طبعت رؤيتها التراكمية على أعمالها لتُجسّدها بتجارب فكرية وبصرية، فتركت "سهام هنيدي" في كل عمل لها تأثيراً قوياً بالمتلقي تضمن رسوخه في الذاكرة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 9 كانون الأول 2017، مع الفنانة التشكيلية "سهام هنيدي" لتخبرنا عن بدايات بوح اللون، حيث قالت: «حفرت طبيعة الريف الساحرة انطباعها الأول في داخلي عندما كنت أزور منزل جدي، وكانت حينئذٍ الملهم الأول لبدايات أعمالي بالرصاص والفحم والنحت، وقد رسمت أول لوحة لي بالفحم عن الطبيعة الريفية الخلابة والمباني الأثرية التي توحي بالسكينة والهدوء، وقد وهبتني حفنة من الروحانية والجمال وعمقت لدي نظرتي الثاقبة وقدرتي على التأمل؛ لذا أصبحت باحثة دائمة عن اللوحة الكاملة من وجهة نظري، وبتّ أغرد بمعزل عن السرب متأثرةً فقط بما يجول في نفسي وليس بالمحيط، ويمكنني القول إنني لم آخذ حقي بعد، ولم أشبع ما بداخلي من عبث الطفولة ضمن أعمالي. وقد تأثرت بجميع المدارس الفنية، لكن بقيت المدرسة الانطباعية والمدرسة التعبيرية تجذبانني بوجه خاص، ويمكن للفنان أن يمتلك مدرسته الخاصة التي تمليها عليه نفسه من تعابير وتقنيات بمعزل عن التعريف أو التنظيمات».

الفن السوري كجميع الفنون في بقاع الأرض أصله الإنسان، وهو غني بالاتجاهات والتجارب؛ إذ إن الدولة لم تشجع اتجاهاً دون سواه، ويميل الفنان السوري إلى البحث والتجريب والتجديد واستلهام التراث الإبداعي الثري لحضاراته وحضارات شعوب العالم، والمتابع للفنون هو بالأصل متابع لحركة التاريخ وواقع المجتمع في مكان ما، ويعزز صلتهم مع التجارب الفنية في أنحاء العالم

وتابعت: «أما الرسم، فهو إحساس مجرد خارج عن إطار الوقت والمكان، وغير قابل للتحديد أو القياس؛ إذ إن الحالة النفسية للفنان تتجسد بكليتها ضمن العمل الفني من دون شرط أو قيد، وأعدّ أن كل لوحة هي عصارة حياتي ورؤيتي، فأعمالي مستوحاة من الواقع مع بعض الخيال على مدى سنين، وقد عملت على استخدام تقنيات جديدة لتمتاز كل لوحة بالتفرد والاستقلالية، فالفن يعبر عن أرقى الحالات الإنسانية، وهو صلة التواصل الروحي بين البشر، وعلى الفنان أن يمتلك الحرية ليعبر عن نفسه؛ فالمبدع يحتاج إلى فرصة دائمة للتعبير عن خياله ودواخله من دون قيد».

الفنان التشكيلي نضال خويص

أما عن رؤيتها للفن، فقالت: «الفن حاجة ملحة إنسانية ككل، وغذاء لروحي بوجه خاص؛ فالحياة والعلاقات والمجتمع من دون الفن ليس لها جمال أو معنى؛ إذ إن الفن صلة روحية بين الإنسان والكون والطبيعة الأم، وأنا ذواقة للفنون كافة ليس فقط التشكيلية، وأجد روحي تبحر في الرسم والتصوير الزيتي كمجال أبرع به، وأعدّ أن أساس جمال وتنظيم العمل الفني تمكّن الفنان من تنسيق وتجميل الصفحة البيضاء بشكل يضمن راحة العين عبر تمازج اللون وانسيابية المساحات وخدمة الفكرة الأصلية، واستمتع بالعمل مع الألوان الخام أو الصرفة واستخدمها بشكل مباشر على اللوحة بعيداً عن المزج، واستخدمها مباشرة على اللوحة، وأرى في كل عمل على حدة تجربة مميزة له من ناحية الأدوات المستخدمة والمجموعة اللونية، وأفضّل من لوحاتي اللوحة "مزاد"؛ لأنها تحمل ضمن ثناياها معاناة الأنثى في المنطقة والعالم ككل؛ فهي تتحول في كثير من الحالات إلى سلعة ضمن ظروف مختلفة، كأن يتم الإتجار بها، أو تتعرض لممارسات سادية بحماية القانون، أو يتم اغتصابها نفسياً وجسدياً، وأحياناً تسبى تحت غطاء شرعي، ولوحتي تمثيل غير مباشر عن سوء معاملة الطبيعة والحياة التي هي أنثى، والفن يُجسّد إحساساً مجرداً وحالات نفسية وذهنية للفنان؛ لذلك لا يمكن أن يتطابق أي عمل فني عن ذات الموضوع بالتقنية نفسها؛ لأن كل إنسان هو تجربة حياتية مستقلة عن غيرها؛ وهذا ما يجعل الفن التشكيلي كما كل الفنون يمتاز بالأصالة والتفرد».

