"إقبال ناجي قارصلي" من الفنانات السوريات اللواتي فتحن الطريق أمام المرأة السورية للدخول إلى عالم الفن التشكيلي، حيث استطاعت أن تقدم لوحاتها التشكيلية بروح انطباعية وواقعية لها علاقة قوية بالمجتمعات التي تتعايش معها.
موقع "eDamascus" بتاريخ 22/1/2012 للوقوف على أعمالها وحياتها استمع إلى حديث الدكتور والناقد التشكيلي "طارق الشريف" الذي قال عنها: «لقد كانت الفنانة "إقبال ناجي قارصلي" من الفنانات الموهوبات اللواتي رفدن الحركة الفنية بأعمالهن الفنية التي حفلت بالكثير من العطاء، والتي أعطت الدليل على موهبة أصيلة، أعطت الكثير في ظروف كانت صعبة للغاية، وذلك لأن الحركة الفنية كانت في البداية في مرحلة رواد الفن التشكيلي الذين شقوا الطريق وعبدوه أمام أجيال الشباب، وعلينا أن ندرك صعوبة الانتساب إلى معهد أو مدرسة، وكذلك صعوبة أن يدرس الفن دراسة أكاديمية سليمة.
كانت تعرف أنه على الفنان أن يكون مثقفاً وموسوعياً في ثقافته، كانت تقرأ كثيراً وتشاهد كل ما يعرض من أفلام جيدة أو مسرحيات هادفة، وكان الكتاب لا يفارقها والصحيفة طقسها اليومي، كانت تعيد دراسة لوحات "بوتيشلي، غوغان، ليوناردو دافنشي"، وتلتهم أعمالهم عبر ما يصل إلى يدها من مصادر، وكانت تصنع ألوان كل لوحة تطلي أساسها، تخططها، ترسمها، تلونها، تعيد رسمها وتصنع إطارها وتطليه بيدها، تفعل كل هذا باندفاع وحماس الهاوي وبحرفية ودأب وصنعة المحترف، وفوق كل ذلك كانت تؤمن وتكرر بأن الفن الجميل هو الذي يسمو بالإنسان ويمكن أن يخلص العالم من مآسيه وأحزانه
وعلينا أن نقول إن الفنانة "قارصلي" حين عرفت موهبتها بدأت بالتفكير بالتعلم بالمراسلة، وذلك عن طريق رسم اللوحات وإرسالها، وأخذ المعلومات الفنية، وهكذا خطت الخطوة الأولى نحو تعلم الفن والرسم عن الطبيعة، والبحث عن شخصية فنية، وهكذا اختارت الواقعية التي نراها دقيقة وأحياناً تقترب من الانطباعية في اللون والتشكيل الحرفي في لوحاتها الأخرى، وهكذا أعطت الموضوع أهمية كبيرة، كما أن علينا أن ندرك أنها الفنانة التشكيلية التي نظمت عدة معارض فنية في تلك الفترة والتي عملت بلا كلل أو ملل حتى كسبت قدرتها على عمل لوحة فنية وهي تستحق كل التقدير لجرأتها في تحدي المصاعب والعقبات في مرحلة كان الفن فيها صعباً ولا يلاقي التشجيع للفنانين الموهوبين، فكيف لفنانة أرادت أن تربط موهبتها بالواقع وترسم منه، ما يعتبر البداية للفن التشكيلي الذي ازدهر بعد ذلك، وقدم الفنانين مختلفي التيارات والاتجاهات الفنية والفنانات اللواتي وصلن إلى مرحلة الإبداع والتجديد والتي مهدت لهن الفنانة "إقبال ناجي قارصلي"».
الدكتور "سهيل الملاذي" مدير الثقافة في "دمشق" سابقاً قال عنها: «لقد أضيف اسمها بجدارة إلى قائمة رواد الفن التشكيلي العربي، وأصبحت علماً من أعلامه، ولعلها المرأة الأولى في جيل الرواد، حين ودعت الحياة مبكرة عام 1969 في الرابعة والأربعين من عمرها وكانت قد رسمت أكثر من 750 لوحة، توزعت في العالم بعد أن شاركت بها في العديد من المعارض الفردية والجماعية، ونالت على مدى خمسة عشر عاماً الكثير من الجوائز، في طفولتها تنقلت بين "دمر، الزبداني، دوما، دمشق وغوطتها" وعاشت في أحضان الجمال، واختزنت ذاكرتها الفنية والطبيعة بمناظرها المتعددة فأحبتها، وتفاعلت معها وتعلقت بالوطن وعشقته، وقد أتاح لها زواجها المبكر وهي في الخامسة عشرة من عمرها جواً أسرياً متفهماً، تجاوب مع طموحاتها الفنية، فقد قضت عشر سنوات في "تدمر" حيث التاريخ والتراث، وحيث وهج الصحراء العربية وتزلقها، فاختزن خيالها مزيداً من الصور والإيحاءات المعبرة عن عمق الانتماء، وأضافت إليها بعض التأثيرات المستمدة من فنان فرنسي، أقام في المنزل الذي استأجره زوجها في "تدمر"، وترك فيه عند عام 1946 رسوماً جدارية ولوحات له ولعدد من الفنانين الأوروبيين.
