انتشر اسمها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي بين أهالي "دمشق" كمديرة لمدرسة "التجهيز الأولى للبنات"، وحوّلت الدوام المسائي إلى "الجامعة الشعبية"؛ فضمت العديد من الفتيات والنساء الباحثات عن العلم؛ بفضل تفانيها وقدرتها على استقطاب الناس نحو العلم.

تقول المربية الفاضلة "سامية قدورة" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 نيسان 2017، عن حياتها ودراستها: «ولدت في مدينة "عاليه" اللبنانية، توفي والدي وأنا في الربيع الثاني من العمر، فانتقلت إلى "دمشق" لأعيش في كنف أسرة والدتي، إلا أن علاقتي مع ذوي والدي لم تنقطع.

كان هناك اتفاقية بين وزارتي التعليم السورية والمصرية لتبادل الخبرات التعليمية بين البلدين، وعليه كان لثانوية الفنون النسوية النصيب الأكبر منها. ذاع صيت المدرسة المسائية، فتسابقت نسوة الأحياء المجاورة بعد أن سمعن عن النشاط الذي تأمنه لمنتسباتها؛ لتحمل اسم "الجامعة الشعبية" التي جذبت معظم سيدات "دمشق" القديمة داخل السور

أحببت اللغات الأجنية منذ الصغر، فانتسبت إلى المدرسة "الأميركية" في محلة "الشهداء" بـ"دمشق"، وأتقنت اللغة الإنجليزية، لأنتقل إلى مدرسة "الفرنسيكان"؛ فتعلّمت القليل من اللغة الفرنسية، وفيما بعد انتسبت إلى مدرسة "دوحة الأدب"، وكانت من أشهر مدارس "دمشق" في تلك المدة، تحت إشراف المربية "عادلة بيهم" من مؤسسات الاتحاد النسائي.

في حفلة تكريمية لقدورة مع زملائها المدرسين

وبفضل توصية من ابنة عمي "وجيهة قدورة" استطعت دخول مدرسة "دوحة الأدب"، لم يكن التعلم فيها سهلاً؛ فمعظم أساتذتها كانوا من المخضرمين في فن التعليم، وهكذا مرت السنوات تباعاً لأنهي مع صديقة عمري "بوران أبو سمرة" زوجة الدكتور "فيصل الصباغ" (مؤسس قسم الجراحة العصبية في مستشفى المواساة) المرحلة الثانوية، لننتقل إلى كلية "الآداب" في جامعة "دمشق"، قسم التاريخ، عام 1949م، وكان مدرّسونا في القسم جهابذة مدرّسي التاريخ، أمثال: الدكتور "جورج حداد"، والدكتور "نور الدين حاطوم"، و"كامل عياد"، و"شاكر مصطفى"، وغيرهم. ولم يكن الصف الدراسي أيامها يضم أكثر من ثماني طالبات واثني عشر طالباً من كل محافظات القطر.

وأذكر من الطلاب في تلك المرحلة "عدنان البني" الباحث في التاريخ والخبير في الآثار، و"أديبة السفرجلاني"، وضاعف من أهمية الجامعة السورية كمرفق تعليمي وتربوي مرموق في الوطن العربي أنّ عميد هذه المؤسسة هو الدكتور "قسطنطين زريق"».

مع زميلاتها في بداية المشوار

وتتابع عن فترة التعليم الأولى: «التحقت بمعهد التربية لنيل دبلوم التربية، وانتدبت إلى "حمص"، حيث قضيت سنتين كمدرّسة، نُقلت إلى "دمشق" عام 1955م، حيث تم اختياري معاونة للمربية "بديعة الأورفلي" مديرة مدرسة "تجهيز البنات الأولى"، التي كانت من أهم مدارس "دمشق"، وكان لها نظام إداري صارم، وفيها مدرّسون أكفاء. لم تكن مهمة إدارتها سهلة بالنسبة لصغر سني بين عمالقة في فن التربية والتعليم.

بعد مدة، تم نقلي لأتولى إدارة ثانوية الفنون النسوية "مكتب عنبر" سابقاً، كانت المدرسة واسعة مع كادر تعليمي كبير، لم تكن المهمة بسيطة، خاصةً بعد أن كان الدوام المدرسي صباحياً للطلاب النظاميين، ومسائياً للمنتسبات إلى صفوف محو الأمية».

