لم يتثنَّ لي حضور افتتاح معرض دمشق الدولي بنسخته التاسعة والخمسين، على الرغم من دعوتي من قبل إحدى الجهات الإعلامية التي أعمل فيها لنقل الحدث العظيم، حيث تزامن موعده مع موعد حدث عائلي عظيم هو الآخر... كنتُ توّاقة لأكون في ذلك المكان وأتابع نشاطات فعالية غابت عن مدينة الياسمين خمس سنوات؛ بسبب تلك الحرب التي أوقفت الكثير من التفاصيل، لكنها لم توقف الحياة، وكنت بانتظار أن ألتمس ما سعت إليه الصحافة الوطنية من ترويج إعلامي ضخم، وأقارن فيما إذا كان ذاك الترويج متناسباً مع الحجم الحقيقي للحدث، ومع أن آمالي خابت بالحضور فعلياً على أرض مدينة المعارض في ذلك اليوم الميمون، إلا أن "البركة" بوسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد أتاحت لي الحضور افتراضياً ومتابعة تفاصيل ما حدث.

وبالقدر الكبير من التحضيرات للمعرض التي بدأت قبل أشهر من انطلاقه، كان الحضور موازياً، بل فاقه بأشواط؛ فالشوارع والطرقات التي وُسِّعت، والأرصفة التي عُبِّدت ونُظّفت، والمعالم والأماكن التي رُمّمت، والكثير من التسهيلات، كانت بهدف جذب أكبر عدد من الجمهور؛ وهذا ما حصل، بل تضاعف العدد المستهدف للزوار، بصورة أدت إلى أزمة حقيقية؛ ليقف منظمو المعرض مكتوفي الأيدي أمام الازدحام الذي حصل على أبواب الدخول ونقاط التفتيش وشبابيك قطع التذاكر وحافلات النقل الداخلي، وعلى الرغم من تذمّر بعضهم مما حلّ بجمهور اليوم الأول للمعرض، والصور والفيديوهات التي تم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ركّزت على معاناة الذهاب والعودة من أرض مدينة المعارض، لا يمكن لأحد أن ينكر أن مشهد الشباب الذين ركبوا الشاحنات كوسيلة نقل للعودة من المعرض واستمروا في الغناء والتصفيق، ومشهد العائلات بأطفالها ومسنيها تمشي أميالاً بعد رحلة شاقة -إن صح التعبير- للوصول إلى أرض المعرض، ما هو إلا دليل نبض الحياة الذي لا يتوقف لدى شعب عاش أوجاع الحرب وأفراح السلام في آن معاً.

نبض الحياة هذا لا يحتاج إلى فعالية اقتصادية واجتماعية مهمة بحجم معرض دمشق الدولي حتى يظهر على وجه السوريين أينما وجدوا، وشارات النصر لا تحتاج إلى إعلان من خلال معرض أو مهرجان أو أي نشاط، وإنما دماؤنا التي تحمل حباً وفرحاً وعزيمة مهما كانت الظروف هي نبض الحياة الذي وصل وسيصل دوماً إلى العالم من حولنا. فدمتم ودام نبض الحياة فينا مع كل إشراقة شمس تعلن أننا الأقوى والأقدر على حبّ الحياة.