انطلاقاً من إيمانها بأنّ الفنّ خلق ليؤدي رسالة، لم تتكّئ الفنانة التشكيلية "رندة حجازي" منذ بداية عملها الفني على سحر ريشتها وغنى ألوانها لتعرض أعمالها؛ إنما حمّلتها قضية إنسانية ومجتمعية؛ فاختيرت لوحتها المعنونة "الأصالة" لتتصدّر غلاف مجلة توزع في مختلف أرجاء البلاد العربية والأوروبية.

الفنّ رسالة، وإذا لم نمارس هذه المهنة بإنسانية وحبّ، لا يمكن أن نحصل على احترام الناس أو احترام أنفسنا. أنا حريصة دائماً على أن يكون عملي خادماً جيداً للمجتمعات والمستضعفين؛ فالفنّ ليس للترف الفكري أو الطبقات الاجتماعية المخملية أو المثقفة فقط، بل علينا أن نعمل من أجل أن تصل أفكارنا كفنانين إلى كل الطبقات الاجتماعية، وبذات الوقت أن يصل هذا الصوت إلى صناع القرار لإيجاد حلول مناسبة لمشكلات المجتمع؛ هذا كان بداية الحديث للفنانة التشكيلية والإعلامية "رندة حجازي" لمدونة وطن "eSyria" عند التواصل معها بتاريخ 10 كانون الأول 2016، وعن الفن التشكيلي وماذا يعني لها، وامتلاكها لهذه الموهبة، قالت: «الفنّ هو ملك التعبير عن الأحاسيس والخفايا النفسية التي بداخلنا؛ فمن خلاله نعالج مجتمعات ونساهم ببناء عقول، ومن يمتلك هذه الموهبة محظوظ ويتميز عن غيره بنقل الأحاسيس ومساعدة غيره؛ وهذا يعنيني جداً.

لوحة "أم الطربوش" نسبة إلى الأمير الأوغاريتي الذي يرتدي هذه القبعة، وهو اسم شعبي بين الناس؛ وصورته كانت مطبوعة على العملة السورية القديمة فئة الـ500، ولوحتي عبارة عن توثيق لهذا الاسم السوري، وجسّدت شخصية الأمير كالقطعة الأثرية الموجودة، لكني ألبسته الطربوش؛ لأنّه رمز الشموخ والعزّ، وأتمنى أن تأخذ الاهتمام ويراها العالم؛ فنحن شعب وبلد ذو حضارة ومن الصعب طمسها

وتعدّ الألوان بالنسبة لي لغة الكلام الأولى للتعامل مع الحياة والأشخاص، فلها تأثير كبير في شفاء الكثير من الأمراض وتحسين المزاج، وإثارة بؤر معينة في داخل كل شخص. بدأت قصتي مع الفن بعمر الثالثة منذ أن أمسكت القلم لأول مرة، حيث كنت أحاول أن أنقل كل ما أراه على الورق، وكان للأهل الدور الأكبر في تشجيعي وحثّي على الرسم باستمرار. لا يمكنني أن أنكر فضل الطبيعة؛ فعندما أسلّم نفسي لها أشعر بالراحة، ولا أظنّ أنها تخذل الفنان؛ فهي مصدر الحنان والطاقة الإيجابية الكبيرة؛ فعطاؤها بلا حدود، وتشعرك بالتميز والتفرد، وهنا يأتي دوري كفنانة تشكيلية تنقل أحاسيسها وأحلامها وأفكارها على تلك الورقة البيضاء المحدودة المساحة، لتصبح للألوان لغة، وللخطوط روح؛ وهذا هو الفنّ من وجهة نظري».

إحدى لوحات معرض "ما بين الملائكة والبشر"

وتضيف: «أضمّ نفسي إلى قائمة الفنانين الملتزمين؛ لالتزامي بقضايا المجتمع والإنسان بالعموم، ويهمني الدفاع عن المستضعفين وإطلاق صرخة من أجلهم. يلفتني الإنسان وتركيبته النفسية، وعندما أقدّم عملاً إنسانياً لا أعتمد مخيلتي وأهوائي فقط؛ إذ أدخل إلى أعماقه وأحاول أن أفكر بطريقته، حتى أتمكن من نقل أحاسيسه ومكنوناته الداخلية بكل شفافية وصدق، وعندما قدمت مشروع تخرجي الفني عن مرضى الاضطرابات النفسية والعقلية، ذهبت إلى المستشفى وبقيت معهم بورشة عمل استمرت لمدة أسبوع كامل، فرسموا لي الحياة من منظورهم الخاص وما يحبون ويأملون ورسومات أخرى، ثم ذهبت إلى طبيب نفسي لتفسير كل خط ولون وضعه المريض على ورقته، وبعد أن فهمت ما يجول بخاطرهم جاء عملي الفني المستوحى من خطوطهم وألوانهم، وكل أعمالي الفنية تسير على هذه الخطى».

