مشاهداتها المستمرة في عالم المحاماة، ورغبتها بالتعبير عن قضايا المجتمع دفعتها إلى الكتابة، لترصد الواقع قصصاً وشعراً.

مدونة وطن "eSyria" التقت "فاتن ديركي" بتاريخ 1 حزيران 2017، وعن دوافعها للكتابة تقول: «أكتب الشعر منذ نعومة أظافري، فقد كنت أخربش على الأوراق ما يعتمل بداخلي بعفوية وصدق، باحثة عن السلام، ومن دوافعي إلى الكتابة وأنا أمارس مهنة المحاماة، ذاك الكمّ الهائل من المشاهدات الاجتماعية المظلمة، والمشكلات الحياتية التي يعانيها الإنسان عامة، والمرأة خاصةً، ورغبتي الحقيقية بالانعتاق من عالم يسوده الظلم والقسوة، فنظرتي إلى القوانين الحالية ورغبتي في تغييرها، وخاصةً تلك التي تتعلق بالمرأة، جعلتني أصمّم على إمساك القلم لوصف ما يجري على أرض الواقع، متأثرة بحالات كثيرة رصدتُها جعلتني أتوه وأنا أشعر بفوضى في داخلي، وضجيج في رأسي يسرقني من هدوئي وسلامي النفسي، إذ وجدت نفسي مؤطرة في إطار معتم، أبحث فيه عن طريقة للخروج من عزلة وضعتني فيها هذه القصص وتلك المشاهدات، فقررت البحث عن الحقيقة للوصول إلى فجوة نور تعيد إليّ التوازن النفسي الذي افتقدته، هاربةً من مجتمع مملوء بالتناقضات والمعتقدات الخاطئة، وما دفعني إلى الكتابة شعوري بأنني بحاجة إلى أن أتنفس على الورق، وأصرخ من خلاله، وأزرع عليه آمالاً تأخذني إلى عالم اليقين، فالكتابة بالنسبة لي طريقة حياة أعيشها لأشعر بأنني على قيد الحياة، وتعبيراً عن الرغبة الكامنة في كل إنسان في أن يخلف وراءه أثراً كما قال الأديب التشيكي "ياروسلاف سايفرت"».

اللافت في مسيرتها الأدبية أنها تعمل على تجاوز نفسها بين نتاج وآخر، لكنها بالمجمل تسير على خط واحد، تحاول أن تعايش قصص الناس وهمومهم ومشكلاتهم، تتحدث عن المجتمع والإنسان والحب والتضحية والوفاء، تعمل على تكريس القيم الأخلاقية في علاقات الناس مع بعضهم، وفي كتابها الأخير كان الوطن والهمّ الوطني هاجسها، ورسالتها فيه هي الحب

وعن مؤلفاتها تقول: «صدرت لي أول مجموعة قصصية بعنوان: "نسائم ملوثة" عام 2010، وهي عبارة عن قصص من أروقة المحاكم، ثم أصدرت أخرى في عام 2014 بعنوان: "رسالة اعتذار من طائر الفينيق"، وهي قصص اجتماعية واقعية من صلب الواقع، وفي عام 2017 صدرت أول مجموعة شعرية لي بعنوان: "حين اعتزلت الغناء"، أهديتها إلى الوطن، وحاولت من خلالها وضع يدي على حجم الألم الذي أصابنا جرّاء هذه الحرب اللعينة، لأننا إن لم نغنِّ للوطن والأمل والحب والحياة، تموت ألحان أرواحنا شهيدة على بوابة اليأس والقنوط، كما تطرقت إلى مواضيع وجدانية فيها الفلسفة الوجودية وماهية نظرتي إلى الحياة، ومحاولتي الدؤوب للبحث عن الحقيقة التي هي غاية كل إنسان، واخترت عنوانها تبعاً لقصيدة لي في قلب المجموعة، لخَّصت كل شيء، وأردت القول من خلالها على الرغم من المصاعب والآلام، سنبقى متشبثين بالأمل والرجاء، ونغني للحب والحياة والسلام».

مجموعة قصصية "نسائم ملوثة"

