ما زال "محمد عرابي" يبدع تصاميم جديدة بصناعة "الستانلس ستيل"؛ ويعود إليه الفضل بإدخاله إلى "سورية". وتحول حبه للتراث إلى رغبة بنشر ثقافة الطهو بالفخار، فابتكر أساليب جديدة بمزجه مع الموسيقا والشعر لجعله أكثر قرباً من الناس.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 كانون الثاني 2017، الحرفي "محمد عرابي" بمعرضه الكائن في شارع 29 أيار، ليحدثنا عن بداياته في تعلم المهنة، فقال: «ولدت في حيّ "القيمرية" في "دمشق القديمة" عام 1940 ضمن عائلة متوسطة الحال، ومنذ أن بلغت الثالثة عشرة من العمر أرسلني والدي لتعلم مهنة "الخراطة" في ورشة يملكها إخوة من عائلة "الذهبي"، لكنه كان يلحّ على متابعة دراستي، فكنت أذهب من الورشة إلى المدرسة الليلية التي كانت تسمى آنذاك "دمشق الوطنية"، وأذكر أنه في عام 1960 نجحت بمساعدة صاحب الورشة بتصنيع أول "طرنبة" لضخ المياه بمزايا متطورة ليتم استخدامها بوجه واسع بين المزارعين، وتصديرها فيما بعد إلى دول الخليج. وقد ولّد هذا لدي ثقة بالنفس، فقررت العمل بمفردي، وكان ذلك في العشرين من عمري عندما صممت أول "مخرطة"، وكان أول مبلغ أتقاضاه 4 ليرات سورية، لكنه كان يعادل كل ما تقاضيته في السنوات السابقة، لكن كنت مُصمماً على إكمال دراستي إلى جانب عملي، وحصلت في ذات العام على الشهادة الثانوية».

كأي عمل جديد لا بد أن يلقى استهجان بعضهم؛ إما بسبب عدم درايتهم به، أو أنهم لا يريدون تغيير نمط حياتهم، إضافة إلى كون الفخار يتطلب عناية خاصة عند استخدامه، وهنا استخدمت الموسيقا والشعر لنشره بين الأطفال، ولجأت إلى مسرح "القباني" بفكرة عرض مسرحية استعراضية غنائية للأطفال يتم الدمج خلالها بين عرض لقطع الفخار مع أغانٍ من تأليفي، وتقديم "الفول النابت" المطبوخ بالفخار للأطفال في نهاية المسرحية ليحكموا بأنفسهم على المذاق، كما ألفت قصائد حول فائدة الفخار، وأنا بحكم جمعها في كُتيب قريباً

وعن عمله بحرفة "الستانلس ستيل" ودوره بإدخالها إلى "سورية"، يضيف: «قديماً كنا نسمع عن معدن "الستانلس ستيل" لكن لم يكن موجوداً في البلد إلا بعد عودة المغترب السوري الدكتور "مأمون البحرة"، الذي أراد تحقيق حلمه بإنشاء مصبغة في "دمشق"، لكنها تحتاج إلى أحواض للصباغة مصنوعة من معدن "الستانلس ستيل"؛ أخذت الموضوع على عاتقي، وقصدت "بيروت" لذات السبب، لكن فضولي جعلني أقصد "باريس" لزيارة معرض "أوجيل"؛ وهو أضخم معرض متخصص بصناعة "الستانلس ستيل"، عدت بعدها إلى "دمشق" محمّلاً بكمّ كبير من المعلومات والأفكار، أردت تطبيقها بالاستعانة بصناعيين من "حلب"، فصممنا مكابس وقوالب، لكن الإنتاج لم يلقَ رواجاً بسبب الخلط بينه وبين "الحديد".

آنية مصنوعة من الستانلس ستيل

عَملت على تقديم الأواني التي أنتجها كهدية لترويج منتجي بين الوسط الذي أعيش فيه، إلى أن أصبحت ذات شهرة. وأثناء عملي زارني أحد التجار من "السعودية"، وأراد أن ينشئ معملاً مماثلاً، وعهد لي بذلك، ليكون المعمل الأول في "السعودية" لصناعة "الستانلس ستيل" بإشراف مباشر من قبلي».

