بإرادة كبيرة، ومتابعة مستمرة لمدارس الرقص في العالم، استطاع مصمّم الرقص والإعلامي "نورس برو" أن يكوّن لنفسه شخصية فنية تعبّر عن مكنونات النفس البشرية بحركات تعبيرية، مازجاً خبرته الفنية والإعلامية برؤية إخراجية خاصة.

مدونة وطن "eSyria" التقته بتاريخ 5 تموز 2017، وعن موهبته يقول: «بدأت ميولي الفنية منذ الصغر، ولم يكن اكتشافاً للموهبة بقدر ما كان تماهياً وتعايشاً مع كل ما أرى بعين وأذن فنية، فالسينما شدتني، كأفلام "كوبولا" واكتشافاته لعظماء في الفن، مثل: "روبرت دي نيرو"، و"آل باتشينو"، وغيرهما، كما شدّني فكر "هيتشكوك" السينمائي، ومن خلاله بحثت عن مدارس أخرى، واكتشفت جمال السينما الإيرانية، وعين السينما الألمانية، وروح اللاتينية، وجميعها كان الرقص فيها جامعاً وأساسياً، ومن هنا بدأت أقرأ لغة الجسد، التي هي أصدق من الكلام، وأبلغ من العين، حتى الصور الشعرية التي قرأتها لـ"لوركا"، و"محمود درويش" كانت تترجم في رأسي بلغة راقصة؛ وهو ما دفعني إلى القراءة والمتابعة لصقل موهبتي من خلال الدراسة في مدينة "كييف" الأوكرانية، حيث كانت كلية "كاربينكو" التي درست فيها تقيم ورشات عمل مستمرة في الفنون، ولا سيما الرقص الذي كانت تقوم به فرق "البولشوي"، و"المارينسكي"، الأوكرانية والروسية، وبعد عودتي إلى "سورية" انتسبت إلى فرقة "إنانا" للمسرح الراقص كمتدرب، التي أعدّها مدرسة في الرقص فتّحت عيني أكثر على ما أريد وأحب، ترافق ذلك مع دراستي في المعهد العالي للفنون المسرحية، قسم "السينوغرافيا"، وما تخللها من ورشات عمل ومشاركات فنية ومسرحية».

"نورس" شخص حساس، لطيف، واجتماعي، ومتعاون، وأعدّه مدرّباً مهماً جداً لجميع فنون الرقص بكل اتجاهاته سواء أكان كلاسيكياً، أم معاصراً، استطاع أن ينال حب الأطفال واحترام المتدربين الكبار؛ إذ يعدّونه أخاً كبيراً لهم، لديه رؤية إخراجية وعين بصرية، وأتوقع له مستقبلاً واعداً في هذا المجال أيضاً، والدليل على ذلك التطور الكبير الذي شهدته فرقة "سورية للمسرح الراقص" بفضل جهوده، و"نورس" الإعلامي يتمتع بصوت رخيم، يليق بالدوبلاج أولاً، ووقعه جميل عندما يلامس أذن المستمع ثانياً

وعن أعماله ودوافعه لتأسيس فرقة "سورية للمسرح الراقص"، يقول: «مؤخراً قدمت الفرقة عرض "نوستالجيا" على مسرح "دار الأوبرا"، وهذا العمل يشبه روحي، وما تحب أن تسمع من موسيقا، وكيف تتماهى معها رقصاً، إلى جانب ثمانية أعمال أخرى قدمتها الفرقة، كان أولها "إنسان" على مسرح "الحمرا"، الذي نقل هواجس الإنسان السوري في زمن الحرب؛ وهو ما قربه إلى الجمهور وجعله يحقق نجاحاً وصل صيته إلى أهم الصحف العربية والعالمية ومنها الفرنسية، وبعدها توالت الأعمال، ومنها: "درب المجد"، و"وجع"، الذي حصد الجائزة التقديرية في مهرجان الرقص الحديث في "الجزائر" عام 2013، من بين عشرات المشاركات المنافسة من دول مشهورة في مجال الرقص الحديث، ويعود الفضل في تأسيس الفرقة عام 2012 إلى الدكتور "جوان قره جولي" مدير عام "دار الأسد للثقافة والفنون"، الذي قدم كل الدعم والتسهيلات المناسبة لنا، والشكر للصحفي "إدريس مراد" الذي بدوره قدّم لنا الدعم الإعلامي، وكان الهدف من تأسيس الفرقة تقديم جيل جديد من الفنانين الراقصين والراقصات السوريين خاصةً في زمن الحرب، ليثبتوا من خلال عروضهم أن الحرب لا تقتل الفنون، وأننا أصحاب تاريخ وحضارة، إلى جانب الجاذبية التي تقدمها الفنون الصادقة للجمهور، ونستطيع أن نكون إلى جانب الحق في مواجهة الحرب، ورسالتنا من خلالها هي نشر الفن المعبر بصدق عن الواقع المرتبط بكل إنسان سوري، من خلال احترام مجال "الرقص التعبيري"، وتنمية الروح بالدرجة الأولى لدى الراقصين، وتثقيفها فنياً، بالتكامل مع إحساس الراقص».