تقول المربية "هيفاء الدقر الدردري": «كان هناك اتفاقية بين وزارتي التعليم السورية والمصرية لتبادل الخبرات التعليمية بين البلدين، وعليه كان لثانوية الفنون النسوية النصيب الأكبر منها.

ذاع صيت المدرسة المسائية، فتسابقت نسوة الأحياء المجاورة بعد أن سمعن عن النشاط الذي تأمنه لمنتسباتها؛ لتحمل اسم "الجامعة الشعبية" التي جذبت معظم سيدات "دمشق" القديمة داخل السور».

وتضيف "سامية قدورة" عن تلك المدة: «كان العدد كبيراً، وبازدياد دائم مع وجود كوادر تعليمية ذات مجهود جبار استطاعت استقطاب أعداد كبيرة للانضمام إلى قسم محو الأمية والأعمال النسوية، كالخياطة والرسم والتطريز.

وكانت المحطة الرئيسة في مسيرتي؛ اختياري كمديرة لثانوية الفنون النسوية في "مكتب عنبر" عام 1958م، حيث بقيت عشر سنوات كنت فيها شعلة متوقّدة من الحماس الوطني والتربوي، عملت بجدٍّ وتفانٍ، مدرّسة ومشرفة في آنٍ واحدٍ على ثلاثة أقسام في المعهد: الفنون النسوية، والتجارة، والتعليم العام. فكان عملي اليومي في إدارة المعهد يمتد من الساعة السابعة صباحاً حتى المساء، وتوِّج هذا العمل بمعرض فني سنوي لعرض منتجات الطالبات من مشغولات الخياطة والتطريز، التي عُهد بالإشراف عليها إلى الخبيرة المرموقة "جوزفين تاجر"، كما جرى استقدام الخبير والأكاديمي المصري "عبد الوهاب غنيم" الذي ساهم كثيراً في تطوير العمل في المعهد، وإعداد وتنفيذ برامج علمية وعملية متنوعة.

وكان الحدث الأبرز في تلك المدة "عهد الوحدة"، إنشاء "الجامعة الشعبية" التي فتحت أبوابها لجمهور ربّات الأسر للالتحاق بدورات تعليم الخياطة والتطريز واللغة الإنجليزية، إضافةً إلى التدرُّب على برامج الطبخ وصناعة الحلويات».

وشهدت تلك المدة كذلك إقامة حفلات تربوية برعاية وزير المعارف وكبار المسؤولين وضيوف البلاد من الشخصيات العربية، الذين ثمّنوا الجهود الرائعة للمربيّة "قدورة"، والهيئة التدريسية في المعهد، وعدّوه مرفقاً تربوياً واجتماعياً مرموقاً في ميدان العمل الوطني والاجتماعي.

تقول المربية "بوران أبو سمرة": «في عام 1967م، كانت "سورية" تخوض غمار حرب شرسة، وعلى أبنائها خوض مهمّات إنسانية عديدة، فانبرت المربية "قدورة" من خلال عضويتها في "منظمة الهلال الأحمر السوري"، للمشاركة مع زميلتها في المنظمة "قمر قزعون شورى"، في جهود الإسعاف وتجهيز الأدوات والأغطية وأربطة الجرحى، وراحت تنتقل بنشاط لافت بين مراكز المهجّرين لتقديم العون والتخفيف من معاناتهم، بنفس راضية وعطاءٍ سخيّ.

في عام 1988م، وصلت المربيّة القديرة إلى محطة التقاعد من المهام الرسمية في عملها التربوي، لكنها بقيت ناشطة ومتابعة لكل المهمات الاجتماعية التي تتطوع للقيام بها بمحبّة وترحيب؛ وذلك ما أكسبها احتراماً مضاعفاً، وثناءً وتقديراً عاليين».

اليوم، وبعد مضي أكثر من نصف قرن على انطلاقة مسيرة العطاء السخيّة للمربية الفاضلة في ميدان التربية والتعليم والعمل التطوعي النبيل، ترجع "قدورة" بذاكرتها إلى السنوات المنصرمة مستعرضة الأحداث والتفاصيل والنشاط الرائع الذي اتّسمت به رحلتها الطويلة، فترتسم على جبينها هالة الشكر والامتنان لما منحه لها الوطن من فرص لأداء الواجب، وتشرق في عينيها ابتسامة الرضا عما أتيح لها أن تقدّمه وتنجزه في حياتها الحافلة بالعطاء.