وفيما يتعلق بالقضايا التي تركز عليها في كتاباتها، تقول: «نحن أمة تعيش أزمات وآلاماً خانقة؛ لذا أركز في كتاباتي عامة على قضايا الناس والوطن والمجتمع، وأتناول فيها أولئك البائسين والمظلومين الذين همَّشتهم الحياة وظلمتهم القوانين، في محاولة لنقل صورة حقيقية صادقة للواقع بكل جوانبه، ولذلك انتُقِدت كتاباتي بعد إصدار مجموعتي الأولى "نسائم ملوثة"؛ لأنها تشاؤمية ومحزنة نوعاً ما، وأنا أرى أن الكاتب إذا لم يستطع تلمس آلام مجتمعه والمحيط والبيئة التي يعيش فيها ويعبر عنها بصدق وأمانة، فهو ليس جديراً بأن يسمى أديباً، وواجب المثقف تجاه مجتمعه تعرية الجوانب السلبية، وتسليط الضوء عليها للنهوض به وتغييره نحو الأفضل، وأركز على قضايا المرأة، لأنها أساس الأسرة التي هي نواة المجتمع، ويجب أن تصان حقوقها، كي تعطي أفضل ما عندها، وأحاول في نتاجاتي الأدبية أن أمسح دمعة، أن أرتِّقَ قلباً مزقته الآلام، أن أمد يدي إلى كل إنسان، إلى الخير الذي يقبع في نفسه لأجبره على الخروج إلى لجة النور، لأنني أؤمن بأن داخل كل واحد منا جانباً مضيئاً تحرسه القيم النبيلة الجمالية المطلقة القابعة في مكان ما في سراديب نفسه، التي ربما لسبب ما غابت في الظلام، وأظنّ أن المحاماة على صلة دائمة بالأدب والفكر والثقافة، وفي الاثنين تأدية لرسالة نبيلة؛ فالمحامي فارس العدالة يسعى مع القاضي لنصرة الحق، وكذلك الكاتب لا بد أن يحمل في جعبته رسالة ليكون أديباً حقيقياً يسعى من خلال قلمه وإيصال صوته إلى تحقيق العدل والوصول إلى الحقيقة».

وعن المرأة السورية في زمن الحرب، تقول: «استطاعت المرأة السورية أن ترسم صورة مشرفة لها في ظل الحرب، وقد واجهت مصاعبها بقوة وصبر وجلد، وأثبتت أنها قوية صلبة على الرغم من كل شيء، باستثناء اللواتي رمتهن الحرب في أتونها، ولعبت أدواراً جديدة على الصعيد المهني حققن فيها نجاحات متميزة، واستطعن تحقيق المعادلة الصعبة؛ لكون المرأة حملت كل المهام والأعباء في غياب الرجل، ولهذا من الواجب تكريمها وتوفير كل الفرص لها من أجل أن تعيش حياة حرة كريمة. وكمحامية، وكاتبة، وأم، أحاول جاهدة التوفيق بين واجباتي كلها على الرغم من صعوبة الأمر، فلا يكون لأحدها تخصيص على حساب الآخر، وأستطيع القول إنني أزرع أزهاري كل يوم في هذه الحقول لأجني منها طيب الرائحة وجمال الأثر، مع العلم أن أطفالي كبروا ووصلوا إلى مرحلة الشباب».

مع أهلها في حفل توقيع كتاب "حين اعتزلت الغناء"

الشاعرة "هيلانة عطا الله"، تقول عن أسلوب "ديركي" الشعري: «الكاتبة "فاتن ديركي" في مجموعتها الشعرية الأخيرة تقول إنها "اعتزلت الغناء"، لكنها شدَت على أوتار النار حيناً، وعلى شغاف النور حيناً، باحت لتأخذك إلى حيث تريد هي، لا كما تتصوَّر أنت لترى نفسك أمام لوحة الأنثى، وهي تحلم بالمحبة والسكينة والسلام، على الرغم مما يتشظَّى في وطنها من وجع، وفي المجموعة انزياحات جميلة في متواليات الصور الغزيرة البسيطة بعيداً عن التركيب، ولئن كرَّرتْ الشاعرة بعضها، فلأنَّ مدى أمانيها لا يُحَدُّ، إنها عزيمة الأنثى حين تصرُّ على جمال الإنسان، مثلما كان في البدء قبل أن يشوهه المآل الدنيوي، وعودته إلى النور حتمية، صَوْتٌ يبثُّ الأملَ في النفوس الغارقة في عويل الحروب، ثلاثون نصاً في المجموعة من مقام قصيدة النثر التي لم تخلُ من الإيقاع الداخلي، وإن تقصَّدت الشاعرة في مواضع كثيرة أن تعوّض عن جرس الأوزان والقوافي بالسجع في آخر كل عبارة من النص، وكان لمعجمها اللغوي صفةُ الغزارة والسهولة والإيحاء عما يعتمل في روحها، وبوسائل تعبيرية رومانسية استمدتها من معالم الطبيعة، بعد أن ألقت عليها من مشاعرها، بحالة من التماهي بين دواخلها وبنية النصوص، ولئن كانت المجموعة هي الأولى في مجال الشعر، فإنها تبشّر بمزيد من النضج وامتلاك الأدوات الفنية في نتاجها القادم».

الأديب والكاتب "عدنان كنفاني"، يقول عنها: «اللافت في مسيرتها الأدبية أنها تعمل على تجاوز نفسها بين نتاج وآخر، لكنها بالمجمل تسير على خط واحد، تحاول أن تعايش قصص الناس وهمومهم ومشكلاتهم، تتحدث عن المجتمع والإنسان والحب والتضحية والوفاء، تعمل على تكريس القيم الأخلاقية في علاقات الناس مع بعضهم، وفي كتابها الأخير كان الوطن والهمّ الوطني هاجسها، ورسالتها فيه هي الحب».

مجموعتها الشعرية الأولى

الجدير بالذكر، أن المحامية والكاتبة "فاتن ديركي" من مواليد "دمشق" عام 1971، حاصلة على إجازة في الحقوق من جامعة "دمشق"، وهي عضو في نقابة المحامين، واتحاد الكتاب العرب، وفي هيئة تحرير مجلة "المحامون".