مزجت ألوانها التي تفوقت على حروف الأبجدية عبر عملية متداخلة بين المحسوس واللا محسوس، ووظفتها من دون حدود بلوحات تشبه نظرتها وتفاعلها مع الحياة.

مدونة وطن "eSyria" التقت التشكيلية "لينا رزق" بتاريخ 29 آب 2017، وعن تجربتها الفنية قالت: «نشأت في أسرة متحابة، أمنت لي كل الظروف المناسبة لرعاية موهبتي، وهي أسرة ليست بعيدة عن الفن؛ فوالدي كان عازفاً ورئيساً لفرقة موسيقية، وشقيقي الأصغر عازف بيانو، وأظنّ أن البيئة المحيطة بالفنان يمكن أن تسرع أو تعيق نمو الموهبة، لكن يبقى العامل الأهم هو العامل الشخصي الذي يصنع الفنان، لا أذكر نقطة بداية محددة للرسم لدي، لقد تفتحت عيناي على الدنيا وأنا أرسم، وتطورت موهبتي مع تطور سنوات الدراسة، حيث كانت حصة الرسم في الصف الحصة الأميز والأحب على قلبي، وكانت رسوماتي تلقى الثناء من زملائي والمدرسين، مع أنها -يا للأسف-حصة مهملة في بلدنا، وأغلب الأحيان يتم حذفها لمصلحة المواد العلمية، وأستفيد من الفرصة هنا لأقول إن على وزارة التربية التأكيد على ضرورة احترام حصص المواهب من رسم وموسيقا ورياضة؛ فهي لا تقل أهمية عنها، وهذه الفنون أحد المعايير التي يقاس بها تقدم الشعوب ورقيّها».

هو اللحظة التي يجتمع فيها جهد أيام وسنوات مضنية، وقد نلت شرف التكريم أكثر من مرة، وخاصة في "سورية" و"لبنان"، لكن طموحي انتشار أوسع من ذلك

وعن فضاء اللوحة وبما تفكر وهي أمام لوحة بيضاء قبل أن تحولها إلى بعد فني يطبعه الحس التشكيلي، تقول: «أظنّ أن كلمة التفكير تصلح للحديث عن المواضيع العلمية والمنطقية، أما عندما نتحدث عن الفن، فإننا تتحدث عن مشاعر وأحاسيس وانفعالات وتحرر من الواقعية المادية، وأحياناً الابتعاد عن التفكير والمنطق وإطلاق العنان للخيال الذي يصنع اللوحة المميزة، الفن هو تجرد من كل الضوابط والحدود والتحليق في فضاء لا متناهٍ؛ وهذا ما يميز الفنان عن الرسام؛ فالفنان يخلق فكرة بعيدة عن التقليد، وأغلب الأحيان تقبل أكثر من تفسير أو قراءة، أما الرسام، فمهمته أن ينسخ واقعاً معيناً بدقة من دون مجال للاجتهاد والإبداع».

من أعمالها لوحة خوف

حول اهتمامها باللون وتوظيفه بالعمل الفني، تضيف: «الألوان كالحروف الأبجدية، وهي ثمانية وعشرون حرفاً، لكننا نستطيع أن نكوّن منها عدداً لا متناهٍ من الكلمات والجمل والأفكار، أما الألوان فتتفوق على الحروف في إمكانية مزجها وتوظيفها من دون حدود، أنا من عشاق المدرسة الانطباعية والتعبيرية؛ لذلك أحاول التنقل بينها لأعبر عما يجول في خاطري، والفنان بطبعه يحب التجدد والتطور بوجه دائم والبحث عن الجديد من خلال دراساته، فلا يلتزم بمدرسة معينة طوال الوقت ويحب التنقل بين هذه الزهرات، والقدوة مهمة في مسيرة أي فنان وقدوتي الفنية التي أحترمها وأحبها كثيراً أستاذي الدكتور "أحمد معلا" الذي يعدّ رمزاً نفتخر به من رموز "سورية" الفنية».

وعن سؤالنا: متى يغمض الفنان عينيه للوحة ومتى تغمض عينيها له؟ أجابت: «التخيل صميم العمل الفني، فربما في اللحظة التي يغمض فيها الفنان عينيه أمام اللوحة يمكنه أن يراها، والعكس أيضاً، فقد تكون عيناه مفتوحتين أمام اللوحة، لكنه منفصل عن الواقع وشارد في الخيال، هي محاولة لإسقاط الخيال اللا محسوس على الورق المحسوس، لذلك الفن هو عملية متداخلة بين المحسوس واللا محسوس، لحظة لحظة كتلاطم أمواج البحر، ولا يوجد حدّ فاصل بينهما».

