امتلكت قدرات عميقة في توظيف ثقافتها ومعرفتها للتراث الإسلامي بما يحمله من فنون وتطورات عبر الزمن؛ من خلال ابتكارها لأعمال فنية من البلور والخزف الدمشقي الذي جذب أنظار من يشاهده، كما أنها من مؤسسيي جمعية "W.D.C"، التي تهتم بشؤون المرأة المسلمة الناجحة في "الولايات المتحدة الأميركية".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 2 آب 2018، مع المغتربة "منى محمد صبحي العمري"، لتحدثنا عن مسيرتها الفنية بالقول: «ولدت وترعرعت في مدينة "دمشق"، ضمن أسرة كثيرة العدد ومثقفة؛ وتعلمت حب الحياة والتعاضد، وخصوصاً والدي المجاهد "محمد صبحي العمري" الذي كان قدوة لنا بالعطاء والشعور بالمسؤولية تجاه الأسرة والوطن، وكان كلامه دافعاً لنا لحب الخير والجمال والحياة والبحث عن مكامن المعرفة والجمال في كل شيء، والتعبير عنه بشتى الوسائل. لم يمنعني زواجي المبكر من متابعة دراستي بعد مدة وجيزة، فنلت الشهادة الإعدادية، فالثانوية، ودخلت الجامعة لدراسة الفلسفة، ودبلوم التأهيل التربوي في جامعة "دمشق"، التي فتحت أمامي أبواباً عديدة للتحصيل العلمي، حيث كنت أتابع البحث في نواحي الفن الإسلامي وتطوره عبر الزمن والطرائق المتبعة للتعبير فيه لا تتنافى مع المعتقدات والفكر الإسلامي، وأغنيت ثقافتي بالبحث عن الكتب والمراجع المتعلقة بالفن الإسلامي ومراحل تطوره».

عندما تمسك الأنوثة بخيوط الحرفة يولد الفن الذي يستقي روحه من التراث، ويحمل فكره ورسالته الجمالية برقة وعذوبة وأصالة، وهذا ما قدمته الفنانة السورية "منى العمري" في أعمالها الفنية التي كانت من خلالها سفيرة لـ"سورية" إلى العالم، إضافة إلى أن أسلوبها يجمع بين الأصالة والذوق المعاصر الراقي لتثير الكثير من الاهتمام والدهشة بين المهتمين بالفن والشرق في "الولايات المتحدة الأميركية"، فقد رسمت بأسلوبها الخاص وروحها الشرقية المعتقة في كؤوس الزجاج الدمشقي وخيوط الذهب وعروق الصدف بالموزاييك لتقدم أعمالاً متميزة بقدر ما هي دمشقية وسورية ومشرقية، وهذا هو سرّ الفنانة "منى العمري" وسحرها

وتابعت: «فن الرسم على الزجاج من الفنون الجذابة والمميزة بطبيعتها، التي تعمل على تغيير معالم الزجاج ليبدو أكثر جمالاً وأناقة، فقد جذبتني الأواني الزجاجية بسحرها وشفافيتها ونعومتها وصفائها، وحين كنت أمسك الزجاج لأضع عليه خطوطي ترجع بي الأفكار إلى زمن مضى وكأنني أعيشه، فهذا الزجاج الذي تألق واشتهر عبر البلدان في العهد الإسلامي الذي أعطاه وأخذ منه، فحين تلمسه يدي وأشعر بنعومته يأخذني سطحه الأملس إلى عالم الواحد، فتتطاير الحروف القدسية حوله في تناغم أخاذ، وتتداخل فيما بينها مع الكلمات القدسية التي تحاكي من يقرؤها، وبدأت نقل إحساسي عبر رسوماتي على الأواني الزجاجية وسطوح المرايا وأي مساحة خشبية أو معدنية، وعلى البورسلان الأبيض والملون أيضاً، أضع عليها زخارف ومنمنمات وتوريقات إلى جانب الآيات القرآنية بما تحمله من معانٍ مقدسة ممزوجة بالحب، وتحملني إلى عالم الروح الذي يعطيني الدفع لأعبر عما يختلج في نفسي. ومن خلال أعمالي جعلت الآيات القرآنية الأساس في رسومات المساجد والقباب والمآذن، وأختار منها ما يناسب، ثم أملأ الفراغ بالنقطة مفردة ومجتمعة في توليفة ترمز إلى الواحد الأحد في فرديتها، وفي اجتماعها ترمز إلى "الكل" ليشكلا العاطي والمعطي حتى تكتمل الصورة التي تجسد المعنى والإحساس.

من أعمالها الدمشقية

كما أن النقطة تعدّ الركيزة الأولى لكل أعمالي؛ فهي البداية، وهي أيضاً النهاية، وتنبع أهميتها من كونها تعدّ جزءاً من كل شيء حولنا».

