هي أبنت سنابل القمح الذهبية التي ما زالت الطبيعة تمايل حباتها الخضراء متراقصة في حقول حرثها الفلاح بيديه وزرعها بروحه وسقاها من عرقه وحصدها مبتسماً، كأنه جنا الذهب بعد جهد وتعب، يكدسها أكواماً تفوح منها رائحتها المباركة.

غاليةً هي باهميتها وقيمتها وضروريتها فهي المسجلة حصرياً في قائمة المأكولات وبلدنا سورية هي أفضل من يجعل منها الأطباق الفاخرة على مائدة الطعام، لجودة قمحها وأمانة إنتاجها وتقديمها ونكهتها الخاصة، وللصعوبة البالغة في استخلاصها وبذل الجهد الكبير لتجهيزها يدوياً.

بالنسبة لنا أكلة "الفريكة" من ألذ الأكلات وأطيبها، لكن البعض يلجأ إلى غشها وذلك بخلطها مع مادة "البرغل" الخشن، وكما يقول المثل الشعبي "أكلة الفريك ما بتحب الشريك" أي أنها لا تخلط مع أي شيء آخر

موقع esyria بتاريخ 22/8/2009، التقى الشاب "فادي الشعار" الذي حدثنها عنها بقوله: «"الفريكة" هي أكلة تراثية شعبية قديمة، كانت ومازالت تعتبر أفخر وأطيب الأكلات الدمشقية، طبعاً هي حبات القمح أو كما يسميها البعض "الحنطة" التي تزرع سنوياً في سهول "الجزيرة" و"حوران"، والقمح في بلدنا يعتبر من أجود أنواع القمح في العالم».

الشاب "فادي الشعار"

وعن طريقة استخلاص "الفريكة" من القمح قال: «يتمُّ حصد القمح وهو ما يزال سنابلاً، وذلك عندما يكون في مرحلة وسط ما بين الأخضر واليابس، فيكوَّم في بيادر بحيث تكون حبة القمح ما تزال مخبأة في قشرتها لا يابسة ولا خضراء، فتحاط بيادر القمح المحصود ببعض القشر وتوقد النار به، حتى تشوى حبات القمح وتحترق قشرتها وتتساقط على الأرض، ثم تجمع وتغربل جيداً وتفصل عن القشر المحروق، يلي ذلك المرحلة الثانية وتسمى "الفرك" وهي فرك القمح حتى تفصل الحبة عن كل ما يعلق بها من قشور وخلافه، وتبقى حبات القمح نظيفة وسليمة ويبدو عليها اللون الأخضر الخفيف المحروق، وتفوح منها رائحة القمح المشوي، وبعد هذه الخطوات كان أجدادنا يضعون حبات القمح المشوية في حجر "الرحى" (الجاروشة) وتدار حتى تتكسر بعض الحبات دون أن تهرس وتكون بذلك حبوب الفريكة جاهزة للاستعمال. حالياً توجد بعض الآلات التي سهلت الأمر كثيراً واختصرت الوقت في تجهيزها، لكن استخلاصها يدوياً أطيب وألذ وذات نكهة مميزة».

وعن أنواع "الفريكة" أضاف: «عندنا الفريكة في سورية لا يعلى عليها أبداً، ويوجد أنواع متعددة منها أفخرها يسمى "الصنوبرية" التي يكون لونها مائل إلى الأخضر وهذه تأتينا من سهول الغاب، أما في السوق فهناك نوع أول وهو الذي يتمُّ تجهيزه في العام نفسه، أما إذا مضى عليها عام سميت نوع ثاني، وقديماً وحديثاً لا يوجد في "دمشق" أكلة أفخر ولا أكثر وجاهة من تقديم أكلة "الفريكة" لأنها أفخر ما يقدم بالمناسبات مثل الأعراس والعزائم في البيوت».

الفريكة بالدجاج

وبالنسبة لطريقة طهيها قال: «تطبخ "الفريكة" بعدة أشكال، وطريقة إعدادها تحتاج إلى خبرة ومهارة ونفسٍ في الطبخ، وطريقة إعدادها باختصار، هي أن تطبخ بعد غسلها عدة مرات حتى تتخلص من الأتربة إن وجدت، أو كما يسميها النساء عندنا "تصويل" وتضاف إليها السمن العربي وتحرك وتقلب جيداً، ثم تغمر "بمرقة" اللحم المسلوق ويضاف إليها الملح والتوابل وعندما تنضج تسكب ويوضع على وجهها قطع اللحم وتوزع عليها المكسرات مثل اللوز والصنوبر».

وتابع السيد "فادي الشعار" حديثة بقوله: «الكثير من السيّاح والزائرين يفضلون تناول طبق "الفريكة" لشهرة سورية بإعداده، وتعتبر عندنا غالية الثمن نوعاً ما، ربما لصعوبة إعدادها واستخلاص حباتها، حيث يباع الكيلو الواحد ما بين 90 إلى 120 ليرة».

حبوب الفريكة

السيدة "فلك المعصارني" حدثتنا عن "الفريكة" بقولها: «هي من أطيب ما يقدم على المائدة في "الشام وحلب"، وهي مفيدة جداً للصحة والجسم، وغذاء متكامل لأنها مصنوعة من القمح الطري الذي لم يجف بعد، حيث نقدّمها في المناسبات لأنها تدل على الكرم والطعام الفاخر».

أما السيدة "منى البغدادي" فقالت: «بالنسبة لنا أكلة "الفريكة" من ألذ الأكلات وأطيبها، لكن البعض يلجأ إلى غشها وذلك بخلطها مع مادة "البرغل" الخشن، وكما يقول المثل الشعبي "أكلة الفريك ما بتحب الشريك" أي أنها لا تخلط مع أي شيء آخر».