لم يقبل مدرّس المعلوماتية "عبد القادر السعيد" أيّ نظرة شفقة أو أسى لما أصابه من إعاقة في اليدين منذ الولادة، فتكيّف مع حالته الخاصة، وصنع لنفسه طريقاً مفروشاً بالتميز، ومارس حياته العادية بين العمل والرياضة والأسرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 نيسان 2017، المدرّس "عبد القادر السعيد"، الذي تحدث عن تميزه، وكيفية التغلّب على إعاقته، فقال: «إن التميز موهبة ربانية بلا شك، وليست كل حالة جسدية مختلفة يمكن وصفها بالإعاقة، فالإعاقة الحقيقية هي في العقل المتخلف المنغلق وغير القابل للتطور، أو تقبل أي سلوك جديد وحضاري، وإنما يُسخر الجسد لتحقيق الأهداف بالصبر وقوة الشكيمة والرغبة العميقة بتجاوز كل الصعاب. وحين يبدأ الإنسان باتخاذ أول خطوة لصناعة مستقبله، فإن الصعاب والعقبات تصبح من الماضي».

إن التميز موهبة ربانية بلا شك، وليست كل حالة جسدية مختلفة يمكن وصفها بالإعاقة، فالإعاقة الحقيقية هي في العقل المتخلف المنغلق وغير القابل للتطور، أو تقبل أي سلوك جديد وحضاري، وإنما يُسخر الجسد لتحقيق الأهداف بالصبر وقوة الشكيمة والرغبة العميقة بتجاوز كل الصعاب. وحين يبدأ الإنسان باتخاذ أول خطوة لصناعة مستقبله، فإن الصعاب والعقبات تصبح من الماضي

وتابع: «لم تكوّن مشكلتي الصحية التي أصابتني منذ الصغر، تسمى "ارتقاق الأصابع"، أي قلق أو خوف منذ بدأت أعي لماذا أنا مختلف عن أقراني؛ لأن تشجيع الأهل والأصدقاء ساعدني على تجاوز المشكلات. فالمجتمع المتقبل لأي اختلاف أو حدث يسمح بتكوين شخصية متوازنة وقوية، ويضع الإرادة على سكة الإنجازات، وكانت رغبتي بترك بصمتي في المجتمع حافزاً قوياً لتحقيق ذاتي وتجاوز صعوباتي في التواصل والتأقلم والمعيشة، وإثبات قدرتي على تغيير الصورة النمطية للإعاقة، وقد ساهمت أسرتي وزوجتي في خلق بيئة تسمح بتطوير المهارات، وتشجع على تجاوز كافة العقبات».

المدرّس

أما فيما يتعلق بعمله، فأضاف: «أعمل حالياً مدرّساً لمادة الحواسيب في مركز "الباسل للقيادات التربوية" التابع لمديرية تربية "دمشق"، وأمارس عملاً حرّاً في صيانة الحواسيب والهواتف المحمولة، وقد كان إصراري على متابعة تحصيلي الدراسي الخطوة الأهم في وضعي على الطريق المناسب، حيث درست في معهد علوم الكمبيوتر، ورفدت المعلومات التي اكتسبتها من المعهد بدورات أخرى، كدبلوم الصيانة ودبلوم تصميم الإعلان؛ وهو ما عزّز مداركي التدريسية والتثقيفية، وزاد من قدرتي على إيصال أي معلومة للطلاب، وسمح بزيادة ثقتي بنفسي، وعزّز شعوري بالأمان والراحة».

أما عن مواهبه الرياضية والهوايات التي يمارسها في أوقات فراغه، فقال: «أحبّ التصوير، فللصورة لغة خاصة ودقة فائقة تسمح بغزو كافة التفاصيل، وأختار لهذه الغاية كاميرات الديجيتال العالية الدقة لالتقاط صور مميزة ومختلفة عن المعيشة والأحداث والمهارات الفردية، فلطالما شعرت بأن الحدقة تمثل المرآة الحقيقية للإنسان، وأعشق تصوير الوجوه والعيون بوجه خاص، فالعين تعكس صورة الوجود، ولوحة مباشرة لأي مشهد بواقعية.

التقني على الرغم من الإعاقة

كما أنني عضو في منتخب "الأمل" لكرة الريشة، وأمارس عدة ألعاب، منها لعبة الكرة الطائرة، وكرة الطاولة، والسباحة، وتنسيق الزهور، وأحبّ قيادة الدراجات النارية، وخصوصاً في المساء».

أما عن أوضاعه المعيشية، فقال: «أعتمد المثل الشائع: (إسعى يا عبدي يا عبدي لأسعى معك)، ولا أؤمن بالمصادفات أو الحظ أو القدر الحتمي بأي حدث، وإنما بضرورة سعي الإنسان الدؤوب لجعل حياته أفضل؛ لذا عندما صدر قرار بخروجي من عملي كحارس ليلي في إحدى مدارس "دمشق" القريبة من مركز "القيادات التربوية"، الذي أمارس عملي فيه إلى الآن، لم يزدني ذلك إلا إصراراً، فاستأجرت بيتاً في قرية "الطيبة" في منطقة "الكسوة"، وحافظت على طاقتي العالية، وتمكنت من التنسيق بين عملي وسكني في منطقة بعيدة. وتمثّل أسرتي عمود الدعم الأساسي لتحفيز إرادتي، فالرغبة بتحقيق وضع معيشي مناسب وتوفير كافة المستلزمات لعائلتي تجعلان من الصعوبات الاجتماعية والمعيشية فقاعة هوائية لا ضرورة لإعطائها حيزاً كبيراً من التفكير».

المربي "محي الدين المصري" رئيس شعبة المعلوماتية في مديرية تربية "دمشق"، قال عن معرفته بالمدرّس "عبد القادر السعيد": «في بداية معرفتي به وردني سؤال داخلي عن قدرته على العمل في قسم المعلوماتية، وحول إمكاناته المعرفية والعلمية، لكنه أثبت أنه مثال للموظف الناجح، والعامل المثابر القادر على تنفيذ واجباته بكل أمانة وصدق، وكان عمله لدينا في القسم يمتاز بالدقة المهنية والبصمات الاحترافية من التدريس في دورات الحاسوب إلى تصليح وصيانة أجهزة الحاسوب، ولا يتوانى عن إيصال المعلومات إلي المستهدف بشتى السبل. ومن المعروف عنه رغبته الشديدة بالاندماج في المجتمع؛ فهو لا يحتاج إلى كلمات تشجيعية، ولا تعنيه نظرات الحسرة أو الاستغراب، أو مشاعر الأسى».

الجدير بالذكر، أنّ "عبد القادر السعيد" متزوج منذ عام 2007، ولديه أربعة أولاد: صبي، وثلاث بنات، وهو من مواليد "أرنبة" التابعة لمحافظة "إدلب" عام 1980.