كما المرأة عنوان من عناوين الحياة، كذلك كانت لوحات الفنانة التشكيلية "فيفيان الصايغ"، التي تترك العنان لريشتها الملونة لتصهل وتجول بكل حرية وعنفوان على ذاك السطح الأبيض، بعد أن تسيطر الفكرة على تفكيرها.

لا تعتمد التصميم المبدئي للعمل، بل تترك ريشتها وخبرتها تنطلق بحرية ليشتعل بجمالية الألوان، وتقول: «الألوان تجدّد وأمل، والطبيعة جميلة بألوانها؛ فما قيمة الأزهار إذا كانت كلها بلون واحد؟ لا يوجد فنّ من دون فكر؛ فيجب أن تنضج الفكرة ذهنياً لأشعر بحاجة ملحة لتفريغ طاقتي وأفكاري في اللوحة».

الألوان تجدّد وأمل، والطبيعة جميلة بألوانها؛ فما قيمة الأزهار إذا كانت كلها بلون واحد؟ لا يوجد فنّ من دون فكر؛ فيجب أن تنضج الفكرة ذهنياً لأشعر بحاجة ملحة لتفريغ طاقتي وأفكاري في اللوحة

وفي حديثها لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 1 شباط 2017، تقول "فيفيان الصايغ" عن بداياتها مع الفنّ: «المرحلة الأولى من الحياة تكون أساساً مخصصة لأعمال طفولية بحتة، وقد ظهر جلياً وأنا طفلة اهتمامي بالأشياء الجميلة والمميزة أكثر من أي طفل عادي، كنت عاشقة للجمال، حيث لاحقت الغيوم وتشكلاتها، راقبت الطبيعة وألوانها، وعندما دخلت المدرسة شدني الرسم الذي وجدت فيه طريقة تعبير لأشياء كنت أفتقدها، فالانطوائية التي كانت تظلل شخصيتي، والهدوء الذي كان يلفني؛ جعلا من الرسم الأوكسجين الذي يعطيني الحياة. كنت أرسم بيدي وأتتبع مواطن الجمال بعينيّ، وأفسح مجالاً لأحاسيسي لتشاركني رسوماتي، فكانت الخطوط والأشكال والألوان التي كنت أدورها ملجئي الوحيد الذي أختبئ بداخله، ويشعرني بنبض الحياة».

من أعمالها

يخلق الفنّ من خلال تجارب الفنان الخاصة التي يكتسب فيها خبرات وتجارب معمقة خلال مراحل حياته، والتي تكون أساساً في صناعة أي عمل فني متميز، وعن بداياتها كطفلة موهوبة، قالت: «مثل كل الفتيات كنت ألعب بالدمى وأخيط لها الثياب بكل دقة وإتقان وأناقة، وأشاد الكثيرون بعملي واختياري للأقمشة وألوانها وانسجامها مع بعضها. وعندما كبرت ظهر تأثير هذه الموهبة في شخصيتي، فكنت أكره أن أكرر ثيابي، فلا بد أن أضيف إليها لمساتي، وبطبعي أميل نحو التجدد والتغيير بوجه دائم، ولمدة من حياتي اتجهت للعمل كمصممة أزياء، لكنني لم أتابع بها؛ لأنّ إحساساً داخلياً كان يحركني ويدفعني باتجاه الريشة والألوان، كما عملت بتحريك الشخصيات الكرتونية ونجحت، ووجدت فيها مساحة للعودة إلى الطفولة بعفوية وصدق».

هذه التجارب وغيرها ساعدتها في إيجاد طريقها إلى اللوحة، وأضافت التنوع إلى شخصيتها، وظهر ذلك جلياً في لوحاتها التي تتصف بالتعبيرية، وتابعت بالقول: «بدأت محاولاتي الأولى في البحث عن تقنيات بسيطة تعطي نتائج متميزة لفنان لا يتشابه مع الآخر، فرسمت الطبيعة بفرحها وحزنها وهدوئها وتقلباتها، ثم انتقلت إلى الرسم التعبيري الإيحائي الذي يعدّ خلاصة مكثفة لخبرات يعكسها الواقع والمجتمع، على الرغم من إيماني بأن الموهبة هي الأساس، لأن الفنان الموهوب أو الحقيقي يكتشف مواطن الجمال، ويصبغها بما يتناسب مع فلسفته ومحاورته مع ذاته ليشكل فنّاً راقياً يتناسب مع المتلقي. التحقت بمركز "أدهم إسماعيل" للفنون التشكيلية للاطلاع على المدارس الفنية والاستفادة من خبرات الآخرين، فالفنّ وظيفته تدعيم الحياة الواقعية. وعملت بعدها على تطويع موهبتي مع الاحتفاظ بأسلوبي؛ لقناعتي بأن المبدع لا يشبه أحداً، ولكل فنان أسلوبه وطريقته في تقديم جزيئات العمل، لإيصال وجهة نظره التي يؤمن بها من خلال أسلوب خاص ينقل تجربته إلى الآخرين.

