لقّبت بسفيرة الشرف، ومن عرفها أجمع بأنها إنسانة معطاءة كريمة بأخلاقها، ومخلصة لعملها. كان لها حضوراً مهماً على الصعيد العالمي كخبيرةٍ دوليةٍ متمكّنة، وقد رشحت للحصول على جائزة نوبل لمساهمتها بنشر علمها وثقافتها في بلدها، فنجحت بخفض نسبة الأمية وتعليم الكبار.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 12 آب 2017، مع الإعلامي "سعد القاسم" المطلع على المسيرة الغنية للراحلة "غادة الجابي" والملأى بالنجاحات والإنجازات على الصعيد المحلي والدولي، وعن بداياتها قال: «ولدت في "دمشق" عام 1938، في أسرة مكونة من ثلاثة صبيان وثلاث بنات يرعاهم موظف بسيط عطوف، معتد بنفسه وكرامته، وأم حنونة مكافحة، ومنذ طفولتها المبكرة اتسمت شخصيتها بالجدية والإخلاص، فانكبت على الدراسة بكل طاقتها، على الرغم من ظروف الحياة الصعبة، وضيق المكان الذي كان يلزمها بالدراسة في حمام المنزل الشاغر الوحيد المتوفر حتى نالت شهادتها الجامعية من قسم التاريخ في جامعة "دمشق" قبل أن تبلغ العشرين من عمرها».

ولدت في "دمشق" عام 1938، في أسرة مكونة من ثلاثة صبيان وثلاث بنات يرعاهم موظف بسيط عطوف، معتد بنفسه وكرامته، وأم حنونة مكافحة، ومنذ طفولتها المبكرة اتسمت شخصيتها بالجدية والإخلاص، فانكبت على الدراسة بكل طاقتها، على الرغم من ظروف الحياة الصعبة، وضيق المكان الذي كان يلزمها بالدراسة في حمام المنزل الشاغر الوحيد المتوفر حتى نالت شهادتها الجامعية من قسم التاريخ في جامعة "دمشق" قبل أن تبلغ العشرين من عمرها

وعن مسيرة حياتها المهنية على الصعيد المحلي والعالمي، قال: «أمضت جلَّ عمرها في مجال تعليم الكبار؛ فقد عملت معاونة مدير محو الأمية في وزارة الثقافة أربع سنوات ابتداءً من عام 1972، قبل أن تتولّى منصب مديرة "محو الأمية" لمدة أربعة وعشرين عاماً، بالتوازي مع ترؤسها لمكتب محو الأمية في قيادة الاتحاد العام النسائي. حفلت هذه المرحلة المديدة بأحداث مهمة متصلة بموضوع تعليم الكبار على المستويين المحلي والعالمي، وكان لها -بحكم موقعها وخبرتها- دور فاعل ومؤثر فيهح فعلى الصعيد المحلي انخفضت نسبة الأمية في "سورية" ما يقارب الـ54% عام 1970، و14% عام 2000، كان لها حضور مهم في كثير من المناسبات العالمية المتعلقة بمحو الأمية وتعليم الكبار، لم يقتصر على تقديم الخبرة في الجانب التقني للمسألة، وإنما تعداه ليشمل عرض الرأي الصائب في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة، وجسد رأيها على الدوام موقفاً صلباً في الدفاع عن قضايا الوطن والأمة، وعن الشعوب التي تسعى إلى إنجاز استقلالها، والخلاص من الهيمنة والاستغلال».‏

المحامية دلال هاشم

وتابع "القاسم" حديثه عن مسيرتها الغنية أثناء تسميتها وزيرة الشؤون الاجتماعية، وقال: «هناك الكثير مما يستحق الحديث عن سهرها وتفانيها في عملها الوزاري يشهد به العاملون في الوزارة، كما تشهد به الهيئات والجمعيات ذات العلاقة بالوزارة.

ومع نهاية عملها الحكومي عرضت خلاصة خبرتها ومعارفها في كتاب تحليلي وثائقي قيّم بعنوان: "تعليم الكبار والتعليم للجميع"، ووصفه مسؤول في هذا المجال بأنه الوثيقة الوحيدة حول التجربة السورية في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، في حين وصفه "المجلس التنفيذي للمجلس العالمي لتعليم الكبار" بأنه أهم الفعاليات في المنطقة العربية ويتواصل مع العالم».

