حبّه الكبير لمهنته، وارتباطه العميق بطلابه، كانا الحافز في استمراريته في عمله، فعلى الرغم من بلوغه السبعين من عمره، إلا أنه ما زال يمارس عمله لإكمال رسالته الإنسانية بكل حب وعطاء.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 آذار 2017، المدرّس "أحمد هشام خليل"، ليحدثنا عن مسيرته في التدريس، خاصة أن هذه المهنة لديه تعدّ رسالة إنسانية فحواها العطاء، قائلاً: «نشأت في بيئة دمشقية بسيطة، ففي حيّ "ساروجة" أبصرت عيناي النور عام 1948، وضمن هذا الحيّ كان هناك طبيب يعالج الناس مجاناً، فتأثرت به، واتخذته قدوة لإنسانيته اللا متناهية، فاخترت مهنة التدريس باعتبارها مهنة إنسانية مقدسة تمكنني من إيصال رسالة العلم والمعرفة، وزرع بذرة الخير والعطاء في نفوس أبنائنا، فكنت شغوفاً لدخول مجال العمل، لذلك اتجهت لخوض هذا المضمار مذ كنت طالباً في الجامعة، وبعد التخرج في جامعة "دمشق"، كلية العلوم، قسم الفيزياء، عام 1973، تم تعييني بمدارس "دير الزور"، حيث عملت فيها لعدة سنوات، وبعدها عدت إلى "دمشق"، وخلال هذه السنوات تبلورت تجربتي وازدادت غنى، واستطعت أن أعلّم طلابي مادة "الفيزياء" وأفيدهم بمعرفتي وثقافتي، فلم أكن مجرد مدرّس يعطي درسه فقط من دون متابعة نتائج الطلاب الملموسة، بل كنت أشعر بالمسؤولية تجاههم باعتبارهم أمانة لدي؛ ولابد من مساعدتهم لبناء مستقبلهم بكل أمانة وصدق».

يعدّ من المدرّسين المتميزين الذين تركوا بصمة مهمة في حياتي، وله فضل كبير عليّ، فقد قدم المساعدة لي ومنحني من علمه وحكمته الكبيرة الشيء الكثير، إضافة إلى أنه لم يبخل علينا كطلاب بمعلوماته التي كانت عوناً لنا في دراستنا، وذلك من خلال المتابعة الدائمة لنا أثناء الحصة الدراسية، ومعرفة نقاط ضعفنا في المنهاج ومحاولة ترميمها من خلال التواصل معنا عبر الهاتف أو الإنترنت ومساعدتنا من دون أجر، كما أنه يتعامل معنا بكل احترام وحب، ويشعرنا بقيمتنا ويعزز الثقة بقدراتنا وإمكانياتنا العلمية، ولا يزال حتى اللحظة يقدم العون والمساعدة للآخرين

ويؤكد أن الاحترام والمحبة هما الطريق إلى قلوب وعقول الطلبة، وينعكسان إيجاباً عليهم، وتابع: «كل ما أقدمه لطلابي في المجال التعليمي من علم ومعرفة، كان مترافقاً بالحب والاحترام، وهذا له انعكاسات إيجابية على حياتهم الاجتماعية؛ فالطالب بالنسبة لي كالجوهرة الثمينة التي تصقل ليس فقط بالعلم والمعرفة، وإنما بالمحبة والاحترام الذي نحتاج إليه كثيراً في أيامنا هذه، التي طغت المادة فيها على الكثير من القيم والمفاهيم الموجودة في مجتمعنا، فلا بد من الوقوف إلى جانب أبنائنا في ظل هذه التغيرات التي دخلت مجتمعنا في المدة الأخيرة، فكانت هذه الانعكاسات ركيزة أساسية بالنسبة لي؛ لأن المحبة التي أمنحها لطلابي تشعرني بالسعادة، وخصوصاً عندما أقدم علمي ومعرفتي لهم، وأحصد النتائج بتفوقهم واجتهادهم واحترامهم لي؛ لذلك تراني أندفع بلا شعور عندما أدرك أنني قادر على منح أي شيء من فكري وعلمي لغيري، فلم أنتظر يوماً من أحد رداً على شيء أعطيه؛ لأن العطاء يمنحني شعوراً بوجودي كإنسان، فهو بالنسبة لي حالة إنسانية مرتبطة بالمسؤولية الموكلة إلينا كمدرسين لإيصال رسالة العلم والمعرفة إلى الأجيال القادمة بكل ما نملك من مبادئ وقيم سامية وصادقة، وخصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يعانيها مجتمعنا، والتي تكاد تفقد الإنسانية قيمتها، فلا أنتظر طلباً من أحد، بل أبادر من ذاتي لتقديم كل إمكانياتي العلمية والفكرية للآخرين، حيث تعرضت بعض المناطق للنزوح، ومع ازدياد الغلاء المعيشي والتكاليف الباهظة للدروس الخصوصية، كان لابد من مدّ يد المساعدة لهم بكل الإمكانيات المتوفرة لدي؛ فكنت أقوم بجمع العديد من الطلبة الذين لم يستطيعوا متابعة دراستهم بسبب ظروفهم المادية الصعبة، لتقديم ما أجيده عبر جلسات تقوية لهم كلما سمحت لي الفرصة بذلك، فلم أقم بهذه الخطوة بناء على طلب من أحد، بل كانت مبادرة ذاتية تجاه مهنتي التي أعدّها واجباً مقدساً».

