حتى لو دخلتَ إلى ورشة صانع الأعواد "وسام الياسين" زائراً، لن تستطيع إلا أن تنصت، وتراقب، وتتأمل ما يفعله بإحدى القطع الخشبية؛ فحديثه الدائم خلال العمل عن "العود" والموسيقا، يعكس شغفاً كبيراً، ويجبرك على السؤال حتى لو لم تكن موسيقياً.

"وسام الياسين" أحد صانعي آلة "العود" المعروفين على مستوى "سورية"، قال عن بداياته لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 16 نيسان 2017: «صناعة الآلات الموسيقية، كباقي الحرف اليدوية، أغلب الأحيان تورّث، وتنتقل من الأستاذ إلى التلميذ، أما أنا، فقد اتبعت دورة تدريبية كانت الأولى من نوعها على مستوى "سورية"، بإشراف الأستاذ الكبير "ثابت البصري"، تعلمت خلالها هذه الصنعة وهذا الفن. وفي عام 2011، افتتحت مشغلي الخاص، وانتقلت من تدريس الخط العربي، إلى صناعة الآلات الموسيقية، وبالذات آلة "العود"».

ليس هناك سرّ للصنعة، بل هي روح الصانع التي تتجلى في كل قطعة يصنعها

وعن الفرق بين الصانع الحرفي فقط، والصانع الفنان، أكد: «أستغرب كيف يكون هناك صانع لا يجيد العزف على الآلة التي يقوم بصناعتها؟ أما الفرق بين الصانعين، فالحرفي يأخذ الصنعة جامدة كما هي، وليس لديه أجوبة عن بعض الأسئلة في صناعته؛ لأنه تعلمها هكذا. أما الفنان والمتمرس، فيحلل الأمور رياضياً، والأمر في النهاية هو علم وفيزياء، وفيه حب أيضاً وتفاعل روحاني؛ فالخشب من الطبيعة؛ أي له روح، وشخصياً، لا أستطيع التعامل مع قطعة الخشب إن لم أحبها».

العازف إحسان شعبان

وعن "العود" السوري ومستواه، قال: «الأغلبية يتحدثون عن الأعواد العراقية والتركية، ويظنون أنهما أفضل من "العود" السوري، وهذا كلام خاطئ.

لا ننكر أن هناك بعض التعديلات والابتكارات التي سجلها العراقيون في تطوير آلة "العود"، مثل الفرس المتحرك الذي ابتكره الأستاذ "محمد الفاضل" لعود الراحل الكبير "منير بشير"، لكن هذا لا يعني تفوق "العود" العراقي على السوري.

وسام خلال العمل

الفرق أن هناك مدرسة عراقية للعزف على "العود"، وعازفين عراقيين متميزين، مثل: "منير بشير"، و"نصير شمه"، وغيرهما، كما توجد مدرسة تركية وعازفون أتراك مشاهير، إضافة إلى ترويج إعلامي كبير لهم. أما نحن، فليس لدينا مدرسة سوريّة للعزف، حتى في "المعهد العالي للموسيقا" يدرس طلبتنا مدرستي العزف الأذربيجيانية والتركية؛ لذا لا يوجد ترويج لـ"العود السوري"؛ وهذا ما أدى إلى هذه النظرة الخاطئة».

وعن الصانعين السوريين، وما أدت إليه الحرب في هذا المجال، قال: «خسرنا الكثيرين من الصانعين المهرة الذين غادروا "سورية"، لكن ما يزال هناك مشهورون يعملون في "دمشق"، و"حلب".

عود من صناعة وسام

لكن هجرة الصانعين السوريين لم تكن لها نتائج سلبية تماماً، بل على العكس، فقد عرّفت الناس والوسط الفني في الدول التي هاجروا إليها بـ"العود" السوري وميزاته وإبداعات صانعيه.

وعلى الرغم من أن الصانعين التجاريين أساؤوا لصورة "العود" السوري قليلاً، إلا أن هناك صانعي "عود" سوريين يصنفون من أمهر الصانعين في العالم، مثل آل "النحات" الذين نقلهم الأتراك أيام الاحتلال العثماني من "دمشق" إلى "تركيا". فمثلاً "العود" المصنع من قبل هذه العائلة منذ مئة عام، قد يحتاج إلى صيانة لا تتجاوز 30%، بينما تحتاج بعض الأعواد المصنعة من عشر سنوات إلى صيانة بمقدار 75%».

وختم "وسام" حديثه بالإجابة عن سؤالنا حول سرّ الصنعة، قائلاً: «ليس هناك سرّ للصنعة، بل هي روح الصانع التي تتجلى في كل قطعة يصنعها».

ومن "وسام" إلى تلميذه "عمر الصايغ"، العامل معه في ورشة التصنيع، الذي قال: «بدأت التعلم على يد "وسام" في مشغله هذا منذ ثلاثة أعوام. وأستطيع القول إنه يتميز بأمرين مهمين: الأول أنه لا يبخل بالمعلومات، ولا يحتفظ لنفسه بشيء يخفيه عن التلميذ ليتميز به هو وحده. إنه أكرم من رأيته في التعليم وتلقين التلميذ الخطوات بكل دقة وإخلاص. والثاني الذي لا ينفصل عن الأول؛ امتلاكه موهبة التعليم؛ أي إنه قادرٌ على إيصال المعلومة المطلوبة بكل سلاسة، ومن يمتلك هاتين الميزتين، لا بد سينتج تلاميذ موهوبين يكملون طريقه».

وأضاف: «"العود" الذي ينتجه مميز ومعروف بين العازفين؛ لأن لكل صانع دراسة خاصة، ومدرسة خاصة، وكل مدرسة هي تراكم خبرات الصانعين والتلاميذ، وكل منهم يطور عن أستاذه.

تقنياً، أستطيع الآن صناعة "عود" كامل وحدي، لكن روحانياً ما زلت بحاجة إليه».

عازف "العود" المهندس "إحسان شعبان" أحد مقتني أعواد "وسام"، قال: «اقتنيت أعواداً كثيرة من مختلف الصانعين والبلدان، إلا أن "عود" "وسام" متفرد شكلاً وصوتاً، ويتضح بسهولة لكل من يجيد العزف وتقييم الآلة الموسيقية. إن مقاسات أعواده مشغولة على أسس علمية مدروسة جداً.

كما يتميز "وسام" بتقديم النصيحة للشاري، وإعطائه الكثير من الخيارات التي يمكن أن تخفف عنه بعض العبء المادي؛ أي إن هدفه ليس الربح فقط مثل كثيرين، كما أن أسعاره منافسة جداً ولا طمع فيها».

بقي أن نذكر، أنّ "وسام الياسين" من مواليد محافظة "السويداء"، عام 1982.