لم تختر الأدب عنواناً لدراستها، بل كان موهبة عملت على رعايتها، دوّنت حروف كلماتها برؤى شبابية حالمة، وبجدارة حجزت لنفسها مكاناً في الساحة الأدبية.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع الأديبة "ميشلين بطرس" المتواجدة في "بيروت" بتاريخ 8 تموز 2017، وعن بدايتها وعلاقتها مع الأدب قالت: «علاقتي مع الأدب بدأت منذ الطفولة، حيث كان جيراننا يشرعون أبوابهم لاستقبال صغار الحيّ كل يوم جمعة، وفي اجتماعات "مدارس الأحد" التي كانت توزّع علينا قصصاً وأساطير دينية ملونة، وتحثّنا على قراءتها، لنعود في اللقاء الذي يليه ونقيم مسرحاً صغيراً نمثّل فيه أدوار الشخصيات التي قرأناها، وقد استمرت بي الحال هكذا حتى كبرت، وبدأتُ كتابة حوارات ارتجالية لا أذكر منها شيئاً، لكنني أذكر أنني كتبت أول حكاية كاملة من تأليفي في العاشرة من عمري، بعنوان: "الوردة الحمراء"».

تحاول من خلال قصصها القصيرة ابتكار لغة فلسفية أدبية خاصة بها، عندما تقرأ لها تجدها تطرح جدليات الواقع في رؤية مستقبلية إنسانية حديثة، هي مزيج من كل شيء، متطلعة لكل شيء، هي بوجه عام شخصية مثقفة

عن اختيارها للقصة القصيرة كجنس أدبي، تقول: «من القصص الدينية إلى الفلسفة والأبحاث الاجتماعية، إلى الرواية والشعر، كانت القراءة هي الفعل الأول في كتابتي للأدب، لم أختر القصة القصيرة، إنما هي من اختارتني وحلّقت بي إلى فضاءات التكثيف والإيجاز، إذ سبحتُ معها في مركبة اللغة إلى عمق الرموز والانزياحات، ثم خرجنا نتنزه في حدائق الدهشة حدّ الموت والألم، قرأتُ لـ"زكريا تامر"، وتأثرت كثيراً بقصة "النمور في اليوم العاشر"، ولا أظن أن على كاتب نوع أدبي معين في بداياته أن يكثر من قراءة نفس النوع الذي يكتب فيه، حتى لو كان للعظماء منهم، كي لا يقع في فخّ التكرار والتقليد».

ميشلين بطرس خلال إحدى مشاركاتها بلبنان

وتضيف عن مغامراتها الأدبية مع القصة: «فن القصة من أصعب الفنون الأدبية وأكثرها تعقيداً وجمالاً في آن واحد، وللقصة القصيرة والقصيرة جداً الفضاء الأرحب من كتاباتي، فمن خلال التكثيف والإيجاز أستطيع أن أعكس الواقع على الورق، بأسلوب السخرية اللاذعة أو الطرفة المبكية، وبعمق يغوص في بحور النفس الإنسانية لتولد القصة بلغة شعرية مكثفة ومبسطة في آن معاً، وعلى كتّاب هذا النوع من الفنون الأدبية ألا يقعوا في فخ الحكاية التي تصيب الفن القصصي بداء الترهل والركاكة، مع عدم إغفال الحكائية -وليس الحكاية- من البنية السردية للقصة القصيرة والقصيرة جداً. "نجمةٌ تُبعثِر تلاشيها" مجموعة قصصية قصيرة وقصيرة جداً قيد التحضير للطبع، حالياً أقرأ أنطولوجيا القصة القصيرة والقصيرة جداً في الوطن العربي، وسأعمل على تنظيم مهرجان لمدة أسبوع يضم نخبةً من الكتاب العرب، خلال الشهر الحالي، إلى جانب نشاطي بتنظيم العديد من المهرجانات الموسيقية ومعارض الفن التشكيلي خلال وجودي منذ خمس سنوات في "لبنان"».

