من يتابع صفحتها الشخصية على "الفيسبوك"، يعرف أنها تبيع الأمل وتلاحقه بدوام كاملٍ. ومن يعرفها شخصياً، يرى لمعة الدمع في عينيها كلما ذُكر أمامها محتاجٌ، أو مريضٌ، أو كسير.

بَنَت شبكة علاقاتها بالصدق، وحصلت على ثقة الناس بالتفاني في العمل، لا تمنعها مسافة، ولا يوقفها عائق عن الوصول إلى من أطلق نداء استغاثة لتلبية النداء، وتشهد لها مئات المناطق التي توجهت إليها شخصياً للتوزيع حيناً، والإشراف حيناً آخر، والأهم، يشهد لها محبة الناس وطلب مساعدتها لهم في شدائدهم؛ إنها د. "نسرين زريق".

لا أحصي كم قدمنا، بل أحصي عدد الحالات التي لم نستطع مساعدتها

مدونة وطن "eSyria"، التقت "زريق" بتاريخ 20 تموز 2017، وعن بدايتها مع العمل الخيري قالت: «لا أدعي الملائكية، ولم أتحرك إلا حين تضررت أنا من الحرب، فأحسست بألم الآخرين.

من المساعدات

بدأت الأمور عام 2012، عندما أمّنت الدولة ملاذاً للهاربين من المسلحين في منطقة "برزة"، وكان في أحد هذه الملاذات نقص كبير في الغذاء، فبدؤوا توجيه النداءات، وحينئذٍ لم يكن هناك كثير من الجمعيات الخيرية أو الإغاثية التي تعمل، كذلك كان المبادرون للتصدي للأعمال الخيرية قلة، خاصة في الأرياف، وذلك بسبب الخوف الذي أصاب الناس في تلك المرحلة القاسية والجديدة علينا.

تجرّأت بعد سماع النداءات وقراءتها على "الفيسبوك"، ذهبت إلى المنطقة، وتحدثت مع أحد الضباط وشرحت له القصة، فأجابني بأن الدولة ترسل المساعدات، لكن الأعداد كبيرة جداً».

قسم من المعونات

تتابع د. "زريق": «كتبت على "الفيسبوك" ما رأيته، فتبرع أحد الأشخاص بتأمين بعض المواد على حسابه، وكانت البداية بتوزيع ربطات خبز بكميات كبيرة، ومع ترددي إلى الأفران -للمرة الأولى في حياتي- لشرائه، بدأت ألحظ أموراً أخرى؛ حالات الفقر، وملابس الأطفال، والكثير غيرها.

اشتريت الخبز والمعلبات، وتوجهت إلى المنطقة، حصلت على إذنٍ من الجيش، ورافقنا أحد الضباط إلى المدرسة، وحين بدأنا توزيع الخبز، حاولت إحدى السيدات المسنات تقبيل يدي، فدخلت في حالة صدمة.

صارت تتكرر عملية التوزيع، وبدأت أتعلم أموراً جديدة، وتحول الموضوع إلى تدريب ذاتي».

وعما لمسته من الناس خلال عملها، قالت: «الخير موجود في كل الناس، وحتى من يقومون بأعمال خيرية للاستعراض هم أشخاص خيرون، لكن هناك من يريد مكافأته فوراً، وبعضهم يريدونها شهرةً أو معارف أو غيره، وآخرون يفضلونها مؤجلة، لكن بالنهاية، الجميع يدفعون ويساهمون، والخير في الناس كثير، بعض المتبرعين إن توقفت قليلاً عن نشر الحالات، يسألونني عن السبب، ويطالبونني بحالات لمساعدتها».

وعن سبب استمرارها في العمل الخيري بهذا الأسلوب الذي يراه كثيرون متعباً جداً، أوضحت د. "زريق": «الدولة مشغولة بالحرب، وتقوم بواجبها وتحارب عنا وتحمينا، ولا أحد يعطي الدولة تبرعات، ونحن أمام حرب كبرى لا تحتملها دول عظمى؛ لذا لا بد من مساعدتها عبر مساعدة الناس، إضافة إلى أن مدّ يد العون واجب على من يستطيع السير في هذا التوجه، والآن احتدمت الواجبات في ظل هذه الحرب، و"سورية" قدمت الكثير؛ لذا صار واجباً سورياً وإنسانياً».

