لم تكن الكتابة في حياته مجرد قلم يخط حبره فوق الورق، بل كانت بمنزلة حياة، استطاع من خلالها تصوير كل تفاصيلها بالكلمات، فحظيت بالصدق، وسكنت كل قارئ لها.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 نيسان 2018، تواصلت مع الكاتب "محمد خير الدين النشواتي"، ليحدثنا بالقول: «بدأت قصتي مع الكتابة عندما كنت في الصف الخامس، وكنت أقدم وظيفة التعبير، فيعطيني المعلم علامة سبعة من عشرة، استمر الرقم 7 يلازمني لثلاثة أشهر، وكانت تغيظني كثيراً وتحثني على العناية والإتقان وتجويد الخط، حتى أتى اليوم الذي أخذت العلامة التي كنت أطمح إليها، وعلمت بعد حين أن المعلم كان يتوسم فيّ الخير؛ فكان يستحثني على القراءة والكتابة والإجادة أكثر لأنه رأى فيما أكتب شيئاً مميزاً.

تضمنت قصص تلك السلسلة إضافة إلى المتعة والتسلية آداباً عامة، وأحداثاً تاريخية وحقائق علمية بسياق مشوّق، والكثير من الأماكن التي جرت فيها المغامرات الحقيقية والموجودة على أرض الواقع

حالت الظروف بيني وبين إتمام دراستي الجامعية في كلية الزراعة، ودخلت سوق العمل، وعملت في مكتب للسياحة والسفر مدة وجيزة، ثم تركته عندما أتيحت لي الفرصة لأدخل عالم النشر من أوسع أبوابه، وهكذا أصبح الكتاب كل حياتي، عملت في فرع لمؤسسة لبنانية للنشر ثلاث سنوات مكّنتني من قراءة الكثير من الكتب، فقد كان لزاماً على من يعمل في الكتب أن يعرف ماذا يوجد في كتبه، وشاركت من خلال عملي في الكثير من معارض الكتب، فتمكنت من قراءة المزيد من الكتب التي لا تتوفر في "سورية"، وتوطدت علاقتي بكبار الكتّاب والناشرين السوريين والعرب، وفي عام 1986 أسست مكتبتي الخاصة "دار المعاجم للطباعة والنشر والترجمة والتوزيع"، التي أصبح اسمها فيما بعد "دار أجيال للطباعة والنشر"، تخصصت في بيع الموسوعات والمعاجم والقواميس وترجمة وطباعة كتب الحاسوب وأمّات الكتب والمراجع الطبية، لكن كنت ما أزال أبحث عن شيء آخر يعيدني إلى ذاك الزمان الجميل، طفولتي التي تذكرتها عندما رزقت بابني "أنس" في عام 1983، فبدأت ترجمة وطباعة العديد من سلاسل وكتب الأطفال، فطبعت "مغامرات في غابة الصنوبر، وتوم وجيري"، وغيرهما، نجحت تجربتي مع الأطفال، فأصبحوا أصدقائي ينتظروني من عام لآخر عندما كنت أشارك في المعارض العربية، وحثني ذلك على المزيد، فألفت سلسلة تعليمية لرياض الأطفال بعنوان: "أحب أن أتعلم"، ونشرتها بالتعاون مع دار "المنار" للنشر، كما أعددت وصممت أكثر من مئة لوحة تعليمية للأطفال واليافعين لجميع المراحل التعليمية، وكما سمح لي تخصصي في المعاجم والدوريات بالتقاء كتّاب ومستشرقين أجانب، سنحت لي فرصة العمل بكتاب الطفل بالالتقاء بكتّاب مرموقين كـ"موفق سليمة"، و"عبد التواب يوسف"، ورسامين ناشئين للأطفال أصبحوا اليوم من المشاهير، منهم الصديقان "أيمن الدقر"، و"سرور علواني" وتوطدت علاقتي بهما، وقدم لي أحد الأصدقاء كتاباً مترجماً للنشر بعنوان: "الكتابة للأطفال واليافعين" للكاتبة المشهورة "لي ويندهام"، قرأته كما كنت أفعل في كل الكتب التي تعرض عليّ للنشر، وأعدت ترجمة بعض فصوله ودققته، وأثناء مراجعتي له استوقفتني عبارتين في مقدمته: (في الواقع أنت بدأت بالخطوة الأولى فعلاً! إذ إن رغبتك في الكتابة للأطفال قادتك لقراءة هذا الكتاب!)، (هناك الكثير مما يجب تعلّمه للدخول في هذا المجال، فإن شعرت بالكفاءة وحب الكتابة وكنت تمتلك الموهبة الضرورية لهما، فتعلّم وستستطيع فعل ذلك، فقط أمسك القلم وابدأ الكتابة)، وضعت الكتاب جانباً وأسرعت إلى مكتبتي في البيت، وأخرجت قصة من ثمانين صفحة كانت أول مغامراتي في الكتابة لليافعين كتبتها في المرحلة الثانوية، أعدت كتابتها مرات ومرات مستفيداً من هذا الكتاب العظيم قبل أن أقرر أن الوقت قد حان لتخرج أول قصة لي إلى النور، ومع أنها لم تلقَ الرواج المأمول -لأنها كانت قصة يتيمة بين العشرات من الكتب العلمية- إلا أن تشجيع الأصدقاء ونقلهم لمشاعر أبنائهم وهم يقرؤون القصة كانا كافيين لتشجيعي على الاستمرار، كنت أقرأ في كتاب "لي ويندهام"، فاستوقفتني عبارة أخرى بعثت فيّ الأمل من جديد، وشجعتني كلماتها على الاستمرار في الكتابة، فأتممت خمس قصص من السلسلة نفسها، هي: "المزرعة الغامضة، جزيرة الشيطان، الدمية الناطقة، سرالمشعوذ"، وكتبت مسودة قصتين أخريين، هما: "مغامرة في تل مرديخ، العقرب الذهبي"».