وحول وجهة نظرها بالفن السوري، قالت: «الفن السوري كجميع الفنون في بقاع الأرض أصله الإنسان، وهو غني بالاتجاهات والتجارب؛ إذ إن الدولة لم تشجع اتجاهاً دون سواه، ويميل الفنان السوري إلى البحث والتجريب والتجديد واستلهام التراث الإبداعي الثري لحضاراته وحضارات شعوب العالم، والمتابع للفنون هو بالأصل متابع لحركة التاريخ وواقع المجتمع في مكان ما، ويعزز صلتهم مع التجارب الفنية في أنحاء العالم».

لوحة مزاد

وحول مشاركاتها ومعارضها، قالت: «شاركت في العديد من المعارض المحلية، كمعرض "الربيع" السنوي في "السويداء" عامي 2007-2008، ومعرض "الجولان" في المركز الثقافي العربي في "السويداء" عام 2016، ومعرض الفنانين التشكيليين على مستوى "دمشق" عام 2016، وفي "السويداء" عام 2017، ومعرض "حواء" آرت فورم غاليري عام 2017، ومعرض "ألوان غاليري" في "السويداء" عام 2017، وكنت سعيدة بكل تجربة خضتها لإدراكي أن الجمهور أحب أعمالي كما كنت أتوقع، وأعدّ كل معرض فرصة لتجربة بصرية جميلة ومشبعة، وقد سمحت لي مشاركاتي بمزيد من التواصل بيني وبين كافة الفنانين والمتابعين والنقاد والذواقين. أما تجاربي الأخرى، فكانت مع الحفر والنحت بالخشب والصلصال والرخام والبازلت، وهي بواقع الحال تجارب لا بد منها لكل فنان تشكيلي قبل أن ينخرط في حقله المحبب».

وحول نظرتها إلى النقد الفني وأهميته، تابعت: «إن النقد البناء يدفع الإنسان ليخرج أفضل ما لديه ويتدارك هفواته ويوسع مداركه، فالطموح الكبير والأحلام العظيمة تحتاج إلى مجهر يحدد خطوطها وهفواتها، لكن التركيز الخاطئ على الإيجابيات في أي حلم دون السلبيات قد يجعل المرء يراوح مكانه، وقد يُكبل بالغرور والمراوغة، فيبتعد الفنان عن أصالة أعماله، فعليه أن ينظر إلى النقد كساحة للتغيير والتعبير ضمن إطار جدير بالاحترام، يضمن تحسين أسلوب الفنان وطريقته في التعبير، التي تمثل ذاته وتحقق له موقعاً مميزاً وربما عالمياً».

منظر طبيعي

كما تواصلت المدونة مع الفنان "نضال خويص"، الذي حدثنا عن تجربة "سهام" وأعمالها بالقول: «استطاعت عبر تجربتها في التصوير الوصول إلى بناء لوحتها بصياغات لونية منسجمة ومتمكنة للوصول إلى نتاج جميل غني بالدلالات المعرفية وقدرتها في السيطرة على نسج موضوعات تحاكي عالم المرأة الوجداني الحالم، والطبيعة الفريدة بعناصرها المتخيلة أو المستمدة من بيئتها النابضة بالحياة والألوان. تمتاز أعمالها بفرديتها وقدرتها على مواكبة التجارب المحلية والعالمية بمهارة ومن دون تكلّف».

الجدير بالذكر، أن الفنانة "سهام هنيدي" من مواليد "دمشق" عام 1965، ودرست في مدرسة "الآسية" في منطقة "باب توما"، وحاصلة على شهادة مركز الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة في "السويداء".