أعماله مقتناة بأهم المتاحف العالمية، وله طريقة خاصة في التقاط الصورة؛ فبعد أن تختمر الفكرة بذهنه وتكتمل عناصرها، تتلاقى عينه التعبيرية مع اللقطة الضوئية، فتصطاد الزمن بأقل من ثانية؛ ونكون أمام صورة فوتوغرافية فنية.

الفنان يُخلق فناناً ويُصقل، لكنه لا يصنع؛ هذا ما قاله الفنان الضوئي "أنطوان مزاوي" لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 20 تشرين الأول 2016، ويقول: «الصور التي تؤخذ مصادفة لا تعلن قيام مشروع بصري، ولا تعلن ولادة فنان؛ فالصورة هي سرد بصري وتعبير منظور يجب أن يكون كافياً للتعبير عن الحالة، من دون الحاجة إلى النص المكتوب؛ فنحن بزمن لم تعد الصورة مجرد صورة بيت عتيق ولا شجرة، إنما يجب أن تقدم فكراً وفلسفة ولها أكثر من وظيفة، وهي نتاج تجربة وعمل. الصورة المجانية التي تعتمد فقط جمالية المشهد أو جماليات اللون، هي صور توثيقية جمالية لا تحمل أي رسالة ولا تعنيني. إن احترامك للناس الذين يتلقون العمل، واحترامك لذاتك كفنان، يفترض بك أن تمتلك صيغة حوار بصري مع المتلقي فتشعره بأنه أمام عمل فني. على الرغم من وصولي إلى فن التصوير الضوئي متأخراً بعمر 28 عاماً، إلا أنني تمكنت من أدواتي؛ ففي طفولتي كنت أحب الرسم، ورسوماتي كانت تلقى الاستحسان من قبل أساتذتي، لكن لم أجد الاهتمام الكافي من قبل الأهل لتنمية موهبتي، لخوفهم من أن تشغلني عن متابعة تحصيلي العلمي، فأصبحت الريشة مستعصية علي، ولم أجد أفضل من الصورة الضوئية التي تصطاد الزمن وتجسّد ما يجول في داخلي متخذاً من اللونين الأكثر قرباً إلى نفسي الأبيض والأسود وسيلة تعبيرية لمعظم أعمالي».

ما يميزه أنه دمج ثقافته البصرية بالعلم ليصيغ أسلوبه المبني على البساطة والدهشة وجمال المفردات، لوحته الممهورة بشخصيته المميزة التي تفرض وجودها على المتلقي وتقنع الفنان الجيد بالمشهد التشكيلي ومعطياته، وأن اللوحة التي أمامه تحمل كل عوامل الإقناع البصري والجمالي والتقني حتى الحسّ الثقافي، وهنا بيت القصيد، وهو بلا شك يملك العين الحساسة للمشهد، والقدرة على توظيف الكادر أو المشهد لخدمة لوحته الفنية؛ فهو يتفرّد بأسلوب واضح من حيث اللقطة التي يحصرها ضمن الكادر

تابع قائلاً: «باعتقادي المصور الذي يشتغل على مشروعه البصري ويطوره، ويقدم له أبحاثاً ويعطيه وقتاً وجهداً هو مشروع فنان، فنحن بحاجة بهذا الزمن إلى تطوير صيغنا التعبيرية؛ فبناء اللقطة والمشهد والفكرة ليس أبداً بهذه السهولة، وبالوقت نفسه ليس بهذه الصعوبة، إن كنت تملك أدواتك لمعالجة أي عمل لا بد من تكوين قاعدة فكرية عنه والبحث بصرياً والربط بينهما؛ لأن الصورة مجموعة دراسات بصرية وفيزيائية وحركية، أعيش معها وأحاورها وتشاكسني حتى أستطيع الدخول إلى عوالم تكاد تكون مغلقة أمامي، وتصبح المفردات طيّعة بالنسبة لي، وحين أصل إلى صيغة الترميز البصري لا أتردّد في التقاط المشهد، الذي لا يدوم أغلب الأوقات إلا جزءاً من الثانية، وبعدها يغدو المشهد فكراً آخر وبعداً آخر، وفي هذه الحالة فقط تخرج الطاقة التعبيرية والقدرة على التعبير عن الرؤى وتحبس ضمن الكادر الضوئي.

صورة ضوئية من معرض طقس الدراويش

المصور عليه أن يتحلّى بالسرعة والدقة معاً، والإنسان هو مشروعي البصري الأول، وأسلوبي في العمل يقع بين الواقعية والتعبيرية، ويحمل في طياته شيئاً من الانطباعية، وعندما صوّرت الشام القديمة بحاراتها وبيوتها وضعت إحساساً فيها يتجاوز تصوير الحجر؛ فالإنسان حتى لو لم يكن موجوداً في الصورة، فإنك تظهر أثره».

وعن أهم معارضه الفردية، قال: «معرض بورتريه "نساء شرقيات" 2002 الذي اشتغلت عليه لمدة أربع سنوات، وأخذ حيّزاً كبيراً من روحي ومن فكري، إذ يحوي جماليات ولكن وراءها الكثير من الوخزات، وليس مصادفة حصول اثنتين من أصل 30 صورة على جوائز عالمية، علماً أن الجوائز دليل على صحة الطريق فقط. معرض "طقس الدراويش" في "دمشق" 2007 ضمّ مجموعة من الصور لطريقة جلال الدين الرومي بالتصوف، عملت عليها خمس سنوات؛ فالمشهد لم يكن ابن لحظته، بل بني بتأنٍّ، والصعوبة تكمن بأخذ لقطة تعبيرية لأشخاص في حالة دوران سريع».

