احتلت الرواية مقدمة الأجناس الأدبية التي كتبها، فهي برأيه فعل صادم يكشف مفاهيم الحياة التي يكون البشر بحاجة إليها، والكتابة أشبه بقفزة نحو الجنون تفوّقت على المغامرة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 10 أيلول 2017، مع الأديب "نضال كرم"، وعن نشأته تحدث: «عندما اندلعت حرب تشرين التحريرية كان عمري بضعة أشهر، نشأت في بيئة متوسطة الحال، اهتمَّت بالتحصيل العلمي؛ الأمر الذي تطلَّب من والديَّ جهوداً كبيرة لاهتمامهما بسبعة أولاد كنت آخر القادمين فيهم، كنت أنصت أكثر مما أتكلم، وكان الحزن رفيقي الأوفى، ولم أكن أدرك السبب، تعلّمت الكثير من تجارب إخوتي عبر سنوات الطفولة؛ لذا كان التعقل والجدية مع روح ساخرة مرحة في مواضع كانت تدهش الآخرين، استهوتني قصص الأطفال مذ كنت في الصف الثالث الابتدائي، حيث كنت أخصّص مصروفي الشخصي المتواضع لشراء القصص، انصبّ اهتمامي آنذاك على شراء الصور الصغيرة التي كانت تباع للأطفال لألصقها على الورق وأؤلف الحكاية تلو الأخرى، وفي الصف الثامن كتبت القصيدة الأولى، وفيها مفردات الحزن والفجيعة والموت والوحدة، فاستغربت مدرّسة اللغة العربية آنذاك، كتبت في مطلعها: "لو يُعلَم ما في قلبي، لما عتب عليَّ أحد، الآلام تمزقني، والأيام جُرَد، جاءني الموت مُستقبِلاً إياه بالهلا والمرحب"، بوح غريب بالفعل، تضمَّن حزناً لم أكن أعيه. وفي ذات العام الذي كتبت خلاله القصيدة الأولى، كانت زيارتي الأولى لمعرض الكتاب في مكتبة "الأسد"، اشتريت بضع روايات لـ "نجيب محفوظ، وكوليت خوري"، وقرأتُ "الأم" لـ"مكسيم غوركي"، وبعض كتب الشعر السوفييتي، وما زلت أذكر تأثير ديوان الشاعر "أيمن أبو شعر" "الحلم في الزنزانة رقم" فيَّ، وأحتفظ به لغاية اليوم، وعندما أعود إلى صفحاته أسترجع الدهشة الأولى التي رافقتني آنذاك. قرأت لاحقاً وبتمعن وحب كبيرين للشاعر "نزيه أبو عفش"، كما قرأت لـ"أنسي الحاج، والحلاج، وسعد الله ونوس، وممدوح عدوان" بذات الاهتمام، قرأت لكثيرين من الشعراء والكتّاب، وتنوعت قراءاتي ما بين الأدب العربي والأجنبي المترجم؛ قراءات غذّت الروح».

حكمتي صنيعة قلمي، كتبت الكثير منها، مثل: "كن ابن اللحظة، عاجلاً ستكون يتيم الزمان"، و"تعلَّم فن الإصغاء، بعد حين، ستحادثك جدران بيتك طويلاً"

قال عن الشعر: «كان رد فعل عفوي عن مشاهدات وأسئلة ومشاعر وأحاسيس، أثّرت بي، فصغت ما أمكنني التعبير عنه، رافقتني، آلمتني، حرضتني، نبشت ما بداخلي من عوالم لم أكن أعرفها لو لم أكتب الشعر، ولهذه اللحظة أكتشفها. تنوعت تعريفات الشعر وتعددت، فالشعر لا يعترف بالسكون، أهتم بالإنسان كقضية أولى، وربما أنطلق من الذاتي ليعبر عن الآخر، من البديهي أن يكون النقاء موجوداً، وكذلك الصدق والمعرفة والاكتشاف والدهشة، لا يمكن عزل أي قيمة مما ذكرت وغيرها عن الشعر، لدي حتى الآن خمس مجموعات شعرية مطبوعة، وهي مجموعات نثرية، وواحدة منها شعر مقفى، منها: "بعض الظن أنت"، "حلم في ارتباك الروح"، ولدي ثلاث مجموعات لم أطبعها بعد، وستصدر قريباً، منها: مجموعة بعنوان: "الروح يا العابرين"، و"لا أريدك بريئاً مني"، و"سأتلو قلبك نشيداً لوطني"».

إصدارات نضال كرم

ويضيف عن تجربته مع الرواية: «هي عالم رحب يستمد أهميته من كونه مُتخيَّلاً ومُستمداً من الواقع بآن واحد، التركيز الأول في بناء الرواية يقع على الموضوع ومجموعة الأفكار المراد طرحها، ومدى قربها من المتلقي في أكثر التفاصيل خصوصية بحياته ووجوده، ومن المهم أن تحرضه على التأمل والتفكير، لا أن يفرغ منها فيتركها بعيداً، ولا بد أن تحقق الرواية المتعة والفائدة والإدهاش والانجذاب من قبل المتلقي لكي تعدّ ناجحة. لدي روايتان صدرتا: "ستريتش"، و"اسبرا نزا"، وقد انتهيت مؤخراً من كتابة الرواية الثالثة، ومن المزمع إصدارها خلال عام 2018. أما في المسرح، فهناك كتاب قادم بعنوان: "رأس حربة"، يتضمن أكثر من نص مسرحي».