أحد أعماله بعنوان: "لغز البيت المهجور"

يضيف: «تضمنت قصص تلك السلسلة إضافة إلى المتعة والتسلية آداباً عامة، وأحداثاً تاريخية وحقائق علمية بسياق مشوّق، والكثير من الأماكن التي جرت فيها المغامرات الحقيقية والموجودة على أرض الواقع».

يكمل: «لم تكن الكتابة للأطفال واليافعين هواية فحسب، بل كانت هماً ورسالة، وكنت أتطلّع للمزيد، وكان لي مؤخراً مع الصديق العزيز الأستاذ "حسين الإبراهيم" الذي تربطني به صداقة تعود إلى الثمانينات والصديق الفنان "رامز حاج حسين" شرف المشاركة في تأسيس مجلة "المهندس الرقمي الصغير" مع "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية"، التي تبنت فكرة المجلة ورعتها ومولتها وطبعتها ووزعتها مع مجلة المعلوماتية الرائدة في علوم الحاسوب والتقانة، كتبت للمجلة العديد من القصص، ولقيت المجلة استحساناً ونجاحاً فاق توقعنا، وما زالت تصدر حتى اليوم، لقيت فكرة العمل بروح الفريق في المجلة تجاوباً ونجاحاً، ففكرنا بكتابة وصناعة مسلسل رسوم متحركة للأطفال واليافعين يواكب فكرة المجلة، فكان مسلسل الرسوم المتحركة الهادف "نايا وهمام"، فكتبتُ للمسلسل ثماني قصص وسيناريوهات، وقد أنجزت منه عشر حلقات حتى الآن، وننتظر عرضه عبر التلفزيون العربي السوري قريباً جداً، وصدر لي مع دور نشر محلية وعربية عدة قصص.

كما أنجزت سلسلة قصص: "البنون والمال"، وهي تُعلِّم الأطفال واليافعين كيف يتعاملون مع المال وكيف يستخدمونه وكيف يستثمرونه بأسلوب ممتع ومحبب، وهناك عدة سلاسل تنتظر الانتهاء من الرسوم والإخراج الفني لطباعتها قريباً، وهي: "غابة الصفصاف" في خمس عشرة قصة، "سلسلة يوم في حياتي" وهي في أربع قصص، سلسلة "نبي الرحمة"، وهي في اثنتي عشرة قصة، سلسلة "أجمل القصص": وهي في تسع قصص، وانتهيت مؤخراً من كتابة قصة "الصديق اللدود"، وهي تتحدث عن الأحداث الأليمة التي مرت بها "سورية"، وأرجو أن تصبح عملاً كرتونياً للكبار والصغار معاً، وأعد حالياً سلسلة تربوية نفسية مؤلفة من 52 عنواناً أنجزت نصفها تقريباً سأنشرها في مطلع العام القادم، وأرجو أن يكون في العمر بقية لمشاهدتها في كل بيت ومدرسة».

الرسام "رامز حاج حسين"، عنه يقول: «الكاتب "محمد خير النشواتي" ابن بيئته الدمشقية العربية يكتب بروح العاشق للمكان والمتمكن من أدواته ولغته، ومن يستعرض ولهه في النهوض بالذائقة اللغوية للفتيان يعرف حرصه في كل مؤلفاته على إثراء هذه اللغة بمفردات وتراكيب جذلة تنمي لدى الفتية حبهم للغتهم الأصيلة، وفي مغامراته الألغاز نجد البيئة السورية حاضرة وخاصة تفاصيل البيئة الشامية بكل ألقها وتعربش الياسمين بين حنايا كلماته له سحر وألق، كما أن وصفه للحالات الأخلاقية التي يتمتع بها السوريون جعل من مؤلفاته ذات المسحة المحلية محببة لقلوبنا، شهادتي فيه مجروحة وأنا الذي شاركته عدة أعمال من خلال رسومي، وأعرف تماماً كمية التعب والجهد والحساسية التي يبذلها في سبيل إخراج منتجه الأدبي للنور».

يذكر أن الكاتب "محمد خير الدين النشواتي" من مواليد "دمشق"، عام 1957.