الصورة الضوئية المعروضة بمتحف أرميتاج "سان بطرسبورغ"

بدوره حدّثنا الفنان التشكيلي "غازي عانا" قائلاً: «الفنان الضوئي "مزّاوي" رصد تفاصيل الحياة اليومية، وحوّل اللحظات العادية إلى حالة استثنائية، وجعلها أكثر إنسانية لتفيض بالمشاعر والأحاسيس، لذا تصبح قابلة للحياة أكثر من قبل لشدّة تعبيرها عمّا أراده الفنان من خلال مشهده الذي لا يعتمد فيه على عدد العناصر أكثر من انتقائها بعناية. يرسم بالأبيض حدود الشكل ويترك للأسود شجنه الآسر، في عكس بعض الملامح الأكثر رغبة في الحياة، ليحضر الإنسان كموضوع محبّب في أعماله عموماً، فهو وإن غاب في شكله أحياناً عن الكادر لا بدّ أن نشعر بوجوده، كإحساس ومشاعر من خلال أشيائه بدفئها وبرودتها لتشكّل ظلّه أو بقايا من بقاياه. في تجربته تركن ما بين البصر والبصيرة مسافة قد تصل إلى اللا نهاية، من حيث احتمالات الرؤية والمشاهدة بالعين المجرّدة، وهي في الوقت نفسه قصيرة إلى درجة قد تقارب المسافة بين سواد العين وبياضها. هي حالة من التخيّل وكثير من الحلم فيها، ربما بعض الواقع يركن هناك تقنصه العين بذكاء في مكان ما، ولحظة استثنائية هاربة من الزمان تستحضر من خلالها المشهد الأكثر دهشة، مستفيدة أحياناً من بعض المصادفة المفيد توظيفها كحالة جمالية، إضافة إلى مجموعة من الشروط الفنية للكاميرا التي تتحكم في إعداداتها خبرة وذائقة المصور، والتي تحوّل الصورة الفوتوغرافية إلى لوحة ضوئية تحمل كل مقومات النجاح والحضور الأبهى من حيث الحيوية والحركة، الظل والنور والتكوين، الذي ينهض بالاعتماد على مدى نجاح شروط تحقق "لحظة التعبير، السرعة، زمن فتح العدسة"، وهذه الظروف لا تجتمع عادة بسهولة، فلابدّ من تناغم الرؤية والرؤيا؛ أي الواقع والحلم في تلك اللحظة من التعبير. الفنان يوفر حالة إبداعية بالوعي والمعرفة والثقافة التي يمتلكها، بما تحمل تلك الأعمال من مشاعر وأحاسيس وجماليات لم تستطع الكاميرا الرقمية الوصول إليها؛ وهو ما يحول الصورة الفوتوغرافية إلى لوحة ضوئية، لا تختلف على الأقل من حيث القيمة عن اللوحة التشكيلية المعاصرة».

الفنان التشكيلي "وليد الآغا" كمشاهد لأعمال "مزاوي"، قال: «ما يميزه أنه دمج ثقافته البصرية بالعلم ليصيغ أسلوبه المبني على البساطة والدهشة وجمال المفردات، لوحته الممهورة بشخصيته المميزة التي تفرض وجودها على المتلقي وتقنع الفنان الجيد بالمشهد التشكيلي ومعطياته، وأن اللوحة التي أمامه تحمل كل عوامل الإقناع البصري والجمالي والتقني حتى الحسّ الثقافي، وهنا بيت القصيد، وهو بلا شك يملك العين الحساسة للمشهد، والقدرة على توظيف الكادر أو المشهد لخدمة لوحته الفنية؛ فهو يتفرّد بأسلوب واضح من حيث اللقطة التي يحصرها ضمن الكادر».

الصورة التي حصلت على جائزة الأمم المتحدة في مسابقة المرأة والتنمية

يذكر أن "مزاوي" من مواليد "دمشق" عام 1964، وعضو نقابة المحامين في "سورية"، باحث ومهتم بشؤون الصورة وآفاقها، ومحاضر وأستاذ زائر لمادة التصوير بأكثر من جامعة، حائز على العديد من الشهادات والجوائز والميداليات محلياً وعربياً وعالمياً، أهمها: "الجائزة الأولى من الأمم المتحدة مكتب التنمية والسكان في مسابقة المرأة والتنمية" عام 2003، وجائزة "لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة الأمم المتحدة"، والميدالية الذهبية من دولة الفاتيكان عن صورة لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني عام 2001، والميدالية التقديرية من اتحاد المصورين العرب عن أعمال معرضه "نساء شرقيات" عام 2002، وشهادة من منظمة اليونسكو باريس 1997 عن أعماله على زخارف الحرف اليدوية، وشهادتان من منظمة "فياب" من خلال مشاركته باسم النادي السوري عامي 1998 و1999، وشهادة عن حال الأرض ببداية الألفية عام 2000، وشهادة من معرض "فرانكفورت" للكتاب عام 2004، إضافة إلى عدد من الجوائز عن أعماله في معارض مشتركة فيها.