اكتشفت "شكرية كيوان" موهبتها في الشعر بعد أن بلغت الستين من العمر، معتمدة على ذاكرة قلّ نظيرها، وتخيلات شعرية حفظتها عن ظهر قلب، ودوّنتها بمساعدة أبنائها الذين آمنوا بتفردها، على الرغم من أمّيتها وعدم دخولها المدارس، فأصدرت ديوانين شعريين بالمحكي والفصحى، وانطلقت نحو فضاء خاص بها.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 16 أيار 2018، التقت الشاعرة "شكرية كيوان" لتتحدث عن بداياتها مع الشعر بالقول: «اكتشفت موهبتي الشعرية متأخرة جداً، لكن ذلك لم يكن مفاجئاً لي بالمطلق، فقد كنت تواقة لسماع الأدب والشعر، ودائماً كانت تغريني الكلمات الجميلة، ولها وقع خاص في نفسي. فالشعر هو معرفة الذات، وحالة من السفر مع الروح. وفي ظل هذا الواقع كنت أشعر داخلياً بتراكم كبير من الأحاسيس والحنين من دون أن أجد الطريقة المناسبة للتعبير عن كل ذلك. وعندما اندلعت الأحداث في "سورية"، وشاهدت مرارة الأمهات وانكسار دموعهن، وتلك الأوجاع التي أصابت الوطن، كانت كلماتي تخرج وكأنها تلاحق أشواق النسوة وعذاباتهن في كل الأماكن. كانت بداياتي الشعرية البسيطة نزفاً من الكلمات الإنسانية الموجعة على وطن لا يستحق إلا الجمال».

كنا نحاول كأبناء لها توثيق هذه الحالة الإنسانية، وإظهارها للعالم كردّ جميل لها أولاً لكونها أعطتنا الكثير ولا يمكن الوفاء، هي شاعرة لن تتكرر، وأثبتت قدرتها على العطاء على الرغم من استهجان حالتها هذه وعدم تقبلها في البداية، فحاربت بقوة لإيمانها بما تقول، حتى بدأ المهتمون بالأدب والشعر تحديداً يستمعون إليها، ويكتشفون ألغازها. وكانت أمسياتها تلقى حضوراً بهياً، وأشعارها تصل إلى القلب والروح، وهي تعمل الآن على ديوانها الثالث "رسائل كونية" في تجربة جديدة وإنسانية بحتة؛ تصف فيه أعمالي الفنية بطريقتها الخاصة التي لا تشبه أحداً

وعن تتابع هذا النزف واستمراريته حتى تحول إلى واقع مكتوب وملموس، تضيف: «كانت الكلمات الشعرية، والأفكار المتلاحقة تأتيني في الحلم، وعندما أصحو منه أقوم على الفور بترديدها وحفظها لكوني لا أتقن القراءة والكتابة، وأعتمد بذلك على أبنائي.

الفنان بسام الحجلي

تأثرت بالحالة الفنية لولدي الفنان التشكيلي "بسام الحجلي"، الذي حقق حضوراً فنياً راقياً على مستوى كبير، فكنت أحاول بالشعر نقل تصوراتي الخاصة التي تحولت مع الزمن إلى قصائد عديدة حفظها أبنائي الذين كانوا وراء هذا الإنجاز، ولولاهم لما استطعت فعل شيء سوى الحلم، كان الشعر بالنسبة لي حالة من الحب أجمع به عائلتي الصغيرة حولي، ولم يخطر في بالي أن أنشر تلك القصائد ضمن ديوان، فما أكتبه زفرات تعبر عن المكنون الذي يجتاحني، وعندما تحولت هذه القصائد إلى ديوان، كان هذا أشبه بتلك الأحلام التي كانت تغمر روحي كل ليلة».