وعن مشاركاته والمشاريع والتصميمات التي قام بها، يتابع: «خلال مزاولتي المهنة لأكثر من ستين عاماً لم أدع أي فرصة لحضور معارض داخلية وخارجية إلا وكنت أول الحاضرين فيها بقصد الاطلاع على كل جديد في هذا المجال؛ وهذا مكّنني من ابتكار تصاميم تناسب تجهيزات كل من المطاعم والفنادق والمستشفيات، حيث قمت بتجهيز وتأمين لوازم 40 مستشفى داخل البلد، وعدداً من الفنادق والمطاعم، كما شاركت بتجهيز مستشفيات في "الكويت" ومطاعم في "السودان"؛ أهمها مطعم "مطار السودان الدولي"، إضافة إلى عدد من شهادات التقدير من خلال مشاركتي بمعرض "دمشق الدولي" منذ انطلاقته الأولى، وقد عملت حتى اليوم بتعليمها لأكثر من 50 حرفياً».

بعض قطع الفخار التي ينتجها

عن مشروعه بإحياء التراث، ونشر ثقافة الطهو بالفخار، يردف قائلاً: «من يقطن أحياء "دمشق القديمة" لابد أن يمثّل التراث جزءاً مهماً من ذاكرته، لكن البداية كانت من خلال إحدى قريباتي التي تعمل في "منظمة الصحة العالمية" في "أميركا"؛ كانت قد أرسلت لي مقالاً مفاده أن "أميركا" تجري دراسات على عينات من الناس لمعرفة الفرق بين الطبخ بالمعادن، والطبخ بالفخار، وبعد دراسة توصلوا إلى أن الطبخ بالمعدن يفقد الغذاء بعض العناصر الغذائية، بينما الفخار يحافظ عليها، إضافة إلى مدّ الجسم بالطاقة لكونه مصنوعاً من الطين.

أخذت الموضوع على عاتقي، وبدأت إنشاء مشغل لتصنيع الأواني الفخارية بدءاً من أواني الطبخ والخزف والتحف، وانتهاءً بالمدافئ؛ ساعدني على ذلك غنى "سورية" بالمادة الأولية، وهي الطين المتوافر في عدة مناطق خاصة في منطقة "البصيرة" في "القامشلي"، الذي يعدّ من أفضل أنواع التراب في العالم، وهو ما يرفد خزينة الدولة بملايين الدولارات عن طريق التصدير».

ويتابع: «كأي عمل جديد لا بد أن يلقى استهجان بعضهم؛ إما بسبب عدم درايتهم به، أو أنهم لا يريدون تغيير نمط حياتهم، إضافة إلى كون الفخار يتطلب عناية خاصة عند استخدامه، وهنا استخدمت الموسيقا والشعر لنشره بين الأطفال، ولجأت إلى مسرح "القباني" بفكرة عرض مسرحية استعراضية غنائية للأطفال يتم الدمج خلالها بين عرض لقطع الفخار مع أغانٍ من تأليفي، وتقديم "الفول النابت" المطبوخ بالفخار للأطفال في نهاية المسرحية ليحكموا بأنفسهم على المذاق، كما ألفت قصائد حول فائدة الفخار، وأنا بحكم جمعها في كُتيب قريباً».

الحرفي "عبد القادر سودان" الذي يعمل بذات المهنة، قال: «عرفت "محمد عرابي" منذ عام 1978، وتعلمت منه المصلحة، وحتى اليوم ما زلنا نعمل معاً. ومنذ أن عرفته وجدت فيه الإنسان المحب لمهنته، فهو لا يفوت فرصة الحضور والمشاركة في أي معرض يهتم بذات المهنة، لقبه العاملون بالمهنة بـ"الملك"؛ لكونه أول من أدخل صناعتها إلى البلد، إضافة إلى إصراره على تطوير عمله من خلال تحسين موارد العمل والتصاميم الجديدة. يضع كل إمكاناته أمام عماله فلا يبخل عليهم بعلمه، فهو أب وأخ للجميع، ويحرص على رفع مستواهم المادي والفني، وقد تَخرّج في منشأته أغلب العاملين بالمهنة، كما يعود له الفضل بالحفاظ على التراث، وخاصة في مجال الفخار».