أبدعت بحروف كلماتها التي عشقت الطبيعة وسحر جمالها، روحها نصوص شعر غائمة، تستمد صورها من تجاعيد وجه أمها، إنها الشاعرة "صبا قاسم".

مدونة وطن "eSyria" التقتها بتاريخ 16 تشرين الثاني 2014، فتحدثت بالقول: «بداياتي كانت كالهطول في أوائل آب، متقطع مزاجي ومفاجئ، زخاتُ مطر تبلل تراباً عطش ولم تشبعه، ما خطته روحي كان نصوصاً غائمة تشي بروح ملأى بالأفكار كسماء مكتظةٍ بمشاريع أفكار لم تجد فصلاً يحتويها، بدايتي سنوات مفروشة بجمر متقد، لا تكاد تصل لغتي لنص حتى أغادره بحثاً عن نارٍ أقوى تحوم حولها أفكاري، وأول ما كتبت:

شابة موهوبة، تمتلك روح الشاعرية وروح الإنسان والمحبة الوفية، إنسانة فيها الكثير، عندها هاجس القراءة والكتابة، أسلوبها وجداني مميز ببساطته، إنها الجمال بشعرها البسيط

"بحر والدني ع طرافو غفلاني

خلال إحدى مشاركاتها

بحر وحروف السور

من مواجو خجلاني

بقلبو نهر وجبال

وصلا ومدينة غفياني

بقلبو نبي سهران

ومن موال جمرو

بيرجف الأذان

نسمة جبل ع كتف السما سهراني

ع شفاف الندى بتغط سكراني

بتقلو يا بحر

أنا متلك من البشر هرباني.."».

عن دور العائلة والبيئة المحيطة بتشجيع موهبتها الشعرية تقول: «أنا ابنة بيئتي بكل معنى الكلمة، بريّة إلى حد ما، دائماً كانت السماء، ديوان شعر كبيراً، الرعد موسيقا، واللمع غمزة القصائد، المطر دموع العشاق، الشمس ما بين السطور، الأخضر تشابيه صريحة، والشجر استعارات الأرض، الوحل والطين جناس وطباق، العصافير والفراشات حركات التنوين والنصب، والجر رائحة التراب، كان للراديو تأثير كبير في التسعينيات، حيث بدأت أشعر بانفجار وعي بداخلي، كنت أسمع الشعر من إذاعة لندن ومونت كارلو فأسجل الشعر على شريط كاسيت ثم أعيد كتابته على دفاتري الخاصة، وأول قصيدة قرأتها على الهواء مباشرة مع برامج الإعلامي الأستاذ "فايز مقدسي"».

وعن أنواع الشعر الذي تكتبه وأسلوبها تقول: «أكتب أفكاراً، أنا مع الفكرة والصورة الشعرية الجميلة التي تحرر النص من أية قيود ومساطر مُسبقة، في الهواء الطلق تتمايل الأفكار أكثر مما تقدمه لها القوالب الجاهزة، لذلك أحب النص الشعري المفتوح كالنهر يجري بلا معوقات، على عكس مياه السدود المرسومة بالمسطرة والزوايا الهندسية القائمة والحادة، أستمد صوري من تجاعيد وجه أمي، ومن أعماقي المطابقة للطبيعة حولي، تناقضات مثالية، وقوس قزح لا يتشكل إلا بعد البكاء "المطر"، أستمدها من بكائي الشديد على ميت لا أعرفه، من وجودي فجأة في مقدمة حاملي نعش يسير في الشارع، من الزحمة الكبيرة في سوق الخضار، أو شارع هنانو ما قبل العيد، من زقزقة عصفور دوري جائع يتسلل إلى جوار سرير طفلة لم تتجاوز العاشرة فتطعمه، ثم تعاود حلمها لكن ذاكرتها لا تزال تحمل صوته على كتفها وهي تكتب الآن، أستمده من مطر يهطل في "دمشق" فأحمل المظلة في "اللاذقية"».

