أن ترى طفلاً يحمل بين كفيه الصغيرين مناديل ورقية، يبيعها على إشارة المرور، أو طفلاً آخر اتسخ وجهه البريء بمواد تصليح السيارات، بالتأكيد سيحزنك المنظر، وستربط عمل هؤلاء الأطفال بالفقر والمعاناة. وفي حال رأيت طفلاً يحمل المشتريات لزبائن المحل التجاري الذي يعمل فيه، أو آخر يحمل لـ"معلمه" أدوات تصفيف الشعر في أحد صالونات الحلاقة؛ يمكن أن تتغير النظرة قليلاً، وتجد أن هذا العمل جزء من حالة مجتمعية معينة تسعى إلى بناء شخصية طفل يعتمد على نفسه منذ الصغر.

كل تلك الحالات تندرج ضمن عمالة الأطفال التي تزداد انتشاراً خلال الأزمات، والتي تسعى الحكومات إلى مكافحتها ولو لم تكن كما هو مطلوب، لكن الأخطر استبعاد معالجة هذا الموضوع من الأولويات، على اعتبار أننا في مرحلة حرب، وهناك ما هو أهم بكثير.

حقيقة، إن خطورة ازدياد عمالة الأطفال لا تقل خطورة عن مفرزات الحرب الأخرى بأخطر أنواعها، فالطفل الذي يعمل في الشارع أو في المحال، ويقضي أغلب وقته خارج منزله، قد يتعرض لأمور كثيرة ربما تجعل منه شخصاً منحرفاً، أو حاقداً على المجتمع، وفي الحالة الأخيرة، يمكن استثمار حقده في كل شيء من قبل الذين يبحثون عن هذه النماذج لاصطيادها وتلقينها أفكاراً تتفاعل داخله وتتراكم، وتؤدي به إلى الهلاك في أحيان كثيرة.

وفي الوقت الحالي، تكمن الخطورة في ازدياد عدد الأيتام الذي فرضته الحرب؛ وهو ما أدى إلى ازدياد نسبة هذه العمالة التي لها ما يبررها في كثير من الأحيان، مثل إعالة الأسرة التي غاب ربها، أو تحصيل المصروف الشخصي للتخفيف من أعباء الأسرة المثقلة أساساً بكثير من الأعباء.

هنا تتحول المسؤولية من مسؤولية حكومية فقط تتحملها الدولة عبر مؤسساتها المتخصصة في هذا الموضوع، إلى مسؤولية مجتمعية ملحة على الجميع المشاركة بها والقيام بواجباتهم تجاهها، فالتعليم الجيد والأبوي، قد يجذب طفلاً من الشارع إلى المدرسة، وتقديم المساعدة لأسرة قد يمنع أحد أطفالها من الانخراط المبكر في العمل، وتقديم النصح والتوعية والترهيب من المخاطر المحتملة، قد يمنع أمّاً أو أباً من زج ابنه في العمل.

ببساطة، أن نقوم بدورنا وعملنا أياً كان، سيؤدي إلى تخفيف نسبة عمالة الأطفال الذين عانوا الأمرّين في هذه الحرب، وفقدوا الكثير من طفولتهم وبراءتهم. وعلينا ألا ننسى ولو للحظة، أن هؤلاء الأطفال هم مستقبل هذه البلاد، وسيحددون مستقبلاً إلى أين ستسير وإلى أي خيار.

وفي اليوم العالمي لعمالة الأطفال، لا نستطيع إلا أن نتمنى لأطفال "سورية" وأطفال العالم حياة كريمة آمنة، لا مكان فيها للاستغلال أو قتل الطفولة.