يعيد "البغجاتية" أهل "الكار" تاريخ صناعة الحلويات الدمشقية إلى بدايات القرن الماضي أيام الحكم العثماني، عندما كان الدمشقيون يتفننون في صنع الحلويات إلى أن نالت شهرة كبيرة لدى الولاة والسلاطين نظراً للمواد الطبيعة الغنية بالنكهة المميزة ولخبرة صانعيها التي توراثتها الأجيال، حيث شهدت في السنوات الأخيرة إقبالاً عالمياً كبيراً بعد أن لاقت استحساناً ورواجاً لدى المستهلك الأجنبي ما دفع لتطوير بعض الأنواع لتناسب كل الأذواق.

eSyria التقى مع صاحب مؤسس أحد مصانع الحلويات في سورية السيد "سامر القصير" الذي يعمل في مجال صنع الحلويات منذ اثني عشر عاماً، ليحدثنا عن صناعة الحلويات وأهميتها في "دمشق"، بالإضافة إلى نجاح مؤسسته في نفس المجال: «صناعة الحلويات في سورية تعود لبداية القرن الماضي أيام الحكم العثماني عندما كان الدمشقيون يتفننون في صنع الحلويات التي يخطبون فيها ود هذا الوالي أو ذاك الحكمدار، فصناعة الحلويات في سورية و"دمشق" تحديداً لها مكانة كبيرة بين الدول المصنعة لها، وهذا يعود إلى أننا ومنذ بداية عملنا في هذا المجال نحاول أن نركز الاهتمام بأدق التفاصيل في صنع الحلويات، وذلك جعلنا نرتقي بسلم النجاح ونصل بإنتاج مؤسستنا إلى الأسواق المجاورة ثم العالمية، إضافة إلى كسب ثقة المزيد من المستهلكين من خلال مشاركتنا بإنتاجنا في المعارض الدولية، فمثلاً ثمة مجموعة نجاحات متتالية كانت وراء حصولنا كأول مؤسسة سورية على شهادة الجودة لعام 2008 الايزو».

لسهولة تسويق منتجاتنا نقوم بصنع بروشورات كل أنواع المنتجات التي ننتجها، كما يأخذ كل منتج رقم كود وصورة للعلبة بحيث يستطيع أي شخص الدخول إلى موقع المؤسسة وطلب الرقم لإنتاجه له

الحلويات السورية لها سمعة طيبة بين دول العالم، وقد حصلت على أرقام قياسية في صنعها، وكانت تجربة سورية لصناعة أكبر علبة حلويات في العالم بطول اثنين وعشرين متراً وعرض متر وعشرين سنتمتراً نابعة من جهود وخبرة السيد "سامر القصير" الذي ترجم حبه للمهنة بأن تكون رحلة الحلويات من "دمشق" إلى "غزة" الفلسطينية تقديراً لصمود الأهل في "فلسطين" المحتلة، من هنا نلاحظ ان الحلويات الدمشقية دخلت مجال المنافسة الدولية والدخول إلى المجال الوطني والقومي».

سامر القصير يشرف على العمال

اللافت في رحلة صناع الحلوى في "دمشق" هو ترجمة حبهم للمهنة بعمل يحمل دلالات وطنية وقومية عميقة، عن ذلك يحدثنا "القصير": «انطلاقاً من إيماننا بأهمية دمج العمل المعيشي مع النضال الوطني والقومي قمنا بتصنيع أكبر علبة حلويات في العالم تزن أكثر من ألف كيلو غرام، بطول 22م، وعرض 120 سم وارتفاع متر واحد، وعندما فتحنا العلبة استخدمنا فيها روافع "ثقالات" حوالي 500 كيلوغراماً، بعملية الضغط ارتفعت السواعد وانفتحت العلبة التي تحتوي 1 طن حلويات، مع العلم أن عملية فتح غطاء العلبة تم بمساعد 63 شخصاً، وعرض هذا القالب في معـرض صناعـــة الحلويــات والمعجنات في فندق "الفورسيزنز" بدمشق بمشاركة عدد كبير من صناع الحلويات والمعجنات في سورية والوطن العربي، وتم إهداؤها إلى الشعب الفلسطيني، وهذا خير دليل على أن صناعة الحلويات في سورية لها عمق وطني وقومي كبير».

