التقط أنفاسه الأولى في السينما، فبادلته العشق، واستقبلته الحياة من أبوابها العلمية والمهنية؛ فلم يتوقف عن السعي والبحث وتحقيق إنجازات على الصعيدين الاجتماعي والإنساني.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع "مروان عكاوي" في "اليونان" بتاريخ 20 كانون الثاني 2018، ليحدثنا عن بدايته ومشواره السينمائي، فقال: «روت لي أمي أنّ ولادتي كانت في السينما التي عشت فيها وعشقتها، وكنت الرضيع الوحيد الذي لا ينام أثناء عرض الأفلام، وقد أكد والدي الراحل هذه الرواية، وكان يضحك عند تكرارها. ولدتُ في "دمشق" في حيّ شعبي عام 1942، كنت أتردد إلى السينما كثيراً بسبب عمل والدي هناك؛ أشاهد العروض، وأتعلم منه مهنة العرض، وأتابع دراستي بتفوق كي يسمح لي والدي بممارسة مهنة السينما والتعرف إلى خفاياها حتى أصبحتُ عارضاً سينمائياً في سن الرابعة عشرة، بعد عامين انتسبت إلى نقابة المهن السياحية، وكان ولعي كبيراً بمتابعة المجلات والكتب التي تخص السينما والنجوم والعروض السينمائية باللغتين العربية والإنكليزية، اعتمدت في ذلك على نفسي، فكنتُ أعمل وأساعد أسرتي حتى نلتُ الشهادة الثانوية العامة عام 1961، فدخلت كلية الحقوق لعدم توفر دراسة السينما في بلادي، وعدم التمكن من الإيفاد إلى الخارج، حتى افتتحت المؤسسة العامة للسينما بعد سنتين، فكنت من أوائل المتقدمين، فالمقبولين كأول فني عيّن في مؤسسة السينما.

علاقتي بالسينما بدأت بعشق، ومازالت؛ فأنا أهتم بكل ما يتعلق بهذه "الصناعة" التي تحتوي كل الفنون الأخرى دفعة واحدة؛ فمن الأدب فيها نفحة، ومن الموسيقا نغم، ومن الرسم جمال، ومن التصوير روح، ومن المسرح أب، وهذا الإحساس ينطبق على كل جيلنا؛ حيث كنا من العاشقين، وليس من المهنيين فقط؛ وهذا ما ميّزنا عن الجيل الحالي، وكان المردود المعنوي الذي تعطينا إياه كافياً لاستمرار حياتنا

عملت كمساعد مخرج في عدة أفلام مع "خالد حمادة"، "محمد شاهين" و"جوزيف فهدة"، وكان الأخير صاحب أكبر أثر فيّ بعد والدي؛ فهو الذي علمني الكثير مما ينقصني، وعن طريقه تعلمت الأشياء العملية في السينما، وهو من حولني عن الإخراج نحو المونتاج؛ فقد اكتشف عندي موهبة كامنة، خاصة بعد عملي في العرض السينمائي».

تصويره أثناء المونتاج الإلكتروني

وأضاف: «من أهم تجاربي في المونتاج فيلم وثائقي: "سورية بين القديم والحديث" (أو سورية الملون)، وهو فيلم صوّر لمصلحة دائرة السينما للمخرج اليوغسلافي "بوشكو فوتشينيتش"، عندما عاد الفيلم من الطبع والتحميض في "سويسرا" كان "بوشكو" قد عاد إلى بلده، وبقي الفيلم يتيماً، وتجرأت أنا بإتمامه بإشراف "جوزيف فهدة"، وفاز بجائزة مهرجان "برلين" الفضية عام 1964، وهناك بدأت ثقتي بنفسي في مجال المونتاج.