مستمر في التدريس على الرغم من التقاعد

وتحدثت "ابتسام شعبان" مديرة ثانوية "وسيم وجيه الشلي" بجبل "الورد"، التابعة لمنطقة "الهامة" عن المربي "هشام"؛ لكونه يعمل مدرّساً في المدرسة التي تديرها بالقول: «هو إنسان معطاء وصادق، يعدّ التدريس رسالة إنسانية تحمل مبادئ وقيماً، وهو مسؤول عن زراعتها في نفوس وعقول الأجيال القادمة بكل أمانة وشفافية، إضافة إلى أنه يقدم ويعطي من دون مقابل؛ فهو بإمكانياته العلمية المتميزة يستطيع التدريس في المدارس الخاصة، إلا أنه فضل القدوم إلى المدارس الحكومية، مع العلم أنه كمدرّس متقاعد أجوره ضئيلة، ولا تتناسب مع الغلاء المعيشي أو حتى تكاليف مواصلاته، فهو يتحمل مشاق الطريق للوصول إلى المدرسة، ويقطع بسيارته مسافة ليست بقليلة ليقدم رسالته الإنسانية من خلال علمه. ولا يقتصر عمله على تقديم المعلومات المتعلقة بالمادة التي يدرّسها، بل يقدم النصيحة ويعلم الاحترام والأخلاق الحميدة التي نفتقد إليها في أيامنا هذه، إضافة إلى امتلاكه قلباً كبيراً ومعطاءً، فهو يتعامل مع الطلبة كأب حنون يقدم العطاء لأفراد أسرته من دون تقصير، حتى إن الطلبة في الصفوف ينادونه بلقب "جدو"؛ وهذا دليل على مدى تعلقهم به لقدرته على منحهم الحب والتقدير والاحترام. إضافة إلى أنهم وجدوا فيه يد العون والمساعدة، ويعطيهم خبرة سنوات طويلة من العمل التربوي بكل إنسانية».

وفي لقاء مع "حسين عجيب" طالب سابق حقق الفائدة من خبرات المدرّس "هشام"، حدثنا عنه بالقول: «يعدّ من المدرّسين المتميزين الذين تركوا بصمة مهمة في حياتي، وله فضل كبير عليّ، فقد قدم المساعدة لي ومنحني من علمه وحكمته الكبيرة الشيء الكثير، إضافة إلى أنه لم يبخل علينا كطلاب بمعلوماته التي كانت عوناً لنا في دراستنا، وذلك من خلال المتابعة الدائمة لنا أثناء الحصة الدراسية، ومعرفة نقاط ضعفنا في المنهاج ومحاولة ترميمها من خلال التواصل معنا عبر الهاتف أو الإنترنت ومساعدتنا من دون أجر، كما أنه يتعامل معنا بكل احترام وحب، ويشعرنا بقيمتنا ويعزز الثقة بقدراتنا وإمكانياتنا العلمية، ولا يزال حتى اللحظة يقدم العون والمساعدة للآخرين».

مع طلابه