غادة الجابي عندما كانت رئيسة مكتب دمشق للاتحاد النسائي

وفي الذكرى الأربعين لرحيلها نعتها صديقتها الدكتورة "نجوى قصاب حسن" قائلة: «كانت ولا تزال قامة من القامات السورية والعربية والإنسانية، وهي من أعمدة المجتمع التي ترسّخ ركائز بناء المستقبل. هي إنسانة متميزة، ومربية قديرة، وشخصية لها حضورها، وصديقة لا يمكن مجاراتها في صدق سماتها وميزاتها، فقد اتسعت عطاءاتها لتشمل جميع مجالات التنمية الاجتماعية والتربية والتعليم ومحو الأمية، وارتقاء واقع المرأة وتعزيز أدوارها في بناء المجتمع. لها ذات مميزة وأثر فائق في نفس كل من عرفها أو استظل برفقتها، فقد بنت ذاتها وحياتها ومسيرة إنجازاتها من خلال الالتزام والدأب والخبرات والإخلاص الدائم لعملها ومبادئها وقيمها الوطنية والإنسانية. حين التقيتها وعرفتها عن قرب لمست مدى رهافة إحساسها والتزامها بأصول التعامل وأدبيات التواصل الإنساني والجود واللهفة، وتمنيت أن ألتقي والدتها التي أثمرت كل تلك السمات الفائقة، وأطياف القيم الأخلاقية، وتعّرفت بعد ذلك إلى المنبت الراقي لأسرتها والنبع الثري بالمعرفة والخلق القويم. رافقت حيزاً من زمن إنجازاتها وأدوارها، وشهدت كيف كانت المرجع الغني بالمعرفة والخبرة والتوثيق والإدارة، فلم تبخل يوماً بمعلومةٍ أو فكرةٍ أو مبادرةٍ يتحقق فيها خير الآخرين أو خير المؤسسات أو خير الوطن.

شاركت في المؤتمرات والملتقيات العالمية بكل فعالية وحضور لافت للدفاع عن قضايا المرأة والوطن والحقوق الإنسانية، فاستحقت التقدير والإعجاب من قبل العديد من المؤسسات الدولية المهمة، وتم تكليفها بمهام إداريةٍ وقياديةٍ عليا كخبيرةٍ دوليةٍ متمكّنة وشخصيةٍ سوريةٍ وعربيةٍ متميزة. ساهمت في مؤتمرات المرأة العالمية والعربية والدولية التي تناولت موضوعات "الجندر" وتمكين المرأة وحماية البيئة والتربية السكانية. حصلت على ما تستحقه من المكانة والتقدير العاليين في "سورية" والمنظمات والهيئات الدولية، وتركت إرثاً ثرياً من المحبة والتقدير لها عند كل من عرفها».

المحامية "دلال هاشم" التي رافقت الراحلة "الجابي" أثناء عملهما معاً في الاتحاد النسائي، عن تلك المرحلة قالت: «محظوظ من عمل معها؛ تعرفت إليها منذ بداية عام 1995 عندما كانت مديرة مكتب "محو الأمية"، وتابعنا معاً دورات التأهيل لربات المنازل التي كان يقيمها الاتحاد النسائي للقضاء على الأمية. وتعلمت منها الكثير؛ فهي تتمتع بشخصية جدية وملتزمة، علماً أن الابتسامة لا تفارقها، ومتابعة لعملها وتعطيه جلّ وقتها، حيث كانت تسافر إلى جميع المحافظات السورية، وتطلع على سير الدورات ونجاحها، فموضوع المرأة ورفعتها ووجودها في المجتمع كان يشغلها، وكانت تتابع المتخرجات وتساندهن مادياً ومعنوياً، فقد كانت صاحبة أفق واسع ونظرة بعيدة، وكانت تقول لن نتوقف هنا؛ علينا تشجيعهن للالتحاق بدورات تدريبية لضمان استقلاليتهن المادية وتنمية شخصياتهن الاجتماعية لتشجيعهن على الانخراط بالمجتمع، وكانت تحترم جهود الآخرين وتعطيهم حقهم إيماناً منها بأن لكل مساهمةٍ حقها في التقدير مهما صغرت، وقادرة على مواكبة جميع الأعمار، فقد كانت تهتم بنا، وتشاركنا أفراحنا وأحزاننا، ولا تنسى أعياد ميلادنا وأعياد ميلاد أولادنا، وبعد أن تركت العمل بالاتحاد وتوجهت إلى المحاماة استمرت صداقتنا؛ فمن يعرفها يفتخر بصداقتها».

لقي هذا الجهد المحلي والعربي والدولي تقديراً واسعاً، فتقلدت مناصب دولية مهمة، وتابع الإعلامي "القاسم" حديثه بالقول: «اختيرت لرئاسة المكتب التنفيذي للشبكة العربية لمحو الأمية وتعليم الكبار منذ إحداثها عام 1999، وحتى عام 2005 حين قرر المؤتمر العام منحها لقب الرئيسة الفخرية للشبكة. كما انتخبت عام 1999 أيضاً نائباً لرئيس المجلس العالمي لتعليم الكبار ممثلة للمنطقة العربية، وأعيد انتخابها ثانية من عام 2001 حتى عام 2007. وسميت في عام 2002 عضواً في لجنة التحكيم الدولية لـ"اليونسكو" لجوائز محو الأمية، ثم انتخبت عام 2006 رئيسة للجنة، وتم منحها العديد من الجوائز المحلية والعربية والعالمية، منها: جائزة "نادجدا كروبسكايا" من اليونسكو عام 1986، ولقب سفيرة شرف من اليونسكو أيضاً، التي أصدرت في العام نفسه مقالاً حول نجاحاتها، وجائزة "روبي كيد" من المجلس العالمي لتعليم الكبار عام 1993، وجائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1999-2000 وكانت ضمن مجموعة تضم مئة سيدة من أنحاء العالم تم ترشيحهن كمجموعة واحدة للحصول على جائزة "نوبل"». ‏

الجدير بالذكر، أن "غادة الجابي" من مواليد "دمشق" عام 1938، وفارقت الحياة عام 2017.