وجوه

وتضيف عن العلاقة بين عمر الفنان وقيمة اللوحة: «لا توجد علاقة مباشرة بينهما، وعلينا أن نتذكر دائماً أنه ليس كل الأسماء التي تلمع اليوم هي الأفضل؛ فهناك آلاف المواهب المدفونة التي لا ترى طريقها إلى النور والشهرة، وكم من الفنانين العظماء اليوم الذين تباع لوحاتهم بأرقام خيالية بعد وفاتهم؛ وقد عاشوا فقراء ومغمورين، ولم تقدر قيمتهم الفنية قبل وفاتهم، لكن من حيث المبدأ، فإن الفنان الحقيقي هو من تثقل مرور السنوات ريشته ويزداد خبرة كلما تقدم في العمر، ليس بالضرورة أن تشبهني لوحاتي، إنما حتماً تشبه نظرتي إلى الحياة وتفاعلي معها، فأنا مثلاً أرسم كثيراً عن اضطهاد المرأة لأنني أتفاعل مع هذه القضية، لوحاتي كالأولاد بالنسبة للأهل؛ فلا تستطيع أن تسأل الأهل من أحبّ أولادك إليك؛ لأن لكل فرد مكانة ما في قلبه، لكن تبقى أحب اللوحات إلى قلبي تلك التي لم أرسمها بعد؛ لأن شعور الفنان بالكمال تعني نهايته، وما أطمح إلى رسمه لوحة جدارية عملاقة أهديها إلى عاصمة التاريخ والياسمين "دمشق". رسالتي الفنية هي الإنسان بوجه عام والمرأة بوجه خاص، أردت أن أقول في لوحاتي: على الرغم من تعدد الأعراق والأجناس، إلا أن الجميع يندرجون تحت مسمى "إنسان"، وإن المرأة مخلوق رقيق وقوي في الوقت نفسه».

عن تعدد مشاركاتها وأهمية ذلك ومشاريعها المستقبلية، أضاقت: «كلما كبرت البيئة اتسع الأفق وزاد النضج والخبرة، ولا يمكن أن ينضج الفنان إلا من خلال اتساع أفقه، وتبادل الخبرات مع فنانين من مشارب ومدارس مختلفة، وتفتح الفرص للتواصل والتعارف بين الفنانين من مختلف الأقطار والبلدان، ومن المشاريع المنفذة إطلاق معارض "شموع السلام"، وكان لي شرف التنظيم وإيقاد شعلتها الأولى في دار "الأسد للثقافة والفنون" بـ"دمشق" في معرض "شموع السلام" الأول، وبعدها انتقلت الشعلة إلى "السويداء" في "شموع السلام"2، ثم معرض "شموع السلام"3 بمدينة "صيدا" اللبنانية، طموحي نشر هذه الشعلة في أوسع نطاق ممكن بمختلف البلدان، وهذا ليس غريباً على "سورية" التي تعني بالآرامية أرض الشمس؛ حيث أضاءت حضارتها العالم كله، وأول فلسفة ذات بعد إنساني نادت بالمحبة والسلام، وأقصد الفلسفة الرواقية السورية».

التشكيلية رندة تفاحة

وتختتم حديثها عن التكريم: «هو اللحظة التي يجتمع فيها جهد أيام وسنوات مضنية، وقد نلت شرف التكريم أكثر من مرة، وخاصة في "سورية" و"لبنان"، لكن طموحي انتشار أوسع من ذلك».

عنها قالت التشكيلية "رندة تفاحة": «"لينا" موهبة وحالة متفردة تجعل منها فنانة متميزة تبحث دائماً عن كل ما هو جديد، ألوانها صارخة ومنسجمة بين الباردة والحارة؛ وهو ما يشكل لديها لوحات متميزة، تعتمد في تكوينها الرسم المباشر باللون بضربات ثابتة، شجاعتها وإقدامها واضحان في لوحاتها، نجحت برسم خط خاص بها من خلال الانعكاسات الإنسانية لشخوصها ومن خلال ضرباتها المميزة».

وأضاف "منهل رفول" (مهتم بالفن التشكيلي): «تجربة متقدمة في عالم الفن، خاصة فن البورتريه، فهي تأتي من موهبة خصبة ورؤية متجددة من حيث اختيارها مدرسة تمزج فيها بين المدرسة التجريدية والمدرسة التعبيرية، تعمل على إعادة صياغة مواضيعها برؤية جديدة نجد فيها حس الفنان باللون والحركة والخيال، ولا تتقيد بالانطباعات المرئية، بل تترك للمشاهد حرية القراءة وفق منظوره الخاص بعيداً عن التنميط المسبق والهوية الجاهزة، فنانة تتميز بالمثابرة في خلق مواضيع جديدة مع المحافظة على هويتها وبصمتها الخاصة، مستخدمة اللون كمكمل أساسي في خدمة الموضوع ليبرز جمال لوحاتها موضوعاً ولوناً وشخصية مميزة».

يذكر أن التشكيلية "لينا رزق" من مواليد مدينة "دمشق"، عام 1975.