لكنها ما لبثت أن شعرت بالحاجة إلى إغناء ثقافتها وتجربتها الفنية، فأقبلت على القراءة والمطالعة، وراسلت معهد الجواهري في "القاهرة" علها تتمكن من بعض الأسس التقنية المفيدة في ممارسة هوايتها وتطويرها. لم تكن ترسم لنفسها بل كانت ترسم للناس لأنها تنتمي إلى وطن الجمال والشمس والأصالة، عاشت الواقع واندمجت في الحياة الاجتماعية، وسجلت الأحداث وألحت على المفهوم الواقعي الطبيعي الاجتماعي، شغلتها التفاعلات السياسية والتحولات في الوطن العربي، وانعكس الإحساس القومي في بعض لوحاتها "جميلة بوحيرد، أقبية التعذيب في العراق، اللاجئ"، وكانت أول امرأة تقيم معرضاً فنياً في مدينة الثورة عام 1969 قبل وفاتها بشهور قليلة وهو المعرض الفردي الرابع، بالإضافة إلى أنها كانت تعترف بأن ثمة اتجاهات فنية معينة لا يمكن إنكارها تسمى المدارس، لكنها لم تجد الضرورة لإلزام نفسها بواحدة منها، فالفن الصحيح في نظرها هو انعكاس للظروف والإحساسات ولا يمكن له أن يتقيد بمدرسة معينة لأن المدارس قد نشأت بعد الرسم لا قبله.
بعيداً عن التكعيبية والسوريالية والتجريدية، فإنها مالت إلى الانطباعية إحساساً وألواناً وأسلوباً، والواقعية موضوعاً، والتعبيرية طابعاً، إنها ترسم في إطار الانطباعية الواقعية، التي تعكس تفاعل الفنان بالحياة والمجتمع، وتعتبر الطبيعة معلمها الأول، لأنها كما تقول تأسرها وتستأثر بإحساساتها أكثر من أي شيء آخر، وانطلاقاً من عشقها للطبيعة واتقانها للتطريز اليدوي اهتمت بكل التفصيلات المكونة للطبيعة وطرزتها بألوانها المفرحة».
ابنها "محمد قارصلي" يقول: «كانت تعرف أنه على الفنان أن يكون مثقفاً وموسوعياً في ثقافته، كانت تقرأ كثيراً وتشاهد كل ما يعرض من أفلام جيدة أو مسرحيات هادفة، وكان الكتاب لا يفارقها والصحيفة طقسها اليومي، كانت تعيد دراسة لوحات "بوتيشلي، غوغان، ليوناردو دافنشي"، وتلتهم أعمالهم عبر ما يصل إلى يدها من مصادر، وكانت تصنع ألوان كل لوحة تطلي أساسها، تخططها، ترسمها، تلونها، تعيد رسمها وتصنع إطارها وتطليه بيدها، تفعل كل هذا باندفاع وحماس الهاوي وبحرفية ودأب وصنعة المحترف، وفوق كل ذلك كانت تؤمن وتكرر بأن الفن الجميل هو الذي يسمو بالإنسان ويمكن أن يخلص العالم من مآسيه وأحزانه».
من الجدير بالذكر ان الفنانة "إقبال ناجي قارصلي" ولدت في "دمشق" عام 1925.
-1954- 1958 دأبت على المشاركة في جميع المعارض الجماعية والمحلية والدولية والعالمية، كما اشتركت في مسابقات ملهمة الفنانين ومعارض الزهور والقطن ونالت العديد من الجوائز.
-1964 أقامت معرضها الفردي الأول في صالة الفن الحديث بدمشق وكانت أول فنانة سورية تقيم معرضاً فردياً.
-1966 أقامت معرضها الفردي الثاني في صالة المركز الثقافة العربي بدمشق.
-1968 أقامت معرضها الفردي الثالث في مدينة "روستوك" ومدينة "غرايغزوالد" في "ألمانيا" الديمقراطية.
-1969 أقامت معرضها الرابع في مدينة "الطبقة.
-11 أيار 1969 توفاها الله بدمشق في قمة عطائها الفني وفي بداية مرحلة جديدة في تطورها وتبلور تقنية جديدة طورتها بدأب وحماس.