وعن رأيه بالمنتديات الأدبية الإلكترونية، أضاف: «أجد أنها سلاح ذو حدين، هناك الجيد والضعيف، ومع مرور الزمن إن تحققت خبرات حقيقية، وكانت الإرادة قوية في الاشتغال على الذات والموهبة والصدق الذاتي في التعامل معها، والاهتمام جيد من قبل الأكثر خبرة، فبالتأكيد ستكون النتائج جيدة، وإلا فهي فقاعات وستندثر، لكن في العموم -يا للأسف- كل ما يصل إلينا يتم استخدامه بطريقة سلبية، وعلى الضفة الأخرى، نجد أنه ليس كل مطبوع جديراً بالطباعة والقراءة، الراسخ في الجودة يثبت ديمومة وحياة، أنصح الكتاب الناشئين بالمواظبة على القراءة، والجدية في التعاطي وعدم الانجراف وراء الألقاب أو ادعائها من دون استحقاق، وعدم التسرع في النشر، والاهتمام بالروح وشؤونها، والإنسانية ومكنوناتها».

ويتابع عن انعكاس مشاركاته على حياته: «كنت وما زلتُ أنا، الأكثر قرباً من الإنسانية، أحسب أنني لم أتغير في أي موقع؛ لأنّ الهمّ الأكبر لدي هو الاهتمام بالإنسانية، ولا يأتي ذلك إلا بالصدق مع الذات ومع الآخر، وما يأتي بعد ذلك مجرد تفاصيل، بين الحقوق والأدب والصحافة تراني أرى لكل مجال جماله ومتعته وما يوفره من زاد للروح والنفس البشرية، كنت أتمنى التفرغ للكتابة، لكن الأمر صعب للغاية أمام متطلبات الحياة».

قال عن علاقته بالصحافة: «عملت لسنوات زادت على الست بالصحافة إلى أن رشحت لأفضل صحفي متقصٍّ عام 2008، وحالياً العلاقة ضعيفة من جهة الكتابة فيها، لا أخفي أن لدي رغبة في الكتابة عبر زاوية أسبوعية في إحدى الدوريات، لكن ربما الأدب استطاع الاستحواذ على اهتماماتي، وربما عملي الوظيفي أثّر بطريقة أو بأخرى بوجودي في عالم الصحافة، الفن بوجه عام يستهويني، وأنا متابع جيد، ربما مستقبلاً ألتفت إلى كتابة الدراما التلفزيونية، والاهتمام أكثر بمجال الأغنية، حيث إنني لم أولها الاهتمام المطلوب، مع أن لدي عشرات النصوص الغنائية، آمل تحقيق ذلك».

واختتم لقاءه بحكمته في الحياة: «حكمتي صنيعة قلمي، كتبت الكثير منها، مثل: "كن ابن اللحظة، عاجلاً ستكون يتيم الزمان"، و"تعلَّم فن الإصغاء، بعد حين، ستحادثك جدران بيتك طويلاً"».

عنه قالت الأديبة "غادة فطوم": «تنقل بين أكثر من جنس أدبي، أخذته الرواية والقصة، وبقي الشاعر الذي يحمل القصيدة بيد، والرواية والقصة بالأخرى، ويطرحها أمام المتلقي ليبقى حائراً؛ هل هو أمام شاعر، أم أمام روائي وقاص؟ أذهلنا بأسلوبه المعقد المبسط المركب الصافي المخيف، وثّق وأرّخ حالات المجتمع بجرأة، وكانت له بصمة ثقافية وفنية وإبداعية بكافة فنون الأدب، حين قرأت شعره رأيته شاعراً متمكناً، وفي تجربته القصصية، كان قاصاً بحرفية الكاتب الذي يتوهنا بهذا العالم».

وأضاف الأديب "كريم سمعون": «"نضال" يشابه ذاته في القصيدة، أعلن تمرّده على استبدادية اللغة وصرامة قواعدها لئلّا تتمكن من خيانته لحظة يريدها أن تلبي مشاعره، من تراب الكلمات صاغ سبائك المعاني، ومن حطب المفردات نفذ إلى أعماق الأرواح، محاولاً صبغ الكون بروحه هو، ووسم العالم بسِماته، إنه تجربة أدبية باتت برهاناً مؤكداً؛ إذ أثبت نفسه بتجربته المتخمّرة على الساحة الأدبية السورية وربما العربية، ونأمل أن يصل إلى العالمية أيضاً».

يذكر أن "نضال كرم" من مواليد "دمشق" عام 1973، ويحمل إجازة في الحقوق.