بشخصيته الاستثنائية التي تجمع ما بين الإخلاص للطب وتدريسه، والإبداع الشعري، استطاع الدكتور "بيان السيد" أن يكوّن لنفسه شخصية استثنائية لها عدة جوانب تميزها.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 28 نيسان 2018، مع الدكتور "بيان السيد"، فقال: «في البداية لعل الدخول في المجال الطبي حلم يدغدغ خيال كثيرين من الأطفال، ومجتمعنا من المجتمعات التي تحمل تقديراً للرواد الأوائل الذين دخلوا مجال الطب، وما زال اللقب الدارج للطبيب هو (الحكيم). وتداخل هذه العوامل مجتمعةً قد يوجه الشخص نحو مجالٍ بعينه، وكان الدخول في الميدان الطبي نتيجة الرغبة الطفولية الفردية والدفع المجتمعي، تخرّجت في جامعة "دمشق" عام 2000، وكانت الرغبة بمتابعة الاختصاص في الجراحة العامة قد تبلورت في سنوات الدراسة السريرية؛ وهذا ما كان، أنهيت اختصاص الجراحة العامة عام 2004، وسافرت بعدها موفداً إلى "فرنسا" للحصول على الدكتوراه في العلوم الجراحية والتشريح، وعدت إلى جامعة "دمشق" عام 2011، وما زلت مدرّساً لمقرر التشريح فيها، ومشرفاً في قسم الجراحة في مستشفى "الأسد" الجامعي، وخلال تجربتي التدريسية المتواضعة منذ عودتي من الإيفاد، أشعر بفخر وسعادة بتدريس نخبة طلاب "سورية" الذين قرروا متابعة الطريق الطبي على الرغم من صعوبته، ولعل سنوات الأزمة زادت من وعيهم، وصقلت جوهرهم أكثر، وأظهرت ما يحملون من محبة للعلم ورغبة بالمعرفة والتحصيل، ولا ننسى أنه ومنذ 3 سنوات بدأ تطبيق السنة التحضيرية للعلوم الطبية؛ وهو ما ساهم ببلورة خيارات الطلبة وتحديد قدراتهم بأسلوب موضوعي، فكانت المجموعة التي تتابع دراسة الطب البشري من أكثر الطلبة شغفاً بالطب ورغبة بمتابعة السير في دربه، وهناك العديد من الصعوبات والمعوقات؛ بعضها فرضته الأزمة وبعضها الآخر من المعضلات المزمنة التي ترافق دراسة الطب في وضعنا الحالي. أظنّ أن العدد الكبير الذي تقوم الكليات الطبية باستيعابه يعدّ الصعوبة الأكبر؛ فقد تضاعف عدد الطلاب مع بعض النقص في الكادر التدريسي وثبات في البنية التحتية؛ وهو ما كوّن ضغطاً كبيراً على كل من الطلبة والمدرسين، ومع ذلك فالإمكانية موجودة للتدريب العالي المستوى في المرحلة قبل السريرية والسريرية إن كان الطالب راغباً ومتابعاً ومجداً، وعلى الرغم من الظرف الاستثنائي الذي مر على جامعاتنا، لم تتوقف العملية التدريسية، بل استمرت وأثبتت أن طلاب "سورية" جنود أيضاً، قدموا الشهداء ولم يبخلوا بالجهد والعلم ليكون المستقبل أفضل. ولأن مسيرة الطب طويلة، فلكل مرحلة صعوباتها ومعوقاتها، فبعد التخرج نواجه صعوبات الاختصاص ونوعية الحياة فيها والضغط الجسدي والنفسي، وبعد الاختصاص يجد الطبيب صعوبة في التأسيس لحياته العملية الخاصة مع تكاليف مرهقة للتأسيس في بعض الاختصاصات».

الدكتور "بيان السيد" قامة وطنية وعلمية كبيرة، يتميز بكونه مجد ومتابع دائم لكل التفاصيل، ويضع في أولوياته تطوير التعليم وإيصال كل جديد لطلابه، ويملك الكثير من المحبة والاحترام من طلابه وزملائه في الكلية

وعن مشروع ترجمة أهم كتاب في التشريح، يكمل: «تفتخر الجامعات السورية بتدريسها للعلوم الطبية باللغة العربية منذ أكثر من قرن، ولأن لغة العلم العالمية حالياً هي الإنكليزية، وجب على الباحثين والمترجمين الحرص على نقل أمّات الكتب إلى اللغة العربية لتيسير التعلم على طلبتنا وتمكينهم من الوصول إلى المعلومة الأوضح بالوقت الأنسب وبالشكل الأجمل. ومنه كانت مبادرة من مجموعة من الطلبة بترجمة مرجع التشريح، ولعل تجربة ترجمة مرجع Grays Anatomy، الذي يعد أحد أهم مراجع التشريح من التجارب المميزة التي سعدت بالعمل فيها مع مجموعة مجدة من الطلبة المتطوعين (خمسون طالباً)، وقد استمر العمل في هذا المشروع عامين كاملين مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف الطلبة وامتحاناتهم، ولعل سبب نجاح المشروع هو الآلية الهرمية التي تم العمل بها، فالمرجع عبارة عن 1200 صفحة، وهو كان بمنزلة حلم لأي شخص أن يتوفر باللغة العربية بنوعية عالية ودقة علمية مع ضبطٍ بالشكل ودقة لغوية وإخراج لافت، وكانت العملية معقدة لوجستياً، وتطلبت وجود منسق عام، فقد كان فريق الترجمة منظماً بآلية هرمية؛ فكل مترجِمَين يشرف عليهما مدقق أول، وكل مدققين يشرف عليهما مدقق ثانٍ، وهكذا ليصبح القسم الذي يترجم مدققاً أربع مرات، وبخطٍ موازٍ كان يوجد فريق لترجمة صور المرجع، وكان هناك تنسيق بين المترجمين والمدققين فيما بينهم؛ لتفادي الأخطاء في الترجمة، وتجدر الإشارة إلى أننا وعلى الرغم من اعتزازنا بتدريسنا بلغتنا الأم، يجب إيلاء اللغة العلمية الأجنبية كل الاهتمام، ويستطيع طالبنا ببعض الجهد وقليل من المتابعة أن يكون ثنائي اللغة العلمية بالكامل».

