يقال أن تسمية حي "الشاغور" أتت من قصةٍ نهرٍ سافر بعيداً عن منبعه ليسير في شرايين المدينة العتيقة حتى أطرافها، فأعطى لأحد أعرق أحيائها اسمه.

فمن أين أتى هذا الاسم، وما أصله؟

"الشاغور" هي المنطقة التي تجري من تحتها المياه، فتحت هذا الحي يجري نهر "بانياس" أحد فروع "بردى" السبعة

موقع "eSyria" وجد الجواب عند مختار "الشاغور الجوّاني"؛ "عمر خادم السروجي" الذي التقاه بتاريخ 13/9/2009 في رحلة البحث عن اسم..

عمر خادم السروجي: أبو راشد

وعن ذلك يقول "أبو راشد": «"الشاغور" هي المنطقة التي تجري من تحتها المياه، فتحت هذا الحي يجري نهر "بانياس" أحد فروع "بردى" السبعة».

ولكن كيف يصل هذا النهر إلى حي "الشاغور"؟.

نهر بانياس حيث ينكشف مجراه بين تمثال صلاح الدين، وحائط قلعة دمشق

«يتفرع نهر "بانياس" عن "بردى" في منطقة "الربوة"، ويسير بموازاته مروراً بمدينة المعارض القديمة، وصولاً إلى المنطقة المحاذية للمتحف الوطني من الجهة المقابلة لمدرج جامعة "دمشق"، ومازال مكشوفاً في هذا المكان، ثم يدخل إلى التكية "السليمانية"، ويتابع مسيره إلى جامع "الميلوية"، فجامع "تنكز" في شارع "النصر" وصولاً إلى ما يعرف حالياً بسوق الكهرباء، وكان النهر مكشوفاً على طول هذا المسار قبل 30 عاماً تقريباُ، ثم يدخل إلى قلعة "دمشق" ويظهر بوضوح بين حائط القلعة وتمثال "صلاح الدين الأيوبي"، وبعد مروره تحت سوق "الحميدية" يدخل نهر "بانياس" إلى حي "الشاغور" من نزلة حمّام "القاضي" في شارع "مدحت باشا"»...

ويؤكد "أبو راشد"على الفارق بين "الشاغور الجوّاني" و"البراّني" فالـ"جوّاني" هو أصل حي "الشاغور"، ويقع ضمن الحدود التاريخية لــ"دمشق" أي داخل سور المدينة، في حين أن "الشاغور البراّني" يقع خارجه، ويفصل بينهما شارع "البدوي"، والصف الأيسر منه يمثل حدود الحي "الجوّاني" ومازال بعض أجزاء سور المدينة القديمة تظهر بوضوح في هذه المنطقة بين البيوت.

برج للتحصينات العسكرية على سور مدينة دمشق في منطقة السنانية

ويرسم "المختار" لــ "eSyria حدود "الشاغور الجوّاني" فهو يبدأ من الصف الأيمن لسوق "الحميدية" - إذا أخذنا الاتجاه الذاهب إلى الجامع الأموي – في حين أن القسم الأيسر للسوق يتبع للــ"بحصة، والسنجقدار"، ويحده من الغرب منطقة "السنانية" -بين سوق "الحميدية" وساحة باب "الجابية"- وتمتد الحدود الغربية للحي إلى نهاية الصف الأيسر من السوق المسقوف "الفرواتية" وصولاً إلى شارع "البدوي" الذي يحّد "الشاغور الجوّاني" من الجنوب انتهاءً بــ "مصلبة الشاغور"، بينما يحدّه من جهة الشرق حي "مئذنة الشحم" أحد أحياء منطقة "القيميرية"، وتبدو الحدود واضحة بين الحيين في منطقة "الدقاقين" باتجاه شارع "مدحت باشا" فالصف الأيسر "شاغور"، والصف الأيمن "مئذنة الشحم".

وماذا عن حارات "الشاغور الجوّاني"، وأصل تسمياتها؟

يقول "أبو راشد": «يضم "الشاغور الجوّاني" عشر حارات أساسية تقترن باسمها خانات سكان الحي في سجلات الأحوال المدنية لمدنية "دمشق"، وهي؛ "مبلط، عامود، قاضي، مرستان، منجدين، برغل، الخضيرية، الياغوشية، الصوف، المنجدين".