وأضافت: «إيماني بالله أمر أساسي للاستمرار بالحياة، أنا لا أتاجر مع الله، بل هناك ارتباط روحاني، وسلامة النيّات تفترض ألا تصدّ من يدق بابك، إلا إن كنت لا تستطيع، مع توضيح الأسباب، ومع الوقت اكتشفت أنه حتى توضيح الأسباب لا يكفي، فإن لم تستطع أنت تقديم المساعدة، قد يكون أحد أصدقائك قادراً، إذاً من واجبك أيضاً أن تسأل وتحوّل الحالة إلى غيرك.

تقديم العون إلى الناس يمنح سلاماً داخلياً لا يوفره أي تصرف أو حالة أخرى. سؤال آخر النهار: هل قمت بشيء جيد اليوم؟ الإجابة تمنح راحة لا توصف، إضافة إلى أنه لا توجد خسارة حين يعدّني بعضهم صوتهم، وصلة الوصل، ناهيك عن الأرباح الروحانية، ورضا النفس، وكسب المزيد من الأصدقاء».

وعن نوع المعونات التي تعمل د. "زريق" على تأمينها، قالت: «لا يوجد نوع معين، نلبي أي نداء مهما كان نوعه، أنا أعرض الحالة على الأصدقاء، وأقوم بوصلهم بالمحتاجين ليؤمنوا الطلبات من (لباس، وغذاء، ومعالجة حالات في المستشفيات، ومعالجة حالات فقر، وإيجاد فرص عمل)، شرطنا الوحيد أن تكون الجهة قانونية وفي صف الدولة.

كما أقمنا حملات تبرع كبيرة للجيش في كل الجبهات، ولبينا كل النداءات التي وصلت منهم، وأقوم بتوثيق الحالات بالتصوير، لكن من دون إظهار الوجوه».

وعند سؤالها عن عدد الحالات التي لبّتها مذ بدأت حتى اليوم، قالت: «لا أحصي كم قدمنا، بل أحصي عدد الحالات التي لم نستطع مساعدتها».

الصحفية "برى رجب" قالت عنها: «الدكتورة "نسرين" صديقة تمتلك حيزاً من قلبي وقلوب الناس الذين تواصلوا معها ومدّت لهم يد المساعدة، نذرت الكثير من وقتها وطاقتها من أجل الأعمال الإنسانية ومساعدة السوريين في الحرب، لطالما كنت أسمّيها: (باباً مفتوحاً من أبواب الرجاء).

تمدّ يد العون قدر المستطاع لكل محتاج وفقير ومنكوب، أعمالها ببساطة تتحدث عنها، وعملها ليس موجهاً إلى الأفراد فقط، بل أيضاً نظمت العديد من الحملات لتأمين مستلزمات لرجال الجيش العربي السوري من ملابس وطعام تقديراً لجهود حماة الديار على الجبهات.

باختصار، يمكنني القول إنها تحاول -بإمكانيات بسيطة وبالتعاون مع أشخاص سوريين من داخل "سورية" وخارجها- أن تحدث فرقاً في العمل الإنساني لتحسن المجتمع؛ تجمّل الواقع السوري الأليم، وتخفّف عن الأفراد عبئاً ولو بسيطاً يقع على عاتقهم في زمن الحرب.

إنها خير مثال عن المرأة السورية التي تقف كسنديانة ثابتة في وطن عانى وقاسى من ظلم الحرب وبشاعتها».

يذكر أن "نسرين زريق" من مواليد "دمشق" عام 1983، حائزة على دكتوراة في الاقتصاد من جامعة "ميونخ".

ملاحظة: رفضت د. "زريق" نشر صورة شخصية لها، كي لا يرتبط ما تفعله بشخصها.