استطاع "يسار الحبش" التغلب على ظروف الأزمة التي أفقدته عمله، والنهوض من جديد لإطلاق مشروع من روح عمله السابق، لكن بملامح تراثية، حيث أصبح يصنع التحف الخشبية التراثية الكبيرة الحجم بأسلوب فنّيّ.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 21 حزيران 2018، مع "يسار الحبش"، فتحدث عن حياته وعمله قائلاً: «نشأت في أسرة ميسورة الحال في "الميدان"، وورثت العمل بالأخشاب من والدي الذي كان تاجر أخشاب، كما عملت وإخوتي معه أيضاً في تجارة الأخشاب منذ الثمانينات، وأخذنا منه الصفات الحسنة والعمل الدؤوب في هذا المجال، ولم تكن لديه كلمة مستحيل في العمل حتى لا يكون هناك فشل وليضمن لنا النجاح، فقد كان العمل جيداً وعجلة الاقتصاد تسير ومقومات العمل متوفرة كالبضائع واليد العاملة؛ وهو ما جعلني في سعي مستمر لتوسيع نطاق العمل، لكن الأزمة أعادت عملي إلى الصفر، حين احترقت المنشأة (مستودعات الأخشاب) مع بداية الأزمة عام 2012، والتهم الحريق محتويات المنشأة كافة؛ وهو ما جعل العمل يتراجع ويكاد ينعدم».

أعرفه منذ خمسة وعشرين عاماً، ولم أكن أعرف عن عمله الفنّيّ المبدع إلا في السنوات الأخيرة الماضية، أبهرتني المجسمات التي يقوم بتصميمها ببراعة وجمال بالتنفيذ وابتكار الأفكار الخلاقة، كما تتحدث أعماله الفنية -الفريدة من نوعها بالفكرة والتصميم- عنه وعن أصالته وتمسكه بالتراث الذي يجسده في لوحاته الكبيرة، وتدل تلك الأعمال على شخصيته وإحساسه المرهف، وتتسم بروح إبداعية فنّيّة

بقايا الأخشاب المحروقة لم تقف عائقاً بطريق عمله، بل زادته إصراراً على العمل والاستمرار، ويقول: «بعد الحريق ساءت الأحوال، ولم يبقَ سوى بقايا أخشاب محروقة، لكن ذلك لم يكن النهاية بالنسبة لي، بل كانت نقطة البداية للعمل والإصرار بظروف مختلفة فرضها الواقع المؤلم، لكن العودة إلى العمل استغرقت سنوات، وكانت البداية لملء الفراغ الذي سببته الكارثة حينئذ وكبدتني أضراراً مادية كبيرة تجاوزت عشرات الملايين، ثم اعتمدت في أعمالي الخشبية نموذجاً مختلفاً ومزجت التراث والفن ليعطي العمل أو اللوحة قيمة جمالية لافتة، وهناك بعض الأعمال استوحيتها من بقايا الخشب المحروق، فحين نظفتها وجدت فيها لون الماضي القديم واستخدمتها بشكلها الطبيعي من دون استخدام الزيوت والملونات وأعطت شكلاً فنياً، ثم عدت إلى العمل أواخر عام 2016، ومشروعي في خطواته الأولى والعمل يتزايد تدريجياً وبانتظار الجهات الرسمية لإعادة تأهيل وترميم ما أفسده المخربون».

أحد أعماله

وعن التراث والأصالة في أعماله، يقول: «في مرحلة الشباب كنت أقوم بزيارات سياحية لبعض المواقع الأثرية، كالقلاع السورية "حلب" و"الحصن" و"صلاح الدين" وآثار "تدمر" ومدرج "بصرى"، ومنذ ذلك الحين شعرت بوجود رابط بيني وبينها، وعاد ذلك الرابط في سنوات الأزمة والفراغ الذي أحدثته في حياتي العملية، فوظفت أعمالي الخشبية لإحياء التراث بالفنّ والحفاظ عليه من خلال تصميم جدران وبحرات وأبواب لها رمزيتها وأهميتها التاريخية، وهناك حضور لأحياء وحارات "دمشق" القديمة في أعمالي؛ وهو ما يجعلني أساهم في إحياء التراث الدمشقي بأسلوب فنيّ، وخاصة الحارات التي كنت أتجول فيها».

وعن آلية عمله يتحدث "يسار الحبش" قائلاً: «أدخلت إلى أعمالي المتنوعة الخيال والواقع، واعتمدت اللوحات الكبيرة التي تأخذ الجهد والإحساس لتشكل لوحات فنية وأجمعها من خلال البراغي وأرقام معدنية لتسهيل عملية الفك والتركيب ونقلها، وهذه الأعمال غير مخصصة لوضعها في المنازل بسبب أحجامها الكبيرة، وإنما تستخدم لوضعها في أماكن عامة مخصصة للزوّار ومحبي هذا النموذج من الفنّ التراثي، ومن تلك الأعمال: باب الحارة الدمشقي، بحرة مثمنة الأضلاع، باب ديكور (باب القيشاني)، وجدار سفينة نسجت من خلاله لوحة جمعت "دمشق" والساحل السوري، إضافة إلى جدار مسجد، وغيرها من الأعمال، وبذلك سيصبح المردود الاقتصادي للمشروع أكبر، كما كان لإدارة هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة الدور في دعمي للمشاركة في معرض "دمشق" الدولي 59».

من وحي دمشق القديمة

مهندس الديكور "عمر الحايك" يقول عن "يسار الحبش": «أعرفه منذ خمسة وعشرين عاماً، ولم أكن أعرف عن عمله الفنّيّ المبدع إلا في السنوات الأخيرة الماضية، أبهرتني المجسمات التي يقوم بتصميمها ببراعة وجمال بالتنفيذ وابتكار الأفكار الخلاقة، كما تتحدث أعماله الفنية -الفريدة من نوعها بالفكرة والتصميم- عنه وعن أصالته وتمسكه بالتراث الذي يجسده في لوحاته الكبيرة، وتدل تلك الأعمال على شخصيته وإحساسه المرهف، وتتسم بروح إبداعية فنّيّة».

يذكر أن "يسار الحبس" من مواليد "دمشق" عام 1962.

عمر الحايك