أما الــ"مبلط، وسيدي عامود، والقاضي، والمرستان، والمنجدين" فتمثل بمجموعها ما يعرف اليوم بمنطقة "الحريقة"، حيث احترقت بفعل القصف الفرنسي لحي "الشاغور" في مواجهة الثورة السورية الكبرى سنة /1925/، ولاتزال قيود عائلات تلك المنطقة محسوبة على حي "الشاغور الجوَاني" إلى الآن، فالــ"شاغور" و"الحريقة" حي واحد من "الدرويشية" لسوق "الصاغة"، ومن شارع "مدحت باشا" إلى سوق "الحميدية"».

وعن أصل تسمية هذه الحارات، وموقعها بالنسبة لحي "الشاغور الجوّاني" يتابع "المختار"قائلاً:

«يروى أن "سيدي عامود" هو ولي من أولياء الله الصالحين مدفون في جامع صغير تنتسب إليه هذه الحارة، ونصل إليها من زقاق صغير بين سوق "الحميدية" وسوق "أروام"، وكانت من أفخم وأغنى حارات "دمشق" القديمة، ومنها خرج "شكري القوتلي" أول رئيس للجمهورية العربية السورية في عهد الاستقلال.

أما الـ"مارستان" فسميت بهذا الاسم نسبة إلى بيمارستان "النوري" الذي مازال موجوداً في هذه المنطقة، وكلمة "مارستان" كلمة تركية تعني؛ مستشفى المجانين – الأمراض النفسية- أو "القصير".

و"القاضي": اسم حارة تمتد من شارع "مدحت باشا" إلى المنطقة المقابلة لسوق الصاغة، حيث يوجد منفذ صغير إلى الشارع بعد سوق القطن فيه نزلة صغيرة فيها حمّام عرفه الناس باسم "حمّام القاضي" نسبة إلى أحد قضاة "دمشق".. الحمّام لا يزال موجوداً لكنه مغلق منذ زمنٍ بعيد.

"برغل": نسبة إلى زقاق "البرغل" ويبدأ من ساحة "باب الجابية" بموازاة "السنانية".

"الخضيرية": تنتسب إلى أحد الأولياء الصالحين، واسمه "قطب الدين الخضيري" له قبر ضمن جامع يحمل نفس الاسم في هذه الحارة.

"الياغوشية": نسبة إلى والي تركي اسمه "ياغوث باشا" له جامع باسمه في هذه الجادة.

"السجن": نسبة إلى طاحونة كانت على نهر "بانياس" تطحن القمح لسجن قلعة "دمشق"، ومكانها معروف إلى الآن ويوجد فيه الآن محل ألبسة.

الـ"صوف": نسبة إلى سوق الصوف، ويبدأ من "الخضيرية" وينتهي بسوق "الشماعين".

الـ "مبلط": ينتسب إلى السوق المبلط؛ شارع "مدحت باشا".

والــ"منجدين": نسبة إلى مكان تواجد "المنجدين" الذين يشتغلون بمهنة تنجيد اللحف والفرش، وذلك في الصف الثاني من منطقة "الحريقة" على مقربةٍ من سوقي القطن والصوف».

و للـ"الشاغور الجوّاني" أبوابه كما لكل حارات "الشام".. "عمر خادم السروجي"؛ "أبو راشد" عدّد لنا منها بابين خارجيين يقعان على سور المدينة أولهما الـ"باب الصغير" أصغر أبوابها ومازال موجوداً إلى الآن، ويقال أن "يزيد بن أبي سفيان" دخل منه عند فتح "دمشق"، وثانيهما باب "النصر" بالقرب من مدخل سوق "الحميدية" حيث ينكشف جزء من السور القديم للمدينة عند السلالم الكهربائية الموجودة الآن.

أما الأبواب الداخلية للحي فذكر منها باب "زقاق البرغل" الذي لايزال موجوداً إلى الآن، وآخر في دخلة "الخلاصي" ، وتحدّث لنا عن باب في منطقة "الياغوشية" غير موجود الآن، لكن يمكن ملاحظة أثاره بوضوح كالإطار أو القنطرة الحجرية التي تعلو الباب.