ضمن عالم خيالي تتداخل فيه الواقعية بالحلم؛ يبحث الفنان "غزوان علاف" على الإنسان من خلال الرموز والدلالات؛ بمنحوتات نحتها بحرفية عالية، ليجوب فيها كبرى المعارض العالمية.

«النحت فنّ إبداعي، وطريقة تفكير، ورؤية مختلفة للمنتج الثقافي، وعملية تفاعل وصهر للفوضى والهلوسات والخروج بمنتج فني حاضر بالأبعاد الثلاثة للكتلة، وفراغات مفعمة بطاقة الفن والجمال والفكر، وهنا يبدأ الاختلاف عن باقي الفنون الإبداعية»؛ هكذا يُعَّرف الفنان "غزوان علاف" فنّ النحت لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 4 آذار 2017، وعن بداياته بالنحت، يقول: «لا توجد بداية محددة؛ فالنحت، والعمل اليدوي، والرسم؛ ترافقني منذ سنوات طفولتي الأولى؛ لأنني نشأت ضمن عائلة فنية جميع أفرادها يمارسون الفن بطريقة أو بأخرى؛ أبي موسيقي، وأمي تعمل بمجال التصميم، وإخوتي موهوبون بالرسم والموسيقا، لذلك لم يأتِ عملي بالفن من باب المصادفة. أذكر محاولاتي الدائمة في مرحلة الطفولة بالرسم، ونحت بعض المجسمات والأشكال على حبات الخضار والفواكه، وكانت لي مشاركاتي الدائمة في المسابقات التي كانت تنظمها منظمتي "الطلائع" و"الشبيبة"، حيث نلت في الصف الثالث الابتدائي المرتبة الأولى على مستوى "دمشق" بالرسم والنحت. لكن التحول الحقيقي بدأ في المرحلة الجامعية؛ فبعد دخولي كلية "هندسة الإلكترون"، وفي السنة الثانية، وعلى الرغم من حبي للمعلوماتية والتكنولوجيا، أدركت أن شغفي بالفن كان أكثر التصاقاً بي، فتحولت إلى دراسة الفنّ».

النحت فنّ إبداعي، وطريقة تفكير، ورؤية مختلفة للمنتج الثقافي، وعملية تفاعل وصهر للفوضى والهلوسات والخروج بمنتج فني حاضر بالأبعاد الثلاثة للكتلة، وفراغات مفعمة بطاقة الفن والجمال والفكر، وهنا يبدأ الاختلاف عن باقي الفنون الإبداعية

عن طريقته وفلسفته بالعمل، والمواضيع التي يعالجها من خلال منحوتاته، يضيف: «أعمل بتقنية تجميع الكتلة ثم نحتها، بعدها أضيف اللون مستخدماً بذلك البرونز، والخشب، وكل نوع له خصوصيته، واختياري للمادة يكون بما يخدم الفكرة، والرسالة التي أريد إيصالها من خلال العمل. أما مواضيعي، فهي تتنوع بين الحب، والحلم، حيث تبدأ بالإنسان، وتنتهي عنده؛ فالإنسان هو أصل الحياة، وهو هاجسي الأول، وهو الحاضر دوماً إما بذاته أو برمز يدل عليه ضمن عالم خيالي يجمع بين الإنسان والحيوان والطبيعة.

غزوان علاف مع بعض منحوتاته

وبرأيي إن الفنان لا يمكنه العيش بمعزل عن واقعه؛ لذلك أحاول دائماً أن أعكس الواقع بلوحاتي، لكن أنقله برؤية فيها بعض الأمل؛ وهذا برأيي مهمة نبيلة للفنان خاصة في ظل الظروف الصعبة التي نمرّ بها».

وعن أهم أعماله، يضيف: «لا أنجز عملاً إلا إذا آمنت به وأحببته، وكل عمل لا بد أن يحمل رسالة ومعنى، لذلك فكل أعمالي تحمل ذات الأهمية، لكن منحوتتي المفضلة هي تلك التي أنجزها بصعوبة، حيث يبقى العمل أمامي بشكله الكامل لعدة أشهر، فيدور بيننا حوار حتى أجد ضالتي، ربما هي إضافة، أو تغيير بسيط، وأنهي العمل».

وجوه منحوتة من البرونز تدل على ثنائية الحياة

وللإضاءة أكثر على مسيرة "غزوان علاف" الفنية، يحدثنا الفنان التشكيلي "وليد الآغا" قائلاً: «من الفنانين القلائل الذين يملكون خصوصية فنية بامتياز، فمواضيعه لها حضور طاغٍ لدى المتلقي لما يملكه من تقنية مميزة، ومزج المواد ليقول جملته الفنية. تأخذنا أعماله إلى جمالية بصرية فيها شيء من الثقافة التي نفتقدها، والرمز لديه يحاكي واقعاً يفرض وجوده من خلال أعماله المعروضة بتناغم، وتآلف يعدّ بكل المعايير جدلاً جميلاً، فالنحت لدى "غزوان" ليس كتلة أو فراغاً فحسب، وإنما بحث بالخامات، والرمزية الواضحة التي يظهرها في أعماله للإنسان، وعشقه للحياة، والعلاقة بين الأنثى والرجل، والحب يمثلهما دائماً؛ وهو ما يؤكده "غزوان" بمجمل أعماله. حضوره المميز حاضر داخل البلد وخارجه؛ فهو خير سفير من خلال أعمال لها من الحضور الذي لا يقاوم شكلاً ومضموناً».

يذكر أنّ "غزوان علاف" من مواليد "دمشق"، عام 1973، خريج معهد الفنون التطبيقية عام 1993، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين؛ يعمل مدرّساً لمادتي النحت والتشريح الفني لدى مركز "أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية" منذ ثلاثة عشر عاماً، إضافة إلى عدة مدارس ومعاهد أخرى. جاب بلوحاته المصنوعة من (البرونز، والخشب، والخزف، والرخام) معظم بلدان العالم ناشراً الفنّ والجمال؛ فقد أقام أربعة عشر معرضاً فردياً، وأكثر من ستين معرضاً جماعياً في كل من "لبنان، ومصر، وتركيا، والبرازيل، وفرنسا، والتشيك، وبريطانيا، وكندا، وهولندا، وأميركا، وألمانيا، والإمارات العربية المتحدة"، إضافة إلى معارض عدة داخل "سورية". وهو إلى جانب كونه نحاتاً يعدّ عاشقاً للموسيقا، حيث يتقن العزف على آلة "البيانو"، إضافة إلى موهبته بتصميم الجواهر والإكسسوار، وأثاث المنازل، وله مشاركات متعددة بعدة فعاليات لدعم المجتمع الأهلي.

منحوتة من البرونز (صراع مع الأفكار)