يصنع "الكيروشيه" من الخيوط المختلفة الملمس واللون، وتتم حياكة العديد من الرّسومات والأشكال يدوياً بطرائق بسيطة وسهلة؛ فتتحول تلك الخيوط الملونة إلى لوحات فنية مميزة، وهو واحد من الحرف اليدوية القديمة الذي يسمى "النّسج اليدوي بالإبرة".

ويعد من الفنون التقليدية الذي تستخدمه النساء السوريات في المدن والأرياف، حيث نسجت كل سيدة من خيوطه آمالها وأفراحها لتصنع منتجات مزركشة بالألوان، ولكل قطعة منسوجة حكاية تختلف عن الأخرى.

لحرفة "الكروشيه" تاريخ عريق يعود إلى مئات السنين، وما تزال قائمة حتى يومنا هذا، وهي تمكّن النساء من الإبداع وتنمية مواهبهن وصقلها؛ إضافة إلى رفع مستواهن المعيشي، فهي صنعة راقية وممتعة، ومن ناحية أخرى هي مهنة سهلة التعلم لكنها تحتاج إلى الصبر والممارسة، فهو فن خالص تتطلب حياكته الكثير من المهارة والحس الفني، وهو ما يعطي للعمل جمالاً لا يضاهى

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 19 كانون الثاني 2016، مدرّسة الفنون النسوية "ابتسام عاصي" المولودة في "صافيتا" والقاطنة في "ضاحية الفردوس" بـ"دمشق"؛ التي تحدّثت عن غرز "الكروشيه"، وما دخل إليها من تطورات عبر الزّمن بالقول: «منذ سنوات لم يكن يخلو أي بيت من قطع مشغولة بالصّنارة، حيث كانت الفتيات يتعلمن منذ الصغر فن الحياكة ليقمن بتجهيز مستلزّمات البيوت من أغطية الأسرّة ومفارش الطاولات والملابس، والديكورات المنزلية، ويعد ذلك من أساسيات كل بيت في ذلك الوقت، لكنّ الأمور تغيّرت عندما غزت الأغطية المحبوكة والمنسّوجة آلياً السّوق المحلية، وابتعد النّاس عن هذه الحرفة، أما في أيامنا هذه فقد عاد فن "الكروشيه" المأخوذ من الفرنسيين بالأصل، ليدخل إلى البيوت من جديد بعد مضي سنوات على نسيانه، وبدأت الفتيات تعلم شغل الصنّارة من جديد».

ابتسام عاصي

وأكملت كلامها لتقول: «في الماضي كانت أدواتنا بسيطة وطريقة حياكتها سهلة للغاية، فكل ما نحتاج إليه لحياكة قطعة من "الكروشيه" إبرة خاصة لها رأس معقوف تسمى "صنّارة"، وهي بأحجام مختلفة حسب حجم وثخانة الخيط المستخدم في الحياكة، وخيوط متنوعة اللون والحجم، و"باترون" أو النموذج المرسوم على الورق، وبالنسبة لي حاولت تطوير مهاراتي بالحياكة، واستطعت إضافة الجديد إليها من خلال استخدام أكثر من صنّارة فيها، وتعلمت من رفيقاتي حياكة أنواع جديدة من الغرز والقطب لحياكة "الشالات" والملابس المميزة والفريدة لذلك استعملت (مكوك الشّتل)، وهو عبارة عن صنارتين أو ثلاث صنارات في آلة واحدة، وقد أتقنت الحياكة به، وصنعت أجمل "الموديلات" العصرية، إضافة إلى أنني طورت موهبتي بالاطلاع على صفحات الإنترنت وتابعت كل ما هو جديد في عالم "الكروشيه"، فتعلمت "الكروشيه الفرنسي" الذي يعتمد آلة أسطوانية ثبت عليها من 4 إلى 6 أعواد مع استخدام صّنارة "الكروشيه" معها أثناء الحياكة، وصنعت بواسطتها العديد من الأساور والأطواق والحقائب».

التاجر "هيثم نحلاوي" صاحب محل لبيع خيوط "التّريكو" في "سوق القزازين" تحدّث قائلاً: «عملت في هذه المهنة منذ 18 عاماً، حيث أبيع أجود أنواع الخيوط المستخدمة في حياكة "الكروشيه" بكل أنواعه؛ وهذه المهنة تمثل مصدر رزق لي وأعتاش منها، ففي الماضي كان شغل صوف "الكروشيه" يعتمد صّنارة واحدة وخيوطاً ومساطر تتناقلها ربات المنازل فيما بينهن لتعليم بعضهن بعضاً، أما في أيامنا هذه وبسبب وجود الإنترنت فقد تعلمت النسوة استخدام أكثر من صّنارة في "الكروشيه"، وكذلك تعلمن الكثير من القطب والغرز التي لم تكن معروفة منذ القديم، وهو ما زاد الطلب على استخدام أنواع جديدة من الخيوط كـ"الرمش والبوكلي والمدموج والحرير وDMC والقطنيات" بكل أنواعها، وهذه الخيوط نحصل عليها من الأسواق الداخلية والمحلية، وبعضها مستورد من الخارج، وتستخدم الأصواف في جميع فصول السنة، حيث أقوم بلف الخيط وإعادة ثخانته بواسطة آلة تدعى آلة إعادة تأهيل "الكونة"، حيث أزيد أو أخفف من ثخانة الخيوط حسب طلب النّسوة بما يتناسب مع الغرز الجديدة التي تعلمنها وأتقن صناعتها».

المكوك "الشتل"

وتابع حديثه قائلاً: «لحرفة "الكروشيه" تاريخ عريق يعود إلى مئات السنين، وما تزال قائمة حتى يومنا هذا، وهي تمكّن النساء من الإبداع وتنمية مواهبهن وصقلها؛ إضافة إلى رفع مستواهن المعيشي، فهي صنعة راقية وممتعة، ومن ناحية أخرى هي مهنة سهلة التعلم لكنها تحتاج إلى الصبر والممارسة، فهو فن خالص تتطلب حياكته الكثير من المهارة والحس الفني، وهو ما يعطي للعمل جمالاً لا يضاهى».

هيثم نحلاوي