بإصرار كبير، وقدرة على تعلّم الكثير من المهن، استطاع "أنطون وعر" أن يصنع لنفسه بصمة خاصة في حرفة النجارة على الرغم من تقدمه في العمر، فأنامله الذهبية تأبى التوقف عن العمل.

مدونة وطن "eSyria" التقت الحرفي "أنطون وعر" بتاريخ 21 نيسان 2017، ليتحدث عن حياته المهنية، فقال: «بدأت علاقتي مع مهنة نجارة "الموبيليا" منذ نعومة أظفاري، وبعد حصولي على الشهادة الابتدائية التحقت خلال العطلة الصيفية بإحدى ورشات النجارة لحبي لهذه المهنة التي كنت أحاول تعلم كل تفاصيلها، ولم يقتصر تعلمي على صنع الأثاث المنزلي من غرف استقبال وجلوس ونوم، إنما شمل التحف الشرقية، والديكورات، والأرابيسك حباً بالتراث الشرقي، وسعياً للحفاظ عليه. حاولت الإبداع في هذه المهنة من خلال تطوير ما أقوم بصنعه من قطع خشبية، وإضافة لمسات فنية وجمالية إليها، أدخلت آلة خراطة الخشب إلى العمل اليدوي سعياً مني لإنجاز القطعة المراد تصنيعها كاملة وليس أجزاء منها، وطورتها لأستطيع إنجاز تصاميم متميزة، فأصبحت آلة لجدل وتسحيب وتفريغ الخشب. كما كنت سبّاقاً للاستفادة من هذه الآلة لتنفيذ قطع فنية من أعمدة الرخام، وهي المرة الأولى التي يتم فيها صنع قطع رخامية بهذه الطريقة، وقد تم إنجازها لعدد من الأماكن كقطع للتزيين والتجميل في المناطق السياحية، وكان لي شرف أن قمت بصنع وتركيب سور "ضريح الملك العادل" في "المكتبة الظاهرية" بمدينة "دمشق القديمة"، إضافة إلى ترميم النوافذ والأبواب بطريقة فنية بالأرابيسك للمكتبة أيضاً، والتي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا».

امتلك حرفية في مهنة النجارة التي لا يجاريه فيها الكثيرون ممن مارسوا هذه المهنة، استطاع بأعماله الفنية المنفذة بإتقان أن يترك بصمة خاصة ولا سيما في مجال نجارة "الموبيليا"، كـ"تلبيس" القشر على الخشب بإتقان، إضافة إلى تنفيذه أعمال الأرابيسك، وأعمال أخرى نفذها بمختلف المهن الأخرى. شخصية تستحق التكريم؛ فهو مدرسة بحدّ ذاته، يتعلم منه الآخرون دروساً في الحياة والعمل

ويضيف عن أعماله الأخرى: «صنعت حاملات الصور والمجسمات الخشبية للعديد من دور العبادة، وتنفيذ ديكورات الأرابيسك لعدد من المنازل، ومنها محتويات منزلي، فكل ما فيه من أثاث وديكورات من صنعي. وكنت أول شخص ليس في العالم العربي، بل في العالم يقوم بتصنيع أول آلة عود من خشب الزيتون الخالص، وقدمت بعضها كهدايا للموسيقار السوري الراحل "رياض البندك"، كما قمت بتصنيع وتصدير بعض القطع لعائلة "علم" المهتمة بالموسيقا والموجودة في "أميركا"، إلى جانب تصنيع بعض القوالب الخشبية لمنتجات زجاجية متميزة؛ "مزهريات، شمعدانات".

تصنيع سور ضريح الملك العادل من الخشب

كنت أشعر دوماً بأنني في حالة تحدٍّ مع ذاتي لإنجاز كل ما هو غريب ومتقن وفني، ولا يستطيع أحد إنجازه، وعملي في منطقة "القيمرية" بـ"دمشق" القديمة مكّن السياح من التعبير عن إعجابهم بالقطع المصنعة، وكنت أقدم لهم بعض القطع كهدايا تذكارية».

