امتلك أدوات مهنته منذ زمن، وحافظ عليها حتى وفاته؛ فحبّه الكبير لها جعله واحداً من المتميزين بتجليد الكتب يدوياً، إضافة إلى أن رغبته الإنسانية بالعطاء كانت الدافع الأساسي ليعير الكتب بأسعار رمزية، وأحياناً من دون مقابل.

إنه "عبد الله معروف البغدادي" صاحب مكتبة "البغدادي" في حيّ "الشعلان" بمدينة "دمشق".

من أكثر الأشخاص الذين عرفتهم طيبةً، ترك أثراً مهماً في حياتي، وكان له فضل كبير عليّ، وخصوصاً أنه كان يشجعني دائماً على القراءة، فمنذ الصغر كنت أنا وأصدقائي نستعير منه المجلات بأسعار زهيدة مكّنتنا من الاستفادة كثيراً من التزوّد بعدد أكبر من الكتب وبسعر رمزي، وبقي حتى وفاته وهو يقدم المساعدة لقاصدي المكتبة

مدونة وطن"eSyria" التقت صديقه "ضياء الدين العجلاني" بتاريخ 17حزيران 2017؛ ليطلعنا عن مسيرة حياة الراحل، فقال: «في حيّ "الشعلان" الدمشقي في عام 1939، فتح "معروف" عينيه على الحياة، وعاش طفولته بين أزقّتها، ودرس في المدارس الحكومية في "دمشق"، ونال الشهادة الإعدادية، وبعدها عيّن موظفاً في مطبعة "دار البعث" التابعة لوزارة الإعلام؛ حيث عمل فيها حتى سنّ التقاعد، وخلال عمله تعلّم وأتقن تجليد الكتب والمجلات يدوياً، إضافة إلى عمله فتح عدة مكتبات، وكان آخرها مكتبة "البغدادي"، وبقي يعمل فيها وبمهنة التجليد حتى وفاته».

مكتبة البغدادي

وتابع القول: «بقي "معروف" حتى رحيله رجلاً يعرفه كل من عاشره بنبل المعشر والصدق والاستقامة، فقد أبى استخدام المكنات بتجليد الكتب، وبقي الوحيد في "دمشق" يقوم بتجليد الكتب بيديه باستخدام الإبرة والخيط والغراء والجلد، وخصوصاً في أيامنا هذه التي أصبحت فيها معظم المطابع تجلّد الكتب آلياً، وبقي إنساناً وفياً لمهنته، ومحبّاً لعمله، ومقتنعاً بمهنته المتواضعة، وعلى الرغم من أنه تجاوز السبعين من عمره، إلا أنه ظلّ مصمّماً على العمل اليدوي الذي يرهق العين والجسد، محاولاً الحفاظ على هذه المهنة؛ وهذا ما جعل مكتبته مقصداً للعديد من الزوار من محافظات عديدة، وغير هذا، كان يتميز بتقاضيه مبالغ زهيدة جداً، فقد كان يعير الكتب مقابل أسعار رمزية لا تتجاوز 200 ليرة سورية، وأحياناً يقدّمها من دون مقابل على الرغم من الغلاء المعيشي في زمن طغت المادة فيه على الكثير من القيم والمفاهيم؛ وذلك لأنه انتبه إلى أن هذا الجيل انصرف عن قراءة الكتب إما بسبب ارتفاع أسعارها وعدم قدرتهم على شرائها أو اقتنائها، أو بسبب إشغالهم بالتكنولوجيا؛ لذلك رغب بتقديم يد العون ومساعدة محبي القراءة والمطالعة على اختلاف أعمارهم وأجناسهم، فهو كما يقال عنه "كساب وهاب"، وبالنسبة لي، فقد كان بمنزلة الأخ، حيث قدّم لي الكثير من المساعدة والنصائح من خبرته الطويلة بمختلف تفاصيل الحياة».

وفي لقاء مع جاره "محمد منير الونة"، قال عنه: «أعرفه منذ أكثر من 40 عاماً، فقد كان إنساناً خلوقاً وطيباً، اتصف بالعطاء والصدق، امتلك مكتبة "البغدادي" الموجودة في حيّ "الشعلان"، التي جذبت العديد من القرّاء بمختلف أعمارهم من مناطق مختلفة، حتى أصبحت مكتبته مفردة مهمة من المفردات الدمشقية، فقد ضمت المكتبة مجموعة من الكتب والمجلات اعتاد أن يبيع منها أو يعيرها مقابل أسعار زهيدة لا تتناسب مع غلاء الأسعار المتزايدة دوماً، ويعمل بالتجليد أيضاً، وبإنسانيته وعطائه، استطاع أن يجذب العديد من القرّاء إلى مكتبته عبر مبادرة لإعارة الكتب بأسعار رمزية، فتحول إلى حديث الآلاف ممن أعجبتهم مبادرته».

ضياء الدين العجلاني

وفي حديث مع" إيناس عثمان" إحدى المستفيدات من مبادرته بإعارة الكتب، قالت: «من أكثر الأشخاص الذين عرفتهم طيبةً، ترك أثراً مهماً في حياتي، وكان له فضل كبير عليّ، وخصوصاً أنه كان يشجعني دائماً على القراءة، فمنذ الصغر كنت أنا وأصدقائي نستعير منه المجلات بأسعار زهيدة مكّنتنا من الاستفادة كثيراً من التزوّد بعدد أكبر من الكتب وبسعر رمزي، وبقي حتى وفاته وهو يقدم المساعدة لقاصدي المكتبة».

الجدير بالذكر، أنّ "عبد الله معروف البغدادي" توفي بتاريخ 31 أيار2017، عن عمر ناهز 79 عاماً.

محمد منير الونة