تصرفاتنا هي سفيرتنا في هذا العالم، وهي مستمدة من المعايير الأخلاقية التي اكتسبناها من العائلة التي تعد المنبع الأول لها، والتي تم صقلها فيما بعد في المحيط الخارجي، لتترجم إلى أعمال تحدد سلوكنا.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 30 آذار 2016، الباحثة الاجتماعية "داليا محلا" (اختصاص إدارة وتخطيط تربوي)، فحدثتنا عن المعايير الأخلاقية المكتسبة من مصادر مختلفة، وتقول: «بوجود القدوة الحسنة يمكننا معرفة الصح والابتعاد عن الخطأ، والدتي هي من رسخت القيم فينا؛ من صبر وتحمّل وحبّ ومتابعة ودقة في العمل بطرائقها العفوية والبسيطة حتى أصبحت جزءاً أساسياً من سلوكي، تعلمنا منها احترام الأكبر منّا سناً من احترامها لوالديها، وتعلمنا حسن التدبير خلال مراقبتنا لها، وأتذكر أنها عندما تريد أن توصينا بأنفسنا كانت تحكي لنا حكاية قبل أن تقول لنا المغزى، وقد كنت من المحظوظين؛ إذ علمني أساتذة يقدرون قيمة الوقت، وأتذكر أن أحد أساتذتي كان يقطع المسافة من "دمشق" إلى "اللاذقية" مرتين أسبوعياً؛ حيث كان ينتظر الطلاب لمدة نصف ساعة في القاعة، ويقول هذا من حق الطالب علي».

حملت معي القيم والمبادئ التي تعلمتها من مصادر مختلفة إلى مكان عملي، كما أنني التحقت بدورات تدريبية وتأهيلية علمتني تحفيز الطفل وكيفية إعداد خطط تربوية. على الرغم من الحصانة التي حصنتني بها عائلتي، إلا أنني واجهت صعوبات عدة؛ لأنني وجدت أن الكثير من المعايير الأخلاقية خضعت للازدواجية؛ فتربية البيت تختلف كثيراً عن تربية المجتمع

تتابع: «حملت معي القيم والمبادئ التي تعلمتها من مصادر مختلفة إلى مكان عملي، كما أنني التحقت بدورات تدريبية وتأهيلية علمتني تحفيز الطفل وكيفية إعداد خطط تربوية.

المحامي نصار صقور

على الرغم من الحصانة التي حصنتني بها عائلتي، إلا أنني واجهت صعوبات عدة؛ لأنني وجدت أن الكثير من المعايير الأخلاقية خضعت للازدواجية؛ فتربية البيت تختلف كثيراً عن تربية المجتمع».

المحامي "نصار صقور" يقول: «بعد عشرين سنة من العمل أعطتني الخبرة والحِرفية في الحياة المهنية ورسخت لدي القيم الأخلاقية في السلوك والعمل، أجد أن المحامي يستطيع تطبيق المعايير الأخلاقية في مهنته من خلال إعلاء سيادة القانون، لكن المفاهيم الأخلاقية التي تلقيناها من الأهل هي التي جعلت كفّة الميزان ترجح نحو النجاح في مهنتي؛ كحفظ السر، ومساعدة المحتاج، والصدق، وجاء العمل ليكرس هذه المبادئ».

الأديان السماوية رسمت للأخلاق منهجاً واسعاً مرناً ميسر التطبيق في مختلف العصور، فضلاً عن الضمير ونصائح الآباء والقوانين، كما أن للقيم والعادات دوراً لا يستهان به في توجيه السلوك؛ هذا ما قاله الأستاذ الدكتور "غسان أحمد الخلف" اختصاصي علم الاجتماع التربوي في كلية التربية بجامعة "دمشق"، ويضيف: «تكتسب المبادئ والمعايير في العمل من العائلة التي تعد النواة الأولى لبناء سلوك الإنسان، كما أن القيم والعادات الأخلاقية التي يتسم بها المجتمع بوجه عام تنعكس على أداء الأفراد في أعمالهم بصورة أخلاقية، وبالعكس فالشخص الذي ينشأ في مجتمع ملوث أخلاقياً سيتأثر بقيم هذا المجتمع غير الأخلاقية، ويعاني كثيراً للتخلص من هذه القيم السيئة، فلا بدّ من القضاء على الأخلاق غير الكريمة.

كما يتأثر الفرد بالجماعات المرجعية السياسية أو الدينية أو الأدبية أو العشائرية؛ وهو ما يجعله في حالة تناقض دائم لتعدد المرجعيات، ويؤثر بقراراته وسلوكه، والنظام التعليمي في المجتمع يلعب دوراً كبيراً في تكوين أخلاقيات الفرد؛ بدءاً من رياض الأطفال وحتى الجامعة؛ وهو ما يطور السلوك الإيجابي للفرد، ويعزز المسؤولية والمساءلة والإخلاص والصدق في العمل.

تلعب الصحافة والإعلام ومؤسسات الرأي دوراً كبيراً في بث قيم وأفكار معينة قد تؤثر في سلوك الأفراد، فإذا لم تكن هذه المؤسسات حرة وصادقة ومهنية قد تبث فينا العديد من الأخلاقيات السيئة التي تؤثر بسلوكنا في جهة العمل، خاصة بعد ظهور الإنترنت وتأثيرها الكبير من الناحية الأخلاقية».

يكمل: «أهم ما يؤثر في أخلاق الشخص هو الأخلاقيات التي اكتسبها من وظيفة عمل فيها، ولكل واحد منا موروثاته الثقافية التي حصل عليها طوال حياته؛ وهي عبارة عن مقولات لشخصيات دينية أو قبلية تؤثر تأثيراً كبيراً بسلوكنا، لكن نظراً إلى التطور فيما حولنا قد يكون تطبيق هذه الأقوال كارثياً ولا يتفق مع العقل والمنطق، كما أن القوانين تنظم سلوك الأفراد في مجال العمل وتوضح حقوق وواجبات العمال، وهذه القوانين تشمل الكثير من القواعد الأخلاقية التي يجب أن يلتزم بها العمال، وأغلب الأحيان تشمل هذه القوانين عقوبات رادعة لمن يخالف قواعده أو أخلاقياته، وأخيراً يجب على جهة العمل ألا تترك اتباع العمال للأخلاق الكريمة يخضع لقناعاتهم الشخصية، بل لا بد من إلزامهم بها، ووضع عقوبات رادعة لكل من يخالف الأخلاق الكريمة في العمل».