لها نشاطها بمجال الدراسات النقدية والنص النثري، وعنه قالت: «تناولت العديد من الروايات العربية والعالمية في دراساتي النقدية، وأظنّ أن كل قارئ يمتلك ذائقة عميقة وشدّه عمل ما مما يقرأ، سيقوم بتسجيل ملاحظاته، ويكتب انطباعه في سطور، فكيف إذا كان هذا القارئ ملمّاً بتقنيات النقد، ويتابع بوجه دائم الحركة النقدية في المشهد الثقافي. الكتابة عن عمل ما يعني الاهتمام به، وأنه أعجب القارئ، وهذا يضفي قيمة فعل القراءة؛ (أي إنه مقروء على النص المكتوب عنه)، وحتماً سيشجع الآخرين على قراءته. أما في المسرح، فقد كانت لي أول دراسة نقدية في أول مونودراما شعرية مزدوجة بعنوان: "يارا جوّيا"، وأخرى في المسرح بمسرحية "أحلام يومية"، وثالثة دراسة في مسرحية "زيارة السيد الوزير"، كما كتبت العديد من النصوص النثرية، وتطرقت فيها إلى مواضيع المثيولوجيا والفلسفة».

ميشلين تستعد لكتابة حروفها الأدبية

وتتابع عن مشاركاتها الأدبية: «من وطني "سورية" انطلقت وشاركت في العديد من الأمسيات الأدبية والندوات الفكرية والنقدية، والمهرجانات القصصية في معظم المراكز العربية الثقافية في العاصمة "دمشق"، وفرع اتحاد الكتاب العرب، وقد أضافت إليّ هذه المشاركات الكثير من الفائدة الأدبية والمعرفية وتلاقح الثقافات والغوص في خضم المشهد الثقافي في "سورية"، وبالتأكيد يستطيع الكاتب أو القاص أن يكون صوتاً لحال بيئته ومجتمعه لدرجةٍ كبيرة قد تصل أحياناً إلى حدّ النبوءة، من خلال نضجه ووعيه لما يجري حوله، وكشفه لما يخصّ المجتمع وما يخفى على الآخرين، وقد استطعتُ أن أجسّد صوت مجتمعي في كتاباتي من خلال التحامي بقضاياه، فعلاقتي بمجتمعي تفاعلية وتبادلية في الوقت عينه».

وتضيف عن أثر ترجمة بعض قصصها إلى اللغة السريانية في إبداعها الأدبي: «إنّ الترجمة فن وإبداع أدبي، فهي عنصر متمّم للتميز والتألق، وترجمة بعض قصصي القصيرة والقصيرة جداً هو دليل على اهتمام القارئ ومدى تأثره بما قرأ، وهو خطوة أعدّها استشرافية لترجمة كل ما أكتبه من قصص ونصوص ومقالات إلى لغات العالم أجمع، لأنني أتوجه إلى الإنسان القارئ في كل مكان».

تمام درويش

وتوجه نصيحة للكتّاب الناشئين قائلة: «نصيحتي للإنسان بوجه عام هي: لا تكن كالبستان يزرع فيه الناس ثمارهم ليحصدوا ما زرعوا، بل كن أنت الزارع لنفسك، ولا تنتظر الحصاد. وللكتّاب الناشئين أقول: لا تستسهلوا الكتابة أبداً، ولتكن القراءة فعلكم الفاعل في أول خطوة نحو طريق الكتابة، وفي الوسط منه وإلى اللا نهاية، فعندما يمتص القارئ كل النصوص التي قرأها، يبقى القارئ، ويكون أكثر "نصوصيةً" من النصوص».

وتختتم حديثها بحكمتها: «الحياة قناع خدعة يرتديه الموت ليسخر منا».

عنها قال رسام الكاريكاتور "تمّام درويش": «ترسم لوحاتها القصصية بحروف ناضجة ومُطْمَئِنة، وترصد أحداثها وحالاتها الإنسانية، روحها العاشقة للخلق والإبداع بمهارة شديدة خالية من الحشو الوصفي والاستطراد، لغتها رشيقة ملأى بالبلاغة والجمال بدهشة تحدثها من خلال استجلاء اللا معقول وتقديمه واقعاً عبر مشهدية بسيطة، فيها الكثير من المصارحة والاختزال، تجعلنا في مواجهة صعبة حيال عالم مرهون بالكثير من التساؤلات».

وأضاف "ريكو كاميلو" المهتم بالأدب: «تحاول من خلال قصصها القصيرة ابتكار لغة فلسفية أدبية خاصة بها، عندما تقرأ لها تجدها تطرح جدليات الواقع في رؤية مستقبلية إنسانية حديثة، هي مزيج من كل شيء، متطلعة لكل شيء، هي بوجه عام شخصية مثقفة».

يذكر أنّ "ميشلين بطرس" من مواليد "دمشق"، عام 1980.