بعد مدة فزتُ بمنحة لدراسة السينما في "بريطانيا"، وبدأ تحقيق الحلم، فكنتُ الأول على تلك الدورة، وكان فيها أربع عشرة جنسية مختلفة، وعدتُ بشهادة دبلوم المونتاج السينمائي من معهد السينما والتلفزيون لما وراء البحار، وبعدها ثابرتُ على الدراسة والبحث والاستقصاء، وبدأت أحضر بعدها لنيل درجة الزمالة لجمعية السينما والتلفزيون البريطانية؛ وهي تعادل درجة الدكتوراه في بقية العالم، لكن توقفت بسبب الانشغال المتواصل في العمل على أفلام القطاعين العام والخاص، استمر عملي حتى استقالتي في منتصف عام 1975 بعد خلاف مع المدير العام وقتئذٍ، قمت خلال هذه المدة بمونتاج عدة أفلام لمصلحة المؤسسة والقطاع الخاص، وقضيت أثناءها أربع سنوات في الخدمة الإلزامية، كنت خلالها أعمل لمصلحة استديو الجيش والمؤسسة والقطاع الخاص، وفي عام 1982، قمت بإخراج آخر فيلم لي في "سورية": "إمبراطورية غوار"، وغادرت نحو "اليونان" لأبحث عن فرص أوسع، ومازلت أقيم فيها حتى الآن».

مهرجان مونتي كارلو مع الأمير آلبرت ولجان التحكيم

وتابع قائلاً: «علاقتي بالسينما بدأت بعشق، ومازالت؛ فأنا أهتم بكل ما يتعلق بهذه "الصناعة" التي تحتوي كل الفنون الأخرى دفعة واحدة؛ فمن الأدب فيها نفحة، ومن الموسيقا نغم، ومن الرسم جمال، ومن التصوير روح، ومن المسرح أب، وهذا الإحساس ينطبق على كل جيلنا؛ حيث كنا من العاشقين، وليس من المهنيين فقط؛ وهذا ما ميّزنا عن الجيل الحالي، وكان المردود المعنوي الذي تعطينا إياه كافياً لاستمرار حياتنا».

وعن أعماله، قال: «قمت بمونتاج ثلاثة وستين فيلماً طويلاً وأربعة وعشرين فيلماً وثائقياً، ومعظم أعداد النشرة الثقافية، إضافة إلى بعض الإعلانات. وفي الإخراج، أخرجت خمسة أفلام طويلة، وثلاثة أفلام وثائقية؛ وذلك خلال عملي في "سورية، ومصر، ولبنان، واليونان"، وساهمت بإنتاج أربعة أفلام من إنتاج مشتركة في "أوروبا"، واحد منها كان إنتاجاً سورياً بريطانياً ناطقاً بالإنكليزية، من إخراج الراحل "نبيل المالح"، وقمت بترجمة كتاب "سياسة ورقص" نشر في "المغرب"، وألّفت كتاباً عن المونتاج اسمه: "همومي الجميلة" نظرة أخرى إلى المونتاج، والعديد من السيناريوهات للسينما باللغتين العربية والإنكليزية، وشاركت بكتابة مسلسل واحد لم ينتج، وأقوم حالياً بتأليف كتاب اسمه: "مذكرات سينمائي"، يحتوي تجربتي في السينما منذ بداية علاقتي بها وتاريخها، كما حاضرت في عدد من الكليات ومعاهد السينما، أذكر منها: كلية المتوسط في "أثينا"، جامعة "لافيرن" الأميركية في "لوس أنجلوس"، فرع "أثينا"، برنامج التدريب للفيلم الرقمي، أكاديمية السينما في "بوتسدام ألمانيا".

المخرج "مروان عكاوي"

نال 11 فيلماً من الأفلام التي قمت بمونتاجها جوائز دولية من مهرجانات، مثل: "دمشق، وموسكو، وكارلوفيفاري، وبرلين، ولوكارنو، وطشقند، ولايبزيغ، وقرطاج"، وفاز فيلم أنتجته مشتركاً مع "بريطانيا"، عنوانه: "حديث الشيطان"، بجائزة الخدع الفنية في مهرجان "كالاماتا" بـ"اليونان"».