في معرض الحلويات الذي أقيم في فندق "الفور سيزنز" وبخصوص تقديم سورية لأكبر قالب حلوى في العالم أكد وزير الصناعة الدكتور "فـؤاد عيسى الجوني" في تصريح صحفي أن: «هذا المعرض هو الأول من نوعه في سورية ويسلط الضوء على صناعة الحلويات في سورية والتي تطورت خلال السنوات القليلة الماضية من حيث النوعية ومن حيث الجودة، هي صناعة نفتخر بها ولكنها بحاجة لتسجيل ملكيتها في معظم دول العالم للحفاظ عليها، الصناعات الغذائية من الصناعات الهامة في سورية وموجودة منذ زمن طويل وهي ثاني صناعة من حيث الأهمية وبالتالي هي ليست هروباً إلى الأمام بل المطلوب تطوير هذه الصناعات كغيرها من الصناعات السورية».

خلال التصنيع

مجموعة من العاملين في المؤسسات المختصة لهم الدور في صنع وتطوير هذه الصناعة التي وصلت إلى دول العالم المختلفة، يتابع السيد "سامر القصير" سير العمل ويشرف على كل خطوة وعلى كل مرحلة بهدف الوصول إلى إنتاج عالي الجودة مستفيداً من تجاربه وخبرات من سبقه في المهنة السورية العريقة ليكون المنتج في علب وفق قياسات تناسب جميع الحالات، هنا وعن موسم التصدير يقول: «موسم التصدير يبدأ في الشهر الرابع من كل عام وينتهي في الشهر العاشر تقريباً، وذلك مرتبط بقدوم فصل الصيف في الدول العربية والأوروبية والأمريكية، كما ينشط التصدير خلال فترات الأعياد الإسلامية "الفطر والأضحى"، والمسيحية "الميلاد ورأس السنة"».

يتابع "القصير": «إننا دخلنا السوق الأوروبية والأمريكية وفرضنا المنتج السوري في هذه الأسواق، وهنا كان علينا الالتزام بإنتاج متطلبات السوق، فمثلاً الدخول للفنادق يلزم صنع علبة 50 غراماً بأشكال معينة، وهكذا بالنسبة للمطار أو الشركات الخاصة، حيث أصبحت لدينا كافة الأشكال والأنواع مع تعدد الفنون في الحلويات، كما أن هذه الأصناف تخضع أيضاً لإدخال تعديلات وتحسينات بغية جذب الزبائن وإرضاء رغباتهم وشد انتباههم إلى أصناف لا يعرفونها، فمثلاً "البلورية" كانت منذ فترة قريبة تصنع بالفستق فقط، أما الآن فقد أصبحت تصنع بالكاجو والبندق واللوز وغير ذلك من المكسرات».

تأتي عملية التسويق والتغليف في صدارة الاهتمامات لتصل البضاعة إلى كافة أنحاء العالم بجودة عالية ومواصفات دقيقة، عن ذلك يخبرنا السيد "عبد السلام القصير" المسؤول عن التصدير في مؤسسة "السلطان" للحلويات: «لسهولة تسويق منتجاتنا نقوم بصنع بروشورات كل أنواع المنتجات التي ننتجها، كما يأخذ كل منتج رقم كود وصورة للعلبة بحيث يستطيع أي شخص الدخول إلى موقع المؤسسة وطلب الرقم لإنتاجه له».

عن تاريخ الحلويات في "دمشق" يحدثنا الحاج "أيوب محي الدين الهاجري" من حي "الميدان": «جرت العادة قديماً أن يطلب الآغاوت والباشوات من أغنياء المنطقة خلال الولائم والعزائم المختلفة إعداد طبق حلوى عبارة عن صينية "كنافة" أو "نمورة" التي اشتهرت في ذلك الزمن بأنها وجبة التحلاية بعد الغذاء، حيث كانت القشطة مادتها الأساسية وهنا كان يجمع "البغجاتي" بين إعداد الطعام وصنع الحلويات».

عن المنطقة التي عرفت بها صناعة الحلويات في "دمشق" يحدثنا السيد "جعفر ابراهيم" صانع حلويات: «إن حي "الميدان" يعد أحد أقدم المناطق في "دمشق" الذي يحتوي على مركز رئيسي لمطابخ الحلويات والمأكولات في سورية، وذلك يعود إلى عشرات السنين، حيث يمتدُّ شارع الحلويات والمسمى المطبخ الشامي الرئيسي في "الميدان" على طول 3كم تقريباً، فتلاحظ أن في هذه المطابخ تصنع أهم أنواع الحلويات التي اشتهرت بها "دمشق" المدينة المعروفة بعراقتها في مجال الصناعات المختلفة، ومن أنواع الحلويات الدمشقية المعروفة، "البقلاوة، المبرومة، النمورة، عش البلبل، الوربات"».

ويذكر رئيس جمعية صناعة الحلويات في "دمشق" السيد "محمد الإمام" أن عدد الحرفيين العاملين بهذه المهنة المنتسبين للجمعية في "دمشق" يبلغ نحو 500 حرفي بينما يبلغ عدد المكلفين مالياً نحو 1000 حرفي.