الدكتور "بيان" برفقة عدد من طلابه

وعن الجانب الأدبي في شخصيته، يضيف:«كبرت ضمن أسرةٍ محبةٍ للأدب والشعر، وكان أثر البيئة كبيراً في تبلور المَلَكة الشعرية وصقلها، فقد بدأت كتابة الشعر منذ الصغر، وأصدرت أربع مجموعات شعريةٍ، أولها عام 1999 بعنوان: "عذراً عذرية أشعاري"، والمجموعة الثانية في عام 2004 بعنوان: "الموطن المهجور"، والمجموعة الثالثة في عام 2013 بعنوان: "وإليك أرجع"، والمجموعة الأخيرة في عام 2017 بعنوان: "بقاء". ولعل المحطة الأهم والأقرب إلى قلبي هي أمسية "بقاء" التي أقيمت في دار الأوبرا في أيار 2016 بمشاركة عزف العود والغيتار، التي قدمت تجربة المشاركة الشعرية الموسيقية فيها شكلاً فنياً ساهم بوصول الكلمة بالشكل الأفضل إلى الجمهور، هذا ويحمل عنوان كل مجموعة بعض التوثيق لمراحل مختلفة مرت قبل السفر بقصد التخصص وبعد العودة إلى الوطن وقرار البقاء طوعاً فوق ترابه لرد جميله وإشعال الشموع في ليله، والعمل ليكون الغد القادم لأبنائه أجمل وأصدق وأنقى. أما عن توظيف الشعر بمجال الطب، فالعلم الذي أقوم بتدريسه وهو علم التشريح علمٌ يحمل كثيراً من الجمال والمتعة، وفي الوقت نفسه فيه الكثير من المسميات التي يجب حفظها عن ظهر قلب، وتوجد عدة طرائق لتسهيل الحفظ ومنها استخدام المترادفات اللغوية والسجع لتمكين الذاكرة من استرجاع المعلومة بطريقة أسرع؛ وهو ما ندعوه mnemonic؛ أي مساعدة الذاكرة، ومن حسن حظنا وجود الشعر العربي باللغة التي ندرس فيها وما يحمله الشعر من وزن وقافية تسهلان الحفظ كثيراً، واستخدام الأراجيز الشعرية في ألفيات تراثنا مثالٌ كبيرٌ وما زال حياً، ففي مثال بسيط في بيت الشعر هذا:

"وإلى العلى مرَّ السفيه بسيّدٍ

جلد التخلف بالحياء... فبوركا"

يمكن تذكر أسماء الأعصاب الصادرة من الضفيرة العجزية مع أرقام الجذور العجزية المشكلة لها».

وعن الدكتور "بيان" تقول الطالبة "شذا سليمان"، وهي إحدى طالباته في كلية الطب البشري بجامعة "دمشق": «الدكتور "بيان" يتميز بكونه معطاءً، يمتلك أساليبه الخاصة في التدريس، فيوظف لنا الشعر في سبيل توضيح الفكرة وتسهيلها، كما يستخدم تقنيات في الصور والفيديو للغرض ذاته، فتغدو بذلك الفكرة المعقدة بسيطة وسهلة الفهم علينا كطلبة، كما أنني تابعت عدة مقتطفات مصورة من أمسياته الشعرية، وأعجبت بصدق بكلماته وأسلوبه المتزن في الإلقاء، فنحن فخورون لكوننا طلبة لدى دكتور جامعي يحمل في شخصيته هذا الكمّ من التميز؛ وهو ما يجعلنا نرى فيه مثلنا الأعلى وقدوتنا».

عازف العود "جميل وزير" والذي رافق الدكتور "بيان" في العديد من أمسياته عنه يقول: «الحالة التناغمية بين الموسيقا وشعره كانت مميزة، فالعزف المرافق للشعر يجب أن يساهم معه في توصيف الكلمة عن طريق اللحن وتجسيد المعنى، وبالتالي يتطلب مجهود لإيصال الصورة الصحيحة المراد إيصالها من خلال الكلمات، وكعازف عود لحنه يرافق القصائد، فقد كان يصلني إحساس الدكتور "بيان" وحالته النفسية وانفعالاتها أثناء القراءة، وهذا ما كان يدفعني لأقوم بتأليف موسيقا خاصة تجسد كل كلمة كما يجب أن تجسد».

أما الدكتور في كلية الطب "علي عمار" عنه يقول: «الدكتور "بيان السيد" قامة وطنية وعلمية كبيرة، يتميز بكونه مجد ومتابع دائم لكل التفاصيل، ويضع في أولوياته تطوير التعليم وإيصال كل جديد لطلابه، ويملك الكثير من المحبة والاحترام من طلابه وزملائه في الكلية».

يذكر أن الدكتور "بيان" من مواليد "دمشق"، عام 1977.