من لوحاتها

اتخذت من المرأة عنواناً للوحاتي لما تحمله من قيم جمالية وموضوعية، فهي عنوان للجمال وللحب والغضب والعنفوان والقوة. أعشق أعمال الفنان "غوستاف كليمت"، ربما لاشتراكنا في تناول جسد الأنثى معبرين عما نريد قوله، لكن يبقى هو أكثر جرأة».

الفنّ التشكيلي هو تكثيف للجمال وصياغة الواقع من خلال محاورة الفنان لذاته ضمن فلسفته ورؤيته الخاصة به. اللوحة التي لا تعبر عن الجمال هي تقبيح وتشويه، وبالنسبة للفنانة "الصايغ" وظيفة الفنان عكس الجمال الذي بداخله للمتلقي، لا العكس. وعن معارضها تابعت بالقول: «أنا أرسم بريشتي الحالمة المطواعة، وأعبّر بإحساسي، وعلى المتلقي الاعتماد على بصيرته بالحدس والتخيل، ويتصور ما ليس له حسب ثقافته وحالته النفسية اللا شعورية، وأمضي وقتاً طويلاً أمام لوحتي أتلمس ملامحها وأمعن النظر فيها، وأمنع أن يدخل أي شخص ويقطع خلوتي؛ فهذه المساحة البيضاء ستتحول إلى لوحة سحرية تعكس مشاعري الحالمة والملتصقة بالواقع بآن واحد. أقمت معرضاً فردياً في "باريس"، وكانت تجربة غنية، حيث تعرفت فيها ثقافة بلد يجمع عراقة وأصالة الفن، وقد كان للمعرض صدى جميلاً، وسمعت آراء إيجابية حول أعمالي التي حملت طابعاً شرقياً بألوانها الترابية وطريقة التعبير الباطنية ذات المدلول الروحي والعمل الإنساني. كما أقمت معرضاً آخر في "مشتى الحلو" يحمل عنوان: "صدى"، تمحورت فكرته حول المخزون العاطفي والإنساني والاجتماعي الذي تعيشه المرأة في وجدانها، إلا أنه كان أكثر غنى بالألوان. وشاركت بمعارض جماعية متعددة».

لوحة من لوحاتها

الفنّ في تطور مستمر ودائماً هناك جديد، وهذا يكون واضحاً من خلال خطوط وتعابير الفنان، التي يستمدها من الواقع ويشكلها حسب وجهة نظره الفنية، وعن رأيها بالنقد الفني، قالت: «أنا عاشقة للفن، وأرسم بإحساسي وأعبر عن أفكاري وأحلامي ولا أظن أنها ستنتهي، لا يتفق النقاد على عمل فني، والناقد الموضوعي هو حافز وملهم، وبالمجمل تمنيت أن أسمع رأياً صريحاً وواضحاً، فكل الآراء التي وصلتني بما يتعلق بالعمل التشكيلي إيجابية، والمهم أنني لا أقف عند رأي معين».

من جهته تحدث الفنان "تيسير رمضان" عن أعمال "الصايغ"، قائلاً: «إنها تجربة مثيرة للاهتمام والمتابعة، وتستحق الثناء والتقدير، حيث تملك تكنيكاً عالي المستوى، وتميل إلى الألوان الترابية البسيطة مبتعدة عن البهرجة اللونية المجانية؛ فاللون له خصوصيته في معالجة الفكرة والعمل بوجه عام. التعبير لديها مهمّ وجاء ليحاكي الفكرة بخصوصية رائعة. شيء ما يحرك أعمالها ذات الطابع الإنساني؛ إذ تحكي قصصاً وعوالم مدهشة تروي بصمتها وحركتها الإيقاعية، قصة الألم الذي يبدأ ولا ينتهي تماماً، كتلك الخطوط الحلزونية التي تحيط بمعظم أعمالها كعنصر زخرفي يتكرر له دلالته الزمانية والمكانية، خطوطها قوية واثقة وانسيابية ساحرة؛ تمكن من الشكل حدّ الإدهاش.

بطلة أعمالها المرأة دائماً، ومعظم وجوهها تشمخ برأسها إلى الأعلى وبلا ملامح محددة، وتصهل كمهرة أصيلة تريد التجدد، يحركها الألم ويحدوها الأمل، تتمرد، تصرخ، تريد الانعتاق بأي طريقة».

يذكر أنّ الفنانة "فيفيان الصايغ" من مواليد مدينة "دمشق".