وعن الأفلام الأكثر تأثيراً في حياته، قال: «فيلم "سورية بين القديم والحديث"، أول فيلم قمت بمونتاجه بمفردي كما ذكرت سابقاً، وفيلم "حبيبتي" كان تجربة غنية مع مخرج كبير "هنري بركات"، وبطولة سيدة الشاشة "فاتن حمامة"، وفيلم "عشاق" من إخراجي مع الراحلة "مديحة كامل" و"أسامة خلقي"، وفيلم "حديث الشيطان"؛ وهو إنتاج مشترك يوناني بريطاني من نوع الدراما الوثائقية، وفاز بجائزة "كالاماتا" اليونانية عن الخدع البصرية، وهو يعالج بعض الأساطير التي دخلت إلى الأديان، وأصبحت جزءاً منها، وهو باللغة الإنكليزية، وقد مثّل منعطفاً في حياتي؛ فهو أول فيلم أشارك في إنتاجه عالمياً، وقد فتح لي باب المشاركة لاحقاً.

وفيلم "رجال تحت الشمس" "الفهد" فاز بأكثر من جائزة، كما عُدّ مؤخراً واحداً من أهم مئة فيلم أنتجت في "آسيا"، فيلم "بقايا صور"، و"حبيبتي يا حب التوت"، و"سرب الأبطال"».

وختم قائلاً: «عملت على جلب إنتاج أجنبي لكي يصوّر في "سورية"؛ لأنها تحتوي استديو خارجياً طبيعياً لم يستهلك في السينما العالمية، ونجحت بجلب فيلم عنوانه: "وليمة صيد"، وكلفت الزميل "نبيل المالح" بإخراجه، وهو إنتاج سوري بريطاني مشترك، يا للأسف، لم تنجح التجربة فقد عدّها وليمة كل من تعاون مع التجربة في "سورية"، إضافة إلى بعض المشكلات الإدارية الأخرى؛ وهو ما أدى إلى إلغاء المنتج البريطاني بقية التمويل، وخسرنا تجربة كانت ستمتد إلى تجارب أخرى.

لم أتوقف يوماً عن تمثيلِ بلدي ووطني العربي، فكنتُ دائماً أعلن دفاعي عن قضاياه في مشاركاتي الدولية، وساهمت في إدارة رابطة المغتربين السوريين في "اليونان" حتى حُلّت، والآن أساهم مع ثلة من الأصدقاء في جمعية اسمها: "البيت السوري" تعنى إضافة إلى أمور الجالية بمساعدة اللاجئين السوريين في "اليونان"؛ اجتمعت على حبِّ "سورية" والسوريين، وكل ذلك بتمويل ذاتي وبعض التبرعات من المغتربين وشركات الغذاء اليونانية».

المخرج الدكتور "محمد قارصلي" قال: «أسميه شيخ كار، وهو من مؤسسي الولادة الثانية للسينما السورية، "مروان" متعدد الجوانب، بدأ كمونتير، وعلم العديد من الزملاء، وله باع طويل في الإخراج والكتابة الدرامية؛ فقد أتقن السينما بكل مفرداتها، وهو شخص إنساني ويتمتع بأخلاق عالية؛ وهذه الصفة جزء لا يتجزأ من الفنان؛ فهو عندما ينتج فيلماً يعيد بناء الفيلم درامياً، وكأن الفيلم يولد مجدداً بين يديه، شخص هادئ جداً؛ تبقى ابتسامته على وجهه على الرغم من ضغوط العمل، مؤسف أن شخصاً مثل "مروان" لديه مئات المشاريع، لا يعمل؛ لأنه كنز يجب الاستفادة منه حتى آخر لحظة من مشاريعه تجاه الحياة وفلسفتها».