هناك حالة من السفر عبر الزمن، وهي فطرية بكل التفاصيل، فأنا أحفظ ما أقول تلقائياً، وأحفظ ما أسمع من الشعر أيضاً، وهي ملكة ربانية أيضاً اكتشفتها متأخرة. أنا أرى قصيدتي مشغولة في عقلي الباطني، وأحاول نقل مفرداتها كما هي لكي تحفظ وتكتب وتخرج إلى الناس. وإيمان أبنائي بهذه الصور أخرجها إلى النور، فلديّ ما يتجاوز 300 قصيدة، وديوانان شعريان متنوعان ما بين المحكي والفصحى، الأول حمل عنوان: "قبل رحيل موكبي"، والثاني: "حروف من بازلت". والشيء الذي لا يمكن تفسيره بسهولة التنقل بين المحكي والفصيح، ويبدو أن مرجعه سماع الشعر باستمرار، وخاصة أشعار "جبران خليل جبران"، و"أحمد شوقي" وآخرين ممن تأثرت بكلماتهم من دون أن يؤثّروا في صوري».

ديوان "حروف من البازلت"

الفنان التشكيلي "بسام الحجلي" قال: «كنا نحاول كأبناء لها توثيق هذه الحالة الإنسانية، وإظهارها للعالم كردّ جميل لها أولاً لكونها أعطتنا الكثير ولا يمكن الوفاء، هي شاعرة لن تتكرر، وأثبتت قدرتها على العطاء على الرغم من استهجان حالتها هذه وعدم تقبلها في البداية، فحاربت بقوة لإيمانها بما تقول، حتى بدأ المهتمون بالأدب والشعر تحديداً يستمعون إليها، ويكتشفون ألغازها. وكانت أمسياتها تلقى حضوراً بهياً، وأشعارها تصل إلى القلب والروح، وهي تعمل الآن على ديوانها الثالث "رسائل كونية" في تجربة جديدة وإنسانية بحتة؛ تصف فيه أعمالي الفنية بطريقتها الخاصة التي لا تشبه أحداً».

ومن ديوانها الأول نقتطف لكم هذه الصور الجميلة:

ديوان "قبل رحيل موكبي"

"ريت الله يوم كان بيتنا براس هالتلة من لبن

وطين

سقفوا من قصب مثل الغزال وتغرد فيه

الحساسين

والتوتة الخضرا يلي قدام البيت

وزهرات الياسمين

ونصحى على رقرقة خبز أمي على التنور

والجارات حولها ململمين

والياسمينة المعربشة على الحيطان

وزهراتها البيض تعبق بالشذى

وعلى بساطها الأخضر مهرهرين

والدالية السودا بمدخل المعبور

هالجرار من عنباتها السود مقطرين".

الناقد الأدبي والزميل الصحفي "جودت غانم"، الذي قرأ تجربة الشاعرة "كيوان"، قال: «تنقلك الشاعرة "شكرية كيوان" إلى عالم بسيط خالٍ من التعقيد، فلغتها الشعرية التي تقمصت كلماتها ناتجة عن تجربة فطرية طورتها بمهارة وقدرة عجيبة. نحن أمام حالة متفردة وغريبة في الوقت نفسه، ولا يمكن أن نشرّح نتاجها كما ننقد الشعراء والمشتغلين بالأدب الذين أمضوا حياتهم في العلم وبين الكتب، فأن تقرأ ديواناً لسيدة لا تعرف القراءة والكتابة، ولم تدخل المدرسة لهوَ أمر مهم، ويبنى عليه الكثير. لغتها الشعرية سلسة، وصورها جميلة مستمدة من البيئة التي عايشتها وتعيشها. والأمر الآخر الذي لفت نظري، وحيها الذي يصور لها قصائدها، فتنقلها بكل شفافية من دون تنقيح، لتحافظ على تلك الفطرية العذبة. والمتتبع لقصائدها يلحظ التطور المتصاعد، فقد استفادت كثيراً من إنتاج الشعراء الكبار، وملاحقة الصور والتخيلات؛ وهو أمر يدعو إلى احترام التجربة».

الجدير بالذكر، أن الشاعرة "شكرية سالم كيوان" من مواليد قرية "سهوة الخضر".