وعن الألوان المستخدمة في أعمالها، أضافت: «كما أن اللون يكمل المعنى بمدلولاته، فالمعاني السامية التي تحملها الآيات القرآنية تحتاج إلى متممات، وهذا يتحقق من خلال اللون ودلالاته الواضحة في أعمالي، التي تأتي بمزيج وتراكيب لونية تعبر عن الحالة النفسية التي تنتابني، فلكل لون خاصيته، حيث يعبر من خلاله الفنان عن بصمته وهويته الخاصة به، ففي أكثر أعمالي أستعمل اللونين الذهبي والفضي، وكذلك النحاسي بتدرجاته، على الرغم من أن هذين اللونين غير موجودين في الطبيعة المرئية، إلا أن العديد من الفنانين استخدموا بكثرة هذين اللونين في أعمالهم الفنية لما لهما من دلالة ورموز، فاللون الذهبي يسلب الأشياء أجسامها ببريقه السحري الذي يرتفع بها إلى عالم أسمى غير مرئي. أما اللون الفضي، فهو بتراكماته يوحي بالغموض، وهذا الغموض جذبني إليه، فهو من ألوان الفضاء الرحب الذي تهيم الروح به نحو السمو والنقاء. من هذا المنطلق اخترت هذين اللونين لتنفيذ أعمالي الفنية، فهما وسيلتي للتعبير عن الحالة والمعنى الذي أقصده وأرمي إليه».

أثناء تكريمها في أميركا

وعن غربتها وما استفادت خلالها فنياً، أضافت: «في تنقلي عبر البلدان المختلفة تفتحت روحي ونفسي، وأحببت ذلك التنوع بين الناس والمجتمعات، وأضاف ذلك الكثير إلى موهبتي وأغنى عيني برؤية ثقافات شعوب مختلفة، فتنوع الثقافات وتبادل الأفكار بين الناس يقدح شرارة العطاء والإبداع لدى الفنان، ويزكي النفس والروح ويشعر الإنسان بالسعادة الحقيقية من خلال المعاني التي تشع بها عيون الآخرين، بهذا المعنى الصافي والحقيقي يعرف الإنسان نفسه؛ فتلك المعرفة تشحنه بالرضا والسعادة؛ وتتجدد بهذا عطاءاته، فالفن كالحياة يزدهر بالتجديد والتطور، وأنا بكل عمل فني أنجزه أشعر بأنني خلقت مجدداً، ففي "واشنطن" كانت المدة الأطول التي قضيتها فيها، وبدافع ذاتي أردت الاندماج في المجتمع الجديد لآخذ منه وأعطيه، فكانت فكرة جماعية من مجموعة نساء فنانات، كنت واحدة منهن لتأسيس جمعية "المرأة المسلمة في الفن"، بدأت بأربعة نساء، وعدد الفنانات يزيد؛ حيث وصل عدد الأعضاء الآن بعد عشر سنوات من تأسيسها إلى أكثر من خمسة آلاف عضوة من ولايات متباعدة، وكان مقرها "واشنطن". وكان الهدف من الجمعية تقديم الفن بالدرجة الأولى الذي تنتجه المرأة المسلمة التي تحاول بعض الجهات الإساءة إليها وتظهرها بوجه ليس وجهها، وقد كان ذلك النشاط في إقامة معارض عدة في أماكن مختلفة؛ وهو ما جعل تلك الفنون تنتشر وتبدو في وجهها المشرق، وقد شاركت بـ15 معرضاً جماعياً، وأربعة معارض فردية، منها: في المركز الثقافي "الباكستاني"، وكذلك في جامعة "جورج واشنطن"، و"مونتومري كولج". وكنت في أكثر المعارض المشتركة الوحيدة من "سورية"؛ وهذا دفعني لأبذل مجهوداً أكبر لأظهر اسم بلدي في أعمالي الفنية، فاستعنت بعروض على شاشة عرض للآثار السورية، كنت قد أحضرتها معي من "دمشق"، وحصلت عليها من وزير الثقافة شخصياً "أحمد الأحمد"، وقد رحب بفكرة العرض التي اقترحتها عليه. أما في "دمشق"، فقد أقمت معرضين في قصر "الثقافة" بمكتب "عنبر"، ومكتبة "الأسد"».

الناقد التشكيلي والأديب "محمد منذر زريق" حدثنا عن أعمال الفنانة "منى العمري" بالقول: «عندما تمسك الأنوثة بخيوط الحرفة يولد الفن الذي يستقي روحه من التراث، ويحمل فكره ورسالته الجمالية برقة وعذوبة وأصالة، وهذا ما قدمته الفنانة السورية "منى العمري" في أعمالها الفنية التي كانت من خلالها سفيرة لـ"سورية" إلى العالم، إضافة إلى أن أسلوبها يجمع بين الأصالة والذوق المعاصر الراقي لتثير الكثير من الاهتمام والدهشة بين المهتمين بالفن والشرق في "الولايات المتحدة الأميركية"، فقد رسمت بأسلوبها الخاص وروحها الشرقية المعتقة في كؤوس الزجاج الدمشقي وخيوط الذهب وعروق الصدف بالموزاييك لتقدم أعمالاً متميزة بقدر ما هي دمشقية وسورية ومشرقية، وهذا هو سرّ الفنانة "منى العمري" وسحرها».

الفنانة منى العمري في أحد معارضها