عن تعريفها للشعر ومتى يصبح الشاعر مبدعاً، وبمن تأثرت من الشعراء، تقول: «الشعر رحلة صيد، والشاعر صياد ماهر، والقصائد طيور، وصور تتجول في مساء حياتنا، الشعر هندسة، بناء، خلق، تكوين لعوالم جديدة وسماوات بعدد ما تعرج أفكارنا بمخيلتنا، تأثرت بالكلمة الجميلة التي تغمز بطرف خفي من صورة شعرية، أو استعارة نقلت لي مكامن الجمال في أي كتاب، قرأت التاريخ والفلسفة والدين والشعر والرواية والبحث فتأثرت بها جميعاً، أصدرت ديواني "يشتد بي الأزرق"، تضمن أزرق غرز أصابعه في سمائي فانسال جسده في حبري، نشاطاتي ومشاركاتي قليلة، لدي ديوان قيد الطبع وأعمال أخرى».

وفي ردها على سؤال إن كان هناك أدب ذكوري وأدب أنثوي، قالت: «لست مع هذا التصنيف، هناك أدب يرتقي بالفكر والروح إلى مستويات عالية، هناك أدب لا يستحق هذا الاسم، كل إبداع يستطيع سبر أغوار النفس البشرية، ورسم أجمل الصور التي تسلب أنفاس القارئ وتدهشه يكون هو الأدب بصرف النظر إن كان كاتبه أنثى أم ذكراً، لأن هذا التصنيف يقلل من شأن كل منهما».

وحول رأيها بالملتقيات الأدبية وما تقدمه للشباب من فائدة تقول: «ملتقيات مهمة، وفرصة لتبادل الأفكار والإبداع بين الشعراء الكتاب وخصوصاً في الوضع الذي تمر به "سورية"، أصبحت هذه الملتقيات متنفساً لكل مبدع لمشاركة أفكاره وهمومه، شاركت بأحدها، فقدمت لي رائحة البيوت العتيقة في "دمشق" وحميمية الأزقة في أبوابها المشرعة للحب والشعر».

أما عن الرسالة التي ترغب بإيصالها من خلال أدبها وكتاباتها، فتقول: «تتلخص رسالتي بتصوير الجمال الذي نسكن فيه ويسكن فينا من خلال الحب، الحب هو سفينة نجاة في زمن الحرب والموت، لا معنى لوجودنا في ازدحام الموت المحيط بنا إلا إذا كانت رسالته الحب والحب فقط».

عن أهمية الموهبة والدراسة الأكاديمية لنجاح الأديب تقول: «الدراسة الأكاديمية وحدها لا تؤدي إلى الإبداع، فهناك شهادات عليا كثيرة معلقة على الجدران، وربما تآكلت بفعل الزمن، والموهبة وحدها أيضاً لا تكفي، هناك موهوبون لم تغادرهم خربشات على أرصفة وجدران الأزقة، الموهبة الفنية قد تكون القابلية لتحويل الواقع إلى وهم جميل والجسد إلى روح، الموهبة قد تجعل من حالم يحاكي أمواج البحر، وهو جالس على شاطئ على الخريطة، لا بد من الموهبة مع دعمها أكاديمياً».

عنها الشاعرة "ليلى مقدسي" قالت: «شابة موهوبة، تمتلك روح الشاعرية وروح الإنسان والمحبة الوفية، إنسانة فيها الكثير، عندها هاجس القراءة والكتابة، أسلوبها وجداني مميز ببساطته، إنها الجمال بشعرها البسيط».

الشاعر "غدير إسماعيل" قال عنها: «تمتلك حضوراً لونياً يشتد بها كلما تأملت صفحة بيضاء، تكتب النثر وكأنها ترسم فتأخذ القارئ إلى أزرقها مبشراً نفسه بمغامرة شيقة، لا تتكئ على الموروث بل تبدع صورها من مستقبل قادم».

  • يذكر أن الشاعرة "صبا قاسم" من مواليد 18 حزيران 1977.
  • من قصيدة "روح":

    "روحي

    صورة محارب قديم

    خرقت الريح معالمها

    ولم يبق منها

    سوى

    يد تحمل العلم

    روحي

    لغة جامعت الفضاء

    فتدحرجت من صرف برقها

    نيازك لك تؤنثها

    تلك النيران المستعرة..".