وجدت "زهرية جباصيني" أنّ عليها استثمار موهبتها بصناعة "الماكيت" لتحقيق ذاتها، فالجهد والتعب لأيام طويلة أثمر ليعطي نتائج غير متوقعة، وأكسبها الكثير من الشهرة بفضل إبداعها وحرصها على أدقّ التفاصيل.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 أيار 2017، "زهرية جباصيني" لتحدثنا في البداية عن ماهية "الماكيت" (Maquette) بالقول: «هو تمثيل مصغر لشيء سيتم تنفيذه بالحجم الطبيعي، ويمكن القول إنه نموذج مبدئي لمشروع هندسي يُظهر خطة التصنيع والتنفيذ، ويعدّ نوعاً من فنون الدعاية لأي مشروع أو منتج صناعي، حيث يعرضه المصممون على الممولين للأعمال لغاية العرض والبيع قبل البدء في التنفيذ، كما أنه بمنزلة المُعلّم للطلبة في الكليات الهندسية، حيث يُمكنهم تنمية تخيلاتهم الفكرية وتنفيذها بأقل التكاليف. ويُظهر "الماكيت" تفاصيل الموقع العام بالكامل من حيث المناسيب والأرضيات والألوان، وتفاصيل تنسيق الموقع العام من الأشجار والمزروعات، وذلك بما يتوافق مع مقياس المجسم الأصلي. وتدخل صناعة "الماكيت" في الهندسة المعمارية، والدعاية والإعلان، والصناعات الهندسية، وصناعة السيارات، والخدع السينمائية، وغيرها».

قمت بصناعة نموذج لموقع عام لمصلحة جمعية خاصة للأطفال، وكان الهدف من المشروع أن يشرح للطفل بأسلوب مبسط محتويات المدينة العمرانية، وكيف يمكن استغلال المساحات الفارغة، وأهمية الحدائق والمشروعات الخضراء في الحفاظ على جمالية الحديقة، وأهمية المستشفيات والمدارس والمرافق العامة. وأقوم بصناعة الهدايا التذكارية وعلب المحارم وبعض الألعاب عندما أشعر بالضجر

أما عن بدايات عملها في صناعة "الماكيت"، فقالت: «لم أكن أتوقع أثناء تنفيذ مشروع تخرجي، أن كرسي الحدائق ذا الثلاثة دروب سيفتح لي بوابة العمل أثناء الدراسة، ليصبح مطلوباً كثيراً لمشاريع أخرى مشابهة، وقد قمت بصناعة 350 نموذجاً للكرسي وحده، وبيعها عبر أحد المواقع، حيث بلغت الساعات التي كنت أعمل فيها يومياً ست عشرة ساعة أثناء مرحلة الدراسة، فبدأت بورشة عمل منزلية نالت دعاية كبيرة من أصدقائي للحصول على "ماكيتات" جاهزة لمشاريعهم».

يوسف الشريف

وتابعت بالقول: «بعد التخرج بقيت الطلبات تنهال علي من المهندسين وبعض الشركات؛ لأنني دقيقة في عملي وحريصة على التنفيذ ضمن الوقت المطلوب، حيث يصعب عليّ أن أنام قبل أن أنهي ما بيدي، وكثيراً ما ينتابني القلق والفضول، وأنا أصنع واجهة واحدة لأحد المشاريع، وأفكر بطريقة تجسيدها بالشكل الأمثل نظراً إلى دقة التصميم الهندسي؛ حيث إن القياسات الصحيحة والتفاصيل الصغيرة للمشروع تعطيه جماليته وتميزه، وتبدأ من الطاولة والكراسي، والإضاءة، واللوحات، إلى الشكل العام للبناء، والألوان، والسياج، والطرقات، وغيرها».