عن معرضها الأخير الذي أقامته في "دبي" وحمل عنوان: "ما بين الملائكة والبشر"، قالت: «أردت الدخول إلى عالم المرأة غير المرئي، ومحاولة قراءتها بطريقة جديدة ومنفردة، وتسليط الضوء على حالة الإحباط الداخلية لما تعانيه من مسؤوليات وضغوط اجتماعية كبيرة، والمطالبة بحقوقها كاملة. وهذا المشروع استغرق ثلاث سنوات من العمل، بدأت فيه بنزولي إلى الشارع والتقاط وجوه الأشخاص بعدسة كاميرتي الخاصة، والحديث معهم قدر الإمكان، ووراء كل صورة قصة حزينة ومؤلمة، بمعنى آخر كان مشروعاً واقعياً وتوثيقياً، استخدمت فيه تقنية الرصاص لرسم وجوه المرأة المتعبة؛ وهي تقنية جافة خالية من الحياة والحيوية، واستخدمت تقنية "الإكريليك" الحيوية التي تحمل تأثيراً لونياً كبيراً؛ لأن لكل امرأة طريقتها الخاصة بالتبرج أو الزينة، وذلك لإعانتها على الخروج إلى الحياة بحب وفرح لمتابعة تعليمها، أو الزواج، أو القيام بالأعمال الخيرية، أو العمل.

لوحة أصالة التي تصدّرت غلاف مجلة الجديد

وفي مجلة "الجديد" الثقافية التي تصدر في لندن وتوزّع في بريطانيا وأوروبا والخليج العربي، في عددها المعنون: "المرأة والقمع الأبوي"، اختيرت من بين مئات اللوحات لعدة فنانين لوحتي المعنونة "أصالة"، التي تمثّل امرأة ترتدي طربوشاً يرتديه عادة رجال العزّ، وتصوّر اللوحة المرأة العربية المعروفة بقدرتها على التحمّل، والطربوش هنا لإظهار قدرتها على أخذ دور الرجل وتحمّل مسؤولياته؛ وعبّرت عن ذلك بالطربوش المائل الذي يغطي إحدى العينين؛ لأقول إنها تحافظ على أنوثتها».

تابعت حديثها: «أعمل ساعات طويلة خلال النهار، والعمل مقسّم ما بين الدراسة والرسم والمطالعة، وأرى أنّ الثقافة والمطالعة لا تقلّ شأناً عن المثابرة في الرسم؛ فالمطالعة المستمرة تفتح الأفق للفنان لإيجاد كل ما هو جديد، وتوحي له بنقاط مهمة في الحياة، تساعده بتسليط الضوء عليها والتفرد في طرح الأفكار. هدفي التركيز على عملي والاستمرار بالنجاح والعمل، وإيجاد الأفكار الجديدة والمميّزة والعمل عليها فنياً، وطرحها للجمهور بصورة لائقة. حبي والتزامي بقضايا المجتمع دفعني إلى متابعة دراستي في كلية الإعلام بعد تخرجي في كلية الفنون الجميلة، والإعلام ساعدني في توثيق الأحداث المهمة، ومعرفة طريقة نقلها إلى المتلقي».

من أعمالها

وعن أكثر اللوحات التي رسمتها وأحبّتها، قالت: «لوحة "أم الطربوش" نسبة إلى الأمير الأوغاريتي الذي يرتدي هذه القبعة، وهو اسم شعبي بين الناس؛ وصورته كانت مطبوعة على العملة السورية القديمة فئة الـ500، ولوحتي عبارة عن توثيق لهذا الاسم السوري، وجسّدت شخصية الأمير كالقطعة الأثرية الموجودة، لكني ألبسته الطربوش؛ لأنّه رمز الشموخ والعزّ، وأتمنى أن تأخذ الاهتمام ويراها العالم؛ فنحن شعب وبلد ذو حضارة ومن الصعب طمسها».

الفنان التشكيلي والمحاضر بكليات الفنون الجميلة والعمارة "سرور علواني"، قال عن الفنانة "رندة": «عرفتها طالبة مجتهدة؛ وأفكارها المحبة للإنسانية تدفع بأعمالها لتكون ضمن دائرة الفكرة أكثر من معايير أخرى ليست غائبة عنها كالتقنية والطرح؛ وهذا لا ينقص من قيمة العمل؛ فكلها تقع تحت عنوان الفن. تعيش ضمن اللوحة وتحمل هموم الهدف، وتحاول أن تحقق المعايير الجيدة من خلال التكوينات الموفقة في التوازن وانسجام المجموعة اللونية ضمن العمل، إلى أن تتجاوز الرسم للرسم كما لاحظناه في مشروعها الفني الأخير: "ما بين الملائكة والبشر"، حيث تلعب أعمالها دوراً فعالاً في تشخيص وضع المرأة. تمنياتي لها أن تحقّق نجاحات تليق بطموحها».

يذكر أن "رندة حجازي" من مواليد "دمشق" عام 1978، خريجة كلية الفنون الجميلة، قسم الاتصالات البصرية 2000، وخريجة كلية الآداب، قسم الصحافة والإعلام 2008، عضو في نقابة الفنون الجميلة في دمشق"، وعضو في نادي الإمارات لسيدات ورجال الأعمال والمهن الحرة في "دبي"، وعضو لجنة الثقافة والفنون في نادي الإمارات في "دبي".