بدأ سوقاً للحلاقة؛ لتغدو الخياطة المهنة الأساسية فيه اليوم، خلت بيوته من أهلها لتكون محطة للقاء الأحبة، من أكثر الأحياء الدمشقية هدوءاً، وما زال يحافظ على أسعار مقبولة في ظل الغلاء المنتشر.

مدونة وطن "eSyria" تجولت في السوق بتاريخ 3 نيسان 2015، حيث التقت أقدم حلاق في السوق "محمد عدنان الجولجي"، وهو الشاهد على التغيرات التي لحقت بالحي، يقول: «ما زلت أمارس مهنة الحلاقة التي ورثتها عن والدي منذ سبعة وسبعين عاماً، وقد كنت شاهداً على التغيرات الكثيرة التي طرأت على الحي، أذكر عندما كنت صغيراً كانت "الحارة" ملأى بالبساتين، وكانت تمتد من سوق "ساروجا" حتى "المرجة"، إلى أن شُق شارع "الثورة" ففصله عنها، وكانت تجارة الأحذية هي الرائجة آنذاك، ثم انتقل إلى الحلاقة فالخياطة، وهناك الكثير مما يميزه عن غيره من الأسواق، فما زال يقصدنا الأشخاص الراغبين في الحلاقة "الاستانبولية" التي يشتهر بها حلاقو السوق، فيقصدوننا من "وادي بردى" و"عين الفيجة" و"الصبورة"، والآن تعد صالة الحلاقة التي أعمل بها المقصد الوحيد لكون المهنة انقرضت في السوق، وطغت عليها مهنة الخياطة، وتحديداً خياطة الزي العسكري.

كانت المنطقة مشهورة بالبساتين وشجر الجوز، وكان هناك شجرة جوز كبيرة في أول السوق، مالت بفعل تقدمها في العمر، لتشكل ما يشبه "الحدبة" ليسمى السوق "جوزة الحدبة"

أضف إلى ذلك؛ يتميز السوق بكثرة الآثار التي يجدها أصحاب البيوت والمحال حين يحفرون لإصلاح منازلهم حتى اليوم، ليقوموا بتسليمها إلى الجهات المعنية برعايتها».

عدنان الجولجي أقدم حلاق في السوق

ويضيف قائلاً عن بقية المزايا: «يعد السوق تجارياً وسياحياً بوجه عام، خصوصاً بعد أن هجره معظم قاطنيه باستثناء منزلين: بيت "الرملي" وبيت "كيالي"، فتم تحويل البيوت إلى مطاعم ومقاهٍ وفنادق، كما قام العديد من أصحاب المحال بتحويلها إلى متاجر شرقيات وتحف و"أنتيكا" تماشياً مع رغبات الزبائن من سياح وهواة ومحبين للتراث الدمشقي القديم، ويشهد السوق ازدحاماً لا يفارقه طوال اليوم، وتكون الذروة في المساء، حيث يطول السهر في المقاهي حتى ساعات الصباح الأولى».

وعن سبب التسمية يضيف قائلاً: «كانت المنطقة مشهورة بالبساتين وشجر الجوز، وكان هناك شجرة جوز كبيرة في أول السوق، مالت بفعل تقدمها في العمر، لتشكل ما يشبه "الحدبة" ليسمى السوق "جوزة الحدبة"».

المقاهي المنتشرة في السوق

وأثناء تجوالنا التقينا الشاب "محمد قرشيلي" أحد المداومين على زيارة السوق ليقول: «منذ ست سنوات وأنا آتي إلى السوق يومياً، فأنا أصمم على أن تكون بداية ونهاية يومي من هنا، حيث أجلس في الصباح أتصفح الصحيفة وأتناول قهوتي الصباحية؛ ثم أنطلق إلى عملي بعد أن أكون قد شحنت بطاقة إيجابية أستمدها من البيوت الدمشقية التي أعشق، لأعود في المساء للاجتماع بأصدقائي في المقاهي المنتشرة ونبقى حتى وقت متأخر من الليل، وهو يعني لي الكثير لأنني بالأصل ابن هذه المنطقة، لذلك فأنا أتردد إليه باستمرار، على الرغم من أنني أسكن في "المزة"؛ لكنني أجد فيه ما لم أجده في المناطق الأخرى، فهنا حيث الطابع الشعبي والتراثي القديم الذي يعكس حضارة "دمشق"، كما أنه يناسب احتياجاتي اليومية، فأسعاره مقبولة إذا ما قورنت بأسعار البضائع في الأسواق المجاورة، حيث أستطيع الحصول على ما يلزمني من خياطة وهدايا وتحف، وشرقيات، كما أنني من محبي الفضة التي تكثر في السوق الملاصق لسوق "ساروجا"، حيث أتسوق مستلزمات البيت من خبز وكعك وحلويات، وأنا أرغب بتكوين صداقات هنا أسعى لتكون دائمة».

"مهند أسامي" يعمل في "الخياطة" منذ خمسة عشر عاماً يقول: «تعلمت المهنة عند والدي العتيق فيها، وهي المهنة الأكثر رواجاً في الحي، ويعد السوق الوحيد في "دمشق" الذي يختص بخياطة الزي العسكري وبدلات المراسم، وهو يزود محال الجملة والزبائن العاديين، وما تزال أسعارنا مقبولة، إذ يتراوح السعر بين 700 و3000 ليرة سورية، ويقصدنا الناس من كافة أنحاء المدينة، وأحياناً من المحافظات الأخرى».

مهند أسامي

ويضيف قائلاً: «يحتوي السوق على أكثر من خمسين محلاً، معظم شاغليها من خارج الحي، قام بعضهم بتحويل محالهم لبيع التبغ ولوازم النرجيلة، وذلك تماشياً مع الانتشار الكبير للمقاهي في المنطقة، وتجمعنا مع الجوار من أصحاب المصالح علاقة إنسانية جيدة ومتينة، قد تكون فرضتها عراقة الحجارة التي تحيط بنا، فنحن نُواظب على الاجتماع باستمرار ونقوم بإحياء المناسبات معاً وإقامة موائد وحفلات مسائية، كما قمنا مؤخراً وبمساعدة السيدة "ناديا خوست" من جمعية "أصدقاء دمشق" بإيقاف هدم المنطقة المستملكة من قبل المحافظة، لكونها من أكثر الأحياء الدمشقية غنى بالآثار، كما أُقيم مؤخراً وضع أجهزة صوت حساسة تقيس درجة الضجيج في الحي والأحياء المجاورة، فتبيّن أنه يملك أكبر نسبة هدوء من الأحياء المجاورة، وهذا يعود لكونه مغلقاً، ولا يوجد فيه مكان للسيارات والمعامل والورشات التي تسبب الضجيج».

يذكر أن السوق تعرض لحريق كبير منذ عامين؛ أتى على بعض المحال والمنازل، وتقوم اليوم مديرية الآثار بالتعاون مع وزارة السياحة بترميمه.