حبه ورغبته في توثيق زي الفلكلور السوري في أعمال فنية خلدت في الذاكرة التشكيلية، وذلك عبر تجسيده للمعالم الأثرية والحضارية في أعماله الفنية، حيث استطاع ترك بصمة خاصة عبر مسيرته الفنية التي استمرت أكثر من نصف قرن

مدونة وطن "eSyria" تواصلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 13 تشرين الأول 2017، مع الفنان والناقد التشكيلي "أديب مخزوم" ليحدثنا عن تجربة الفنان الراحل "زياد زكاري" بالقول: «من خلال مسيرته الطويلة التي استمرت أكثر من نصف قرن، أكد أنه مصدر مهم في توثيق الأزياء المحلية الفولكلورية والشعبية من خلال دراسة وتجسيد المعالم الأثرية والحضارية في لوحات فنية مميزة، حيث عمل على استشراف آفاق وجماليات الأزياء الفولكلورية وتفاصيل زخارفها وألوانها وخطوطها التاريخية، واتخذ لنفسه أسلوباً خاصاً في الرسم ابتعد فيه عن كل المدارس الفنية الحديثة والمعاصرة عبر تركيزه على إظهار أدق درجات الدقة في الرسم الإيضاحي الواقعي، وإبراز قوة الخطوط التي تحدد العناصر الإنسانية والأجواء الفولكلورية والأثرية، أضف إلى أنه عمل على إظهار رشاقة وحيوية حركة الحصان في لوحات المعارك والحروب والقصص الشعبية، حيث تبرز لوحاته ورسوماته وتخطيطاته معالم موهبته الفنية النادرة في التحكم بحركة خطوطه الانسيابية والمرنة، وملاحقة التفاصيل الصغيرة والدقيقة والبعيدة كل البعد عن التقنيات التصويرية الحديثة القادمة إلينا من معطيات الفنون التشكيلية في الغرب الأوروبي، التي تعطي أهمية قصوى للحركات واللمسات والضربات اللونية العاطفية والانفعالية والمباشرة».

كنت أرسم منذ الثامنة بالطبشور على جدران المنزل، وأصور من خلال هذه الرسوم رحلاتنا العائلية والأحداث التي تحدث معي، ليتطور الأمر لاحقاً وأذهب في أوقات الفراغ إلى سوق الخطاطين والرسامين في البحصة، ليتعرف من خلف الواجهة إلى الرسام "أكرم خلقي" وهو يرسم البورتريه، وكنت لم أتجاوز المرحلة الابتدائية بعد

وأضاف: «لم يكتفِ الفنان "زياد" بتصوير النساء والفتيات بلباسهن الفولكلوري والمعالم السياحية والجلسات الشعبية في البيوت الدمشقية الفسيحة من الداخل، بل آمن ومنذ البداية بأن البحث والاطلاع والتنقيب هو الطريق المفتوح لكي يحقق رغبته في التوثيق والتأريخ؛ فانطلق من "دمشق" إلى مجمل المدن والأماكن السياحية لتأمل المظاهر والأجواء المميزة في المدن والقرى، والاطلاع على البقية الباقية من هذه المعالم الفولكلورية في متاحفها وأسواقها الشعبية، التي مثّلت لسنوات طويلة استراحة رومانسية لفنان تعمق في دراسة الأجواء الحضارية المميزة، وساهم بتسجيل ولادة جديدة لهذا التراث المعرض لمخاطر الاندثار والزوال».

إحدى لوحاته

وتابع "مخزوم": «منذ زمن وأنا معجب بلوحاته وخصوصاً بطاقات "البوستال"، والبطاقات الكبيرة "إيفور" التي كنت أشاهدها في مكتبات مدينتي "طرطوس"، ولوحاته التي طبعت منذ عقود ووزعت في معظم القارات، حيث قدم للأجانب ما هو مغاير للمألوف، فقد كان صاحب موهبة فذة في الرسم ولا يبارى في قوة خطوطه ورشاقة أشكاله وخصوصية أسلوبه، حيث رسم المشهد الأثري وأضاف إليه تخيلات ناس أيام زمان أو ناس الأزمنة الغابرة، وبذلك حفظ خصوصيات التراث، ولولاه لكان اندثر هذا التراث، ولا سيما أنه الرائد الأول في هذا المجال؛ لأنه امتلك القدرة على التقاط ملامح ووجوه كل منطقة "سورية"، إضافة إلى براعته في تصميم الطوابع البريدية».

وبدوره قال الفنان التشكيلي "أيمن الدقر" عنه: «تعرفت إلى الفنان التشكيلي الراحل "زياد زكاري" عندما كنت في الصف الأول الابتدائي، فقد كان جارنا بالسكن في منطقة "الأزبكية" بمدينة "دمشق"، وبحكم أنني صديق ولديه "طارق" و"لؤي"، كنت أزوره في منزله، حيث أثر بي منذ تلك المرحلة وتمنيت أن أكون فناناً مثله؛ فقد كنت أجلس طويلاً أراقبه كيف يرسم، حيث كان يجلس في غرفة الضيوف وقد شد قطعة من الكرتون على لوح من الخشب وبجانبه صف ألوانه بعناية، ويقوم بالرسم والتلوين بمهارة شديدة، وكان ودوداً وأباً بكل معنى الكلمة، لا يبخل بالإجابة عن أي سؤال حول ما يرسم على الرغم من صغر سننا، أضف إلى أنه كان يرسم لوحاته الشهيرة "الأزياء الشعبية" بمادة ألوان "التمبرا" المائية وأحياناً بألوان "الغواش"، كما أنه يعدّ من الفنانين الذين يؤمنون بأن (الرسم صنعة، والفن حالة تجميل وإحاطة للصنعة بالفكر)».

وقد ورد في حديث لـ"زياد زكاري" في إحدى مقابلاته الصحفية مسترجعاً بداياته: «كنت أرسم منذ الثامنة بالطبشور على جدران المنزل، وأصور من خلال هذه الرسوم رحلاتنا العائلية والأحداث التي تحدث معي، ليتطور الأمر لاحقاً وأذهب في أوقات الفراغ إلى سوق الخطاطين والرسامين في البحصة، ليتعرف من خلف الواجهة إلى الرسام "أكرم خلقي" وهو يرسم البورتريه، وكنت لم أتجاوز المرحلة الابتدائية بعد».

الجدير بالذكر، أن الفنان "زياد زكاري" ولد في مدينة "دمشق" عام 1927، وتوفي بتاريخ 2014؛ عن عمر 87 عاماً، وأقامت له وزارة السياحة عام 1985 معرضاً لأعماله في "باريس"، وأقيم معرض تكريم له في المركز الثقافي بـ"المزة" في ذكرى رحيله الثالثة عام 2017، درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدرسة "جودت الهاشمي"، وكان عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين منذ عام 1964، وعيّن رساماً طبوغرافياً في دائرة المساحة في "دمشق"، ورساماً لدى مديرية أوقاف "دمشق" لرسم الزخارف وواجهات المساجد 1951، كما أنه عين في وزارة الثقافة 1966، شارك في العديد من المعارض داخل وخارج "سورية"، منها يوم السياحة العالمي في "باريس" 1964، نال الميدالية الفضية في مسابقة تصميم الطوابع البريدية في "باريس" عام 1964، نال العديد من شهادات التقدير من مؤسسات ووزارات الدولة منذ عام 1967 وحتى عام 2010.

من أعماله الفنية