كان للعمل بالأسهم الماليّة التي أخدت تنتشر في شارع "مردم بيك" وتنمو بين تجار "دمشق" وأعمالهم دور كبير وفاعل في تغير اسم الشّارع ليكون متناسباً والتداولات التي أخذت تجري فيه فأصبح "زقاق البُرص"، حيث بدأت ترتسم معالم سوق البورصة وتتشكل.

بتاريخ 11 أيلول 2017 وخلال جولة مدونة وطن "eSyria" في سوق "الحميدية" باتجاه "الحريقة" استوقفتنا لافتة "حي البُرص"، وبالسؤال عن أصول هذه التّسمية وأساسها، قال أحد كبار الرّجال في الحي الشّيخ "محمد شفيق الفرا" صاحب الـ 104 سنة عن ذلك: «الاسم هنا بلا مسمى، ذلك أنه لن تجد في هذا الشارع شخصاً واحداً (بورصجي)، إنما "زقاق البرص" هو نفسه شارع "مردم بيك" الممتد قبالة محلات "بكداش" للبوظة، ما بين سوق "الحميدية"، و"البيمارستان"، أي "النوري"، وهو كما كل "دمشق القديمة" له نفس نموذج الأحياء الدّمشقيّة وشوارعها ذات الأزقة المتعرجة الضّيقة التي أثارت الاستغراب. وأهل "دمشق" المعروفين بملكة الفكر‏ ‏الهندسي، وأسبابهم في ذلك تنوعت بين الأمنية، والاجتماعيّة، فالنساء يخرجن في النّهار من بيت إلى بيت ‏مجاور أو مقابل دون أن يراهن أحد، واعتاد السّائر من أهل "دمشق" في زقاق ضيق أو حارة، إعلانه عن قدومه ‏بأن يظل يقول بصوت عال (يا الله .. يا ستار) فتحس به السّيدات ليدخلن بيوتهن، أما بالنسبة للأسباب الأمنيّة لهذا التّصميم تكمن في أنها تسهّل الدّفاع عنها إذا هوجمت فلا يرى المهاجم الطّريق ‏حتى آخره، ولا من يكمن له في المنعطف».

عرفنا وعلى زمن العصملي ومن بعده الفرنسي سوق "البُرص" ليكون ذلك في العشرين من القرن الماضي، وهو كما سوق الأوراق الماليّة عمل فيه تجاره بالليرات الذّهبية والأسهم والعملة وأغلبها التّركيّة، وقد كانت الساعة السابعة من كل يوم موعداً تبدأ فيه جلسة التّداول، حيث ترتفع الأسهم أو تهبط، ليغلق التّداول في السّاعة العاشرة والنّصف، وأقصاه الحادية عشرة، وكانت بورصة هذا السّوق متنوعة كاملة لها أصناف وأنواع عدة تشمل كل البضائع من سكر، وشاي، وأرز، وقمح، وقطن، والكثير غيرها

يعود معنا الحاج "مراد سقا أميني" بذاكرته وهو واحد ممن اشتغلوا في السّوق بمحل هو لوالده فيقول: «عرفنا وعلى زمن العصملي ومن بعده الفرنسي سوق "البُرص" ليكون ذلك في العشرين من القرن الماضي، وهو كما سوق الأوراق الماليّة عمل فيه تجاره بالليرات الذّهبية والأسهم والعملة وأغلبها التّركيّة، وقد كانت الساعة السابعة من كل يوم موعداً تبدأ فيه جلسة التّداول، حيث ترتفع الأسهم أو تهبط، ليغلق التّداول في السّاعة العاشرة والنّصف، وأقصاه الحادية عشرة، وكانت بورصة هذا السّوق متنوعة كاملة لها أصناف وأنواع عدة تشمل كل البضائع من سكر، وشاي، وأرز، وقمح، وقطن، والكثير غيرها».

الحاج محمد شفيق الفرا

يتابع شرح الأسلوب الذي درج التّعامل به في السّوق وأخلاقياته، فيقول: «لكلمة التّاجر في هذا السّوق الوزن المساوي للعقود والمواثيق، يتعامل بها التجار من دون أن يشوبها خوف أو شك، إضافة إلى أنها تجري على كل الصفقة حتى إنها تشمل الرّبح والخسارة، هي كلمة الثّقة التي تبلور مصداقيّة التاجر لتكون رأس ماله الأول. وكان لتجار هذا السّوق إنجازاتهم المميزة تلك المرحلة؛ فقد أُسّست شركة الكونسروة لتكون مساهمة كل تاجر بحدود الخمسين سهماً زيادة أو نقصاناً. وفيما بعد أُسّست شركة الإسمنت، وفي عام 1925 أُسّست رسمياً سوق مضاربة البورصة وتم ترخيصها. ومن الأعمال التي درج العمل بها (خصم السّندات)، حيث يقوم التّاجر بتسديد قيمة السندات المستحقة لصاحبها لحساب المستفيد، حيث يأخذ مقابل ذلك ما قيمته نسبة من قيمة السند يتفق عليها على الأغلب؛ بنسبة 10% زيادة أو نقصاناً. وفي عام 1958 جاء التّأميم ليشمل سوق البُرص، فأُوقفت التّداولات بهذا السّوق؛ وهو ما استدعى أن تحولت المحال والمكاتب بأعمالها إلى تجارات أخرى، وإن بقي بعضها مستمرة بالعمل خفية في أعمال البورصة».

الحاج مراد سقا أميني
زقاق البّرص