أما عن طرائق العمل، فتقول: «المتعارف حالياً أن يتم رسم القطع بواسطة الحاسوب، وإدخال التصميم إلى برنامج "الأوتوكاد"، ثم يقوم البرنامج بتفريدها، فتخرج كقطع ورقية جاهزة عبر جهاز مخصص لهذه الغاية، ثم يتم تلزيقها وجمعها، لكن هذه الطريقة لا تعطيني الزخم الذي أحتاج إليه في عملي، فأنا أقطع وأرسم وألوّن وأصنع بيدي كل شيء من دون الحاجة إلى الحاسوب، وأجد في ذلك متعتي الخفية، وخاصةً أني كما يقال "طويلة البال"».

نموذج لبيت شامي

أما عن المواد التي تستخدمها، فقالت: «أستعمل الكرتون بأنواعه (الفوم والإيفا والستريو)، والكثير من الأوراق مختلفة الثخانة، ثم يأتي دور ورق الجدران للإكساء الداخلي والخارجي، كما أستعين بمحال الإكسسوار، وكثيراً ما أشتري من سوق الحرير سنسال زينة لواجهة أحد المحال أو من اللؤلؤ لغرف النوم، أو حبة خرز لإشارة جهاز الإضاءة، وفي كثير من الأحيان آخذ إحدى أوراق تغليف الشوكولا أو هدايا تذكارات الأفراح لصنع مرآب سيارة أو لوحة إعلانات، كما أستخدم الدهان والألوان المائية، وأحتاج أحياناً إلى بعض "الديكرون" والخرز لتصميم نماذج لغرف النوم وعيادات الأسنان أو المستشفيات».

وتعدّ "زهرية" البيت القديم الشامي من أهم مشاريعها، حيث قالت: «أرى أن البيوت العربية القديمة هي نموذج حيّ لحضارتنا العريقة؛ فالعمارة الدمشقية الشهيرة تمتاز بطرازها الفريد من حيث الدقة والحرفية؛ لذا قمت بطباعة الزخرفة الأرضية فقط لدقتها الشديدة، وقمت بتلوينها ولصق النموذج، واهتممت بالتفاصيل الصغيرة للبيت من الليوان، والعريشة، والبحرة، وأصائص الزهور، والياسمينة الشامية، والإكسسوارات كافة، وقمت بطلائها حتى إن كثيرين ممن شاهدوا الصورة المأخوذة للمشروع، ظنّوا أنها مأخوذة في أحد البيوت الشامية القديمة في "باب توما"».

نموذج لبناء يصلح مستشفى أو "مول"

وعن أبرز مشاريعها، قالت: «قمت بصناعة نموذج لموقع عام لمصلحة جمعية خاصة للأطفال، وكان الهدف من المشروع أن يشرح للطفل بأسلوب مبسط محتويات المدينة العمرانية، وكيف يمكن استغلال المساحات الفارغة، وأهمية الحدائق والمشروعات الخضراء في الحفاظ على جمالية الحديقة، وأهمية المستشفيات والمدارس والمرافق العامة. وأقوم بصناعة الهدايا التذكارية وعلب المحارم وبعض الألعاب عندما أشعر بالضجر».

"يوسف الشريف" صاحب مكتبة "الأديب"، تحدث عن عمل "زهرية" بالقول: «كانت في كل مرة تفاجئني بعملها، حيث يمتاز بالجمالية والحرفية، ويمثّل العمل اليدوي مرآة تميزها في "الماكيت"، حيث تقوم بصنع كل شيء بيديها، علماً أن الكثيرين من الطلاب والمهندسين يقومون بالاستعانة ببرنامج الأوتوكاد لإدخال النموذج وقصه بالليزر، ولا يبقى من العمل إلا اللصق، لكنها فنانة اختارت لنفسها المجال الأصعب وتميزت به، وتستعين بعض شركات الإنتاج بنماذجها في المسلسلات التلفزيونية، كما عرضت العديد من النماذج في الشركات الهندسية حتى أصبح لها اسم مستقل».

الجدير بالذكر، أن "زهرية جباصيني" من مواليد مدينة "دمشق" عام 1989، خريجة المعهد الهندسي عام 2008، وقد عملت أيضاً مُدرّسة في كل من "قصر الأطفال"، و"المعهد العربي".