أثناء تدريبات الرقص

وفيما يتعلق بتدريبه الباليه التأسيسي للصغار، يقول: «الطفولة عالمي الجميل الذي يأخذني من سواد العالم المحيط المملوء بالكذب والحرب، فيعطيني الأطفال مساحة كبيرة للتعبير عن ذاتي، وممارسة طفولتي التي لم أعشها بسبب الظروف المعيشية، حيث وجدت نفسي مستقلاً بذاتي في الخامسة عشرة من العمر، أعمل وأدرس في آن معاً، وأشعر تجاههم بمشاعر الأبوة، أكثر من إحساسي كمدرّب، لأكون والدكتور "جوان قره جولي" شركاء في بناء الإنسان السوري المعاصر، من خلال خلق بيئة آمنة ونظيفة فكرياً لهم ولو لساعات قليلة، بعيداً عن واقع القتل والدم، لتنمية جيل فني مملوء فكرياً وفنياً وجسدياً، لأن الرقص والباليه تحديداً من أرقى أنواع الفنون التي تساهم في تربية الأطفال مجتمعياً وفكرياً، وأظنّ أن الجمهور السوري ينتظر دوماً نتاجنا الفني، مع أن الرقص ما زال مستحدثاً في الشرق نسبة إلى باقي الفنون، وبعض المتطفلين أساؤوا إليه بعدم خبرتهم الكافية، فالرقص الكلاسيكي ليس مجرد فن ترفيهي، بل يحتاج إلى جهد كبير وتدريبات يومية تعتمد دروس "التكنيك المسرحي"، و"الباليه التأسيسي"، وفي كل منهما تمارين ترافقها أوجاع كبيرة وتقلصات عضلية من شد ورخي، وهو عمل جدي يحتاج إلى تفرغ وإرادة في الاستمرار وتطوير الذات».

وعن تصميم الرقصات وعمله الإعلامي، يضيف: «هذا يعتمد على الروح المتناغمة مع الموسيقا والموضوع المطروح، التي تكون مدربة منذ سنوات بفعل المتابعات والتجارب والتمرينات، لأن أي رقص لا ينبع من روح المصمم يكون مجرد أداء روتيني لن يصدقه الجمهور، وأقوم باستمرار بمتابعة ما وصلت إليه أحدث مدارس الرقص في العالم، والاستفادة من كل جديد على مستوى الجو العام أو تكنيك الرقص، وأقوم بداية بتفريغ النص، ثم مرحلة التجريب لإيجاد الحركة المعبرة، لتكون ترجمة للنص مضافاً إليه الإحساس والصدق، فالجسد لا يكذب، وأحاول التركيز على واقعنا اليومي في الموضوعات المطروحة.

تدريب الباليه التأسيسي للصغار

أما عملي الإعلامي، فيتفرع إلى شقين، مرئي يرتبط بالتقديم التلفزيوني، ويعود إلى خمسة عشرة عاماً مضت بالتزامن مع العمل الفني، فقد عملت في تلفزيونات وإذاعات عديدة، وبعدة مناصب، وحالياً أعمل كمعد ومقدم للنشرة الإخبارية الرئيسة في قناة "زنوبيا" الفضائية. وآخر مكتوب جاء نتيجة تجربة تراكمية بدأت منذ سنوات عديدة مع الكتابة في صحيفتي "الشرق"، و"الكفاح العربي"، ثم عملت مدة وجيزة في تلفزيون "المستقبل"، قبل أن أشارك في تأسيس أول إذاعة سورية خاصة "سورية الغد"، التي عملت فيها معدّاً ومقدماً ومدير برامج، ومدير عام لها مع مرور الأيام، وفي 2011 انتقلت للعمل في تلفزيون "الدنيا" كمدير برامج، ولاحقاً في قناة "سما"، وأظنّ أن الإعلام عموماً يحسب على الفن، لأنه بحاجة إلى طاقة إبداعية على صعيد البرامج، وتقديم نشرات الأخبار، وأؤمن بأن الفن والإعلام يكمل أحدهما الآخر؛ فلا وجود للفن من دون إعلام يواكبه، ولا وجود للإعلام من دون طاقة إبداعية، وكلاهما المؤثر الأكبر في النفوس اجتماعياً وسياسياً وفكرياً، والقلم هو سلاحي الأول في الإعلام والفن، وهو مؤسس لكل عمل إبداعي».

الدكتور "جوان قره جولي" مدير عام "دار الأسد للثقافة والفنون"، يقول عنه: «"نورس" شخص حساس، لطيف، واجتماعي، ومتعاون، وأعدّه مدرّباً مهماً جداً لجميع فنون الرقص بكل اتجاهاته سواء أكان كلاسيكياً، أم معاصراً، استطاع أن ينال حب الأطفال واحترام المتدربين الكبار؛ إذ يعدّونه أخاً كبيراً لهم، لديه رؤية إخراجية وعين بصرية، وأتوقع له مستقبلاً واعداً في هذا المجال أيضاً، والدليل على ذلك التطور الكبير الذي شهدته فرقة "سورية للمسرح الراقص" بفضل جهوده، و"نورس" الإعلامي يتمتع بصوت رخيم، يليق بالدوبلاج أولاً، ووقعه جميل عندما يلامس أذن المستمع ثانياً».

الدكتور "جوان قره جولي" مدير عام دار الأسد للثقافة والفنون

الجدير بالذكر، أن مصمّم الرقص، المخرج والإعلامي "نورس برو" من مواليد "دمشق" عام 1986، شغل عدة مناصب في تلفزيونات وإذاعات سورية ولبنانية، التحق بعدة دورات تدريبية في المجال الإعلامي.