجة من "الأندلس" أو الخارجة من "الشام" في حربها مع "المغول" أو التي قادت "غاليلو" إلى المشنقة أو التي كانت مع "المتنبي" بحضرة "سيف الدولة الحمداني"، إنها الحشد القطيعي بمختلف مراحله الزمنية الذي يقوده عالم أو مبدع أو شهيد…».

الدكتور "أحمد معلا"

وأضاف: «إن اللافت في معرضه اليوم إدخاله للخط الكتابي المصور، ليس بمعنى الحروفية ولكن بما يعطي للون نسيجه الخاص، وباختلاف النمط الكتابي من "كوفي" إلى "ثلث" سيختلف بالتالي شكل اللوحة لديه حتى في الخط الواحد، وهذا الحس لم يغطه أحد من قبل و"أحمد معلا" سعى إلى تغطية هذا الشعور، ومنه بناء الحالة التعبيرية وحالة اللون وحركة التكوين».

وقال الفنان التشكيلي السوري "بوظو": «يعمل الفنان "أحمد معلا" على أسلوب الإختزال المبسط في التكوين الإنساني، وهذا لم يضعف من تكنيك اللون والتقنية لديه، ومعروف أن الإختزال قد يأتي أحياناً على التقنية واللون فيضعف من تأثيرها. إن أعمال "معلا" الحديثة جمعت بأسلوب جميل بين الغرافيك والتصوير الزيتي فكانت حداثة نوعية في الطرح، فهو لا يكرر نفسه وإنما يسعى دائماً إلى تقديم الجديد».

من لوحات المعرض /2009/

أما الدكتور "طلال معلا" فقد كتب في الصفحات الأولى من كتالوج التعريف بالفنان رؤية تحليلية للأسلوب التصويري في أعماله، قال فيها: «يشكل "أحمد معلا" نصوصه المكتوبة بطرافة اللون وقتل المنظور (الهندسة) في اللوحة ليحير العين المتسائلة أين تقف بمواجهة أعماله؟ حيث ينفتح العمل على كل الجهات… بما يتجاوز التجريد والتشخيص لإلتقاط مشهد فتان يقيد الإدراك بسب الإرباك المتولد من تناقض زمنية المكتوب مع زمنية المرئي، الأمر الذي يقتضي أن تبني العين علاقات جديدة مع التوليفة الإيحائية لصلة المرسوم بالمكتوب لديه خارج الحداثة التي شكلت نموذجاً لفهم العلم التصويري فيما سبق».

وكتب أيضاً: «إن "أحمد" يراقب العالم بدهشة الإنسان الذي في عمقه، ما نقرأه عند "كارل ساغان" من أن الإنسان هو عينا الكون وأذناه، ولهذا يحاول دائما أن يسهم في حركة العالم منطلقاً من موقعه العربي للبحث عن مفهوم بصري، وعما هو متشابك مع إرثه وحضارته وإنتمائه، وبالتالي تحقيق موقف ورؤية من مجمل هزات الحدث الواقع».

من لوحات المعرض /2009/

يذكر أن الفنان "معلا" من مواليد "بانياس" "سورية" عام /1958/، متخرج من كلية الفنون الجميلة ـ جامعة دمشق قسم الإتصالات البصرية عام /1981/، حاصل في على دبلوم من المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في "باريس" عام /1987/، درّّس في كلية الفنون الجميلة ـ جامعة "دمشق" مابين عامي /1989 ـ 1996/، عمل في مجال التصميم الغرافيكي والملصقات وأغلفة الكتب، وحالياً متفرغ للعمل الفني.