وعن مراحل تصنيع القطعة الخشبية، يضيف: «مهنة النجارة تعتمد بوجه أساسي على مادة الخشب الذي يختلف بنوعه بين تصنيع قطعة وأخرى، ولكل قطعة نوع معين من الخشب يجب استعماله، وبعد ذلك نقوم برسم الشكل المراد تصنيعه على الورق؛ أي رسم طبعات فنية، ثم تفريغها حسب الشكل المرسوم، ثم طباعتها على الخشب المراد صنعه كقطعة فنية، وأحياناً تحتاج بعض القطع إلى العمل على آلة الخراطة من جدل وتسحيب وتفريغ، بعد ذلك نقوم بتنعيم القطعة الخشبية بواسطة ورق "السنبادج"، وتأتي المرحلة الأخيرة لعملي كنجار بتجميع كل القطع لهذه التحفة أو العمل، وإرساله إلى الشخص المختص بمرحلة "البخ"؛ أي تلوين الخشب».

من أعماله الفنية الخشبية

يتابع: «على الإنسان أن يكون فاعلاً ومتفاعلاً مع الواقع الذي يعيش فيه، ويتعلم كل شيء. وأغلب الصعوبات بالنسبة لعملي تتعلق بالأمور المادية، وعند عدم توفرها لا أستطع المتابعة؛ لذلك كنت أنتقل من مهنة إلى أخرى؛ وهذا ما جعلني أتعلم أكثر من مهنة، إلى جانب رغبتي في الاطلاع، ومعرفة كل دقائق الأمور في العمل، ومن المهن التي مارستها: الميكانيك، والكهرباء، والتصوير، وتصليح الأجهزة الطبية، وحالياً أقوم بزراعة بعض الخضراوات والنباتات في أحواض خاصة على شرفة منزلي، أؤمن من خلالها ما أحتاج إليه من خضراوات. ومن هواياتي إعداد المأكولات الشامية التراثية، وجمع التحف والقطع ذات الصفة الفنية القديمة، وقد حصلت على عدد منها نتيجة زياراتي لعدد من المناطق داخل وخارج القطر، وما زلت وأنا في الثمانين من عمري أملك طاقة وقدرة على تعلم أي شيء، وأحاول الاستفادة من تجارب الآخرين حتى أقلهم عمراً مني، فالحياة لا تتوقف عند عمر معين، فطالما الإنسان موجود، عليه أن يثبت حضوره بالعمل والإنجاز وتلبية حاجاته على الأقل، وعليه ألا يخجل من طلب المعرفة أبداً».

عنه قال النجار "أنور النقشبندي": «امتلك حرفية في مهنة النجارة التي لا يجاريه فيها الكثيرون ممن مارسوا هذه المهنة، استطاع بأعماله الفنية المنفذة بإتقان أن يترك بصمة خاصة ولا سيما في مجال نجارة "الموبيليا"، كـ"تلبيس" القشر على الخشب بإتقان، إضافة إلى تنفيذه أعمال الأرابيسك، وأعمال أخرى نفذها بمختلف المهن الأخرى.

تصنيع آلة العود الموسيقية من خشب الزيتون

شخصية تستحق التكريم؛ فهو مدرسة بحدّ ذاته، يتعلم منه الآخرون دروساً في الحياة والعمل».

من جهته أضاف المخبري "نقولا بشارة" أحد جيرانه: «تعرفت إليه منذ ثلاثين عاماً حيث نقطن بذات البناء، ومن خلال معرفتي تبين أن لديه إلماماً بأكثر من مجال، وقد اختبرته بمجال الكهرباء لبعض الإصلاحات المنزلية، وإصلاح الأدوات الطبية المخبرية كالمثفلات وغيرها، علماً أنه لم يرها سابقاً، كنت مندهشاً عندما استطاع إصلاحها. ولديه إلمام بمجال الميكانيك، حيث استشرته بمواضيع ميكانيكية تخص السيارات، وكان له تقييم واستشارة صحيحة. واجتماعياً له مواقف إيجابية جداً، فقد تم انتخابه بلجنة البناء لأكثر من مرة، يقدم خدمات للجوار، لديه رغبة بمساعدة الفقراء والمحتاجين، محبّ، ومسامح، ولا بد من ذكر إنسانيته المميزة التي تجلت باهتمامه الكبير بالراحلة زوجته، حيث بذل جهداً كبيراً لتأمين الرعاية الصحية لها».

الجدير بالذكر، أنّ "أنطون وعر" من مواليد "دمشق